سول بيلو.. كتابة تومض بالسخرية وتتقد بالرحمة

شيرين صبحي

رؤية

في وقت مبكر بدأت محاولات سول بيلو في الكتابة، لكن والده كان دائما يرفض الأمر، حتى قال له يوما بسخرية: “أنت تكتب ومن ثم تشطب ما تكتبه”..! وعندما بلغ العشرين من عمره سأله والده: “هل تعتبر الكتابة وظيفة؟”.

لكن هذا الرفض لم يثن “بيلو”، الذي كان يلقى تشجيعا من والدته التي توفيت وهو في السابعة عشرة من عمره.

في حي فقير للمهاجرين في إحدى ضواحي مدينة مونتريال، ولد الكاتب سول بيلو في 10 يوليو عام 1915م، حيث كانت أسرته اليهودية قد هاجرت من روسيا قبل عامين من ولادته.

كان والده تاجراً للبصل المصري، لكنه لم يوفق في تجارته، فقررت العائلة النزوح إلى أمريكا، واستقرت في مدينة شيكاغو حين كان عمر الكاتب تسع سنوات.

التحق بجامعة شيكاغو، وحصل على شهادة بالإنثربولوجي وبعلم الاجتماع وشكل هذان الاختصاصان الأساس لأعماله الروائية، فكان يقول: “كل مرة أعمل على أطروحتي تستحيل إلى قصة”.

انتقل بيلو في نهاية الثلاثينات، إلى مدينة نيويورك، وهناك حاول كتابة الرواية والقصة، لكنه لم يحقق نجاحا، فبدأ في كتابة عروض للكتب.

وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية رفض دخول الجيش بسبب إصابته بالفتق، والتحق بمشاة البحرية، وفي تلك الأثناء كتب روايته الأولى “رجل متدله”، وعندما بلغ الثلاثين كتب روايته الثانية “الضحية”، التي يتحدث فيها عن معاداة السامية. لكن الروايتين لم تحققا أي حضور أدبي.

في نهاية الأربعينات، حصل على منحة دراسية في باريس، وبعد فترة طويلة من التسكع، كتب روايته الثالثة “مغامرات أوجي مارش”، التي استوحي شخصيتها من صديق طفولته جوكي.

نشر روايته عام 1953، فوصلت إلى قائمة الكتب الأكثر مبيعا، ووصفه النقاد بالصوت الجديد في الرواية الأمريكية، نظرا لأسلوبه المتدفق الذي يشبه موسيقى الجاز، ولغتها القريبة من لغة الشاعر والت ويتمان.

وعندما كتب روايته الرابعة “هندرسون ملك المطر”؛ شعر بأنه أصبح يملك أدواته الإبداعية، فكتب بعدها رواية “هرتسوگ”، ويحكي فيها عن بطل مهووس بكتابة الرسائل إلى الجرائد وإلى الأموات، وفاز عنها بجائزة الكتاب الوطني.

يتحدث بيلو في روايته “كوكب السيد ساملر”، التي كتبها عام 1969، عن رجل ينجو من المحرقة النازية ويعيش في نيويورك يجتر تاريخه وماضيه.

وعندما نشر روايته “هدية هامبولت”، حصل للمرة الثانية على جائزة الكتاب الوطني. وفي عام 1975 فاز بجائزة پوليتزر. ومهدت هذه الرواية الطريق لحصوله على جائزة نوبل للآداب عام 1976، والتي وصفتها الأكاديمية السويدية بأنها “تفيض بالأفكار وتومض بالسخرية وهي كوميديا مرحة وتتقد بالرحمة”.

بعد حصوله على جائزة نوبل، ألف بيلو رواية طويلة بعنوان “رافيلشتاين”، والتي استوحى أحداثها من حياة صديقه البروفسور آلن بلوم صاحب كتاب “انغلاق العقل الأمريكي”، الذي مات بمرض الإيدز.

تبدو شخصيات بيلو أقرب إلى الأدب الأوروبي، والإرث الإغريقي والروماني الغربيين، في بحثها عن الله والقيم الكبرى في أمريكا الرأسمالية والماديّة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ترى الناقدة الأمريكية ميكاكو كاكوتاني، أن أدب سول بيلو، ظل مدينا لدراسته الأولى للكتاب المقدس ولقراءته لمسرحيات شكسبير ولكبار كتاب روسيا من القرن التاسع عشر.

تقول كاكوتاني: “إن أعمال بيلو القوية تستمد تقاليدها من الوجودية الأوروبية ومن الأخلاقيين الروس ومن الدماء الأمريكية الحمراء أمثال ميلڤل ودريزاير من أجل خلق عالمه الروائي المتميز”.

في كتاب “حياة سول بيلو: حب وشقاء”، يتناول مؤلف السيرة الأمريكي زَكَري ليدر، سنوات القمّة التي عاشها بيلو، حيث نال شهرة كبيرة داخل وخارج أمريكا.

يكشف الكتاب عن اضطرابات “بيلو” وحياته العاطفية الدرامية وبحثه المضني عن امرأة، حيث كانت علاقاته بالنساء دائماً مشحونة، وتنتهي بالفشل، لكنه رغم هذا لم يكلّ في البحث عن شريكة، آخرها زواجه للمرة الخامسة وهو في الثمانينات من عمره، حيث أصبح أباً للمرة الرابعة، بعد علاقات مضطربة مع أبنائه الثلاثة!

رحل بيلو في مثل هذا اليوم 5 أبريل عام 2005.

ربما يعجبك أيضا