ضد القانون الدولي.. أسباب رفض مصر والسودان اتفاقية عنتيبي

إسراء عبدالمطلب

أعلنت مبادرة حوض النيل، الأحد 13 أكتوبر 2024، عن دخول الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل (عنتيبي) حيز التنفيذ، وهو ما أثار ترحيبًا من إثيوبيا ورفضًا قاطعًا من مصر والسودان.

هذه الاتفاقية التي كانت محل جدل طويل تمثل خطوة جديدة في النزاع المتعلق بمياه نهر النيل، إذ تؤكد مصر والسودان أن الاتفاقية تتعارض مع القانون الدولي ولا تلزمهما بأي شكل، وفي هذا السياق، أكد الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، أن الحفاظ على نهر النيل يمثل “مسألة وجود” بالنسبة لمصر، حسب الهيئة المصرية العامة للاستعلامات.

اتفاقية عنتيبي 2010 تدخل حيز التنفيذ

اتفاقية عنتيبي 2010 تدخل حيز التنفيذ

اتفاقية عنتيبي

رحبت إثيوبيا بدخول الاتفاقية حيز التنفيذ، حيث وصف وزير المياه والطاقة الإثيوبي، هبتامو إتافا، هذا اليوم بأنه “نجاح تاريخي” لشعوب دول حوض النيل، مشيرًا إلى أن الاتفاقية ستؤدي إلى إنشاء مفوضية حوض نهر النيل التي ستدير الموارد المائية بشكل مستدام وتستخدمها بعدالة بين جميع الدول.

وفي المقابل، أكدت مصر والسودان، في بيان صادر عن وزارة الموارد المائية والري، أن المفوضية الناشئة عن الاتفاق الإطاري لا تمثل حوض النيل بشكل كامل، وجدد البلدان التزامهما بالتعاون مع دول الحوض بما يتماشى مع القوانين الدولية، ودعا البيان إلى عدم اتخاذ إجراءات أحادية تسهم في الانقسام بين دول المنابع ودول المصب.

موقف مصر والسودان

شددت مصر والسودان في البيان الصادر عن وزارة الموارد المائية أن دول حوض النيل يجب أن تتعاون في إطار شامل يعيد اللحمة لمبادرة حوض النيل، كما تم تأكيد أن أي اتفاق يجب أن يحقق المنفعة للجميع دون إلحاق الضرر بدول المصب، مشيرين إلى أن إعادة شمولية مبادرة حوض النيل هي الطريق الأمثل لتوحيد دول الحوض.

وفي يوليو الماضي، صادقت جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي لتنضم إلى الدول الموقعة الأخرى مثل إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وكينيا، ومع ذلك، لم تصادق على الاتفاقية كل من مصر والسودان وبوروندي والكونغو الديمقراطية وإريتريا، ما يبرز الانقسام بين دول المنابع ودول المصب.

مسألة وجود

من جانبه، شدد الرئيس السيسي في كلمة ألقاها خلال افتتاح “أسبوع القاهرة للمياه” على أن نهر النيل يمثل مصدرًا رئيسًا للمياه لمصر، مؤكدًا أن “الحفاظ على هذا المورد الحيوي هو مسألة وجود”، ودعا السيسي المجتمع الدولي إلى دعم جهود الدول الإفريقية في إدارة مواردها المائية، وتوفير التمويل اللازم لتحقيق الأمن المائي والتنمية في القارة السمراء.

وتأتي هذه التطورات وسط خلافات مستمرة بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة، حيث أكدت مصر أن سياسات إثيوبيا تجاه السد ستؤدي إلى آثار سلبية على دولتي المصب، وكانت مصر قد وجهت خطابًا إلى مجلس الأمن الدولي في سبتمبر الماضي، مُحذرة من مخاطر السياسات الإثيوبية.

المفاوضات الثلاثية

منذ عام 2011، تطالب مصر والسودان بالتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، خاصة في فترات الجفاف لضمان استمرار تدفق حصتيهما من مياه النيل، إلا أن إثيوبيا ترفض هذه المطالب، معتبرة أن السد أساسي لتنمية البلاد، خاصة في توليد الكهرباء، مما أدى إلى تجميد المفاوضات لعدة سنوات.

وفي ديسمبر 2023، عُقدت الجولة الرابعة من المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان في أديس أبابا، لكن هذه الجولة انتهت دون تحقيق نتائج ملموسة، ومصر اتهمت إثيوبيا بعدم قبول أي حلول وسط، وأكدت على حقها في حماية أمنها المائي.

ويمثل دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ تطورًا جديدًا في النزاع المستمر بشأن مياه نهر النيل، في حين ترى إثيوبيا أن الاتفاقية تدعم التعاون بين دول الحوض، تؤكد مصر والسودان أن الاتفاقية غير مُلزمة لهما، لأنها تتعارض مع القوانين الدولية وتهدد حصصهما التاريخية من مياه النهر.

رفض مصر والسودان للاتفاقية

في هذا الإطار، قال المحلل السياسي، الدكتور أحمد العناني، في تصريحات خاصة لـ”شبكة رؤية الإخبارية”، إن رفض مصر والسودان لاتفاقية عنتيبي يأتي نتيجة لتعارضها مع القانون الدولي وقانون الأنهار العابرة، لافتًا إلى أن الهدف الأساسي من الاتفاقية هو خدمة مصالح إثيوبيا، التي تسعى من خلالها إلى ترسيخ شرعيتها في بناء السدود، مشيرًا إلى أن هذه الاتفاقية تمثل تتويجًا لاتفاقية سد النهضة، والتي خالفت فيها إثيوبيا قواعد الملء والتشغيل دون توقيع اتفاق قانوني ملزم.

وشدد العناني أن اتفاقية عنتيبي تمنح الدول الموقعة عليها الحق في بناء سدود أخرى، ليس فقط سد النهضة، بل يمكن أن تشمل دولًا أخرى مثل الكونغو، تنزانيا، رواندا، وبوروندي، وأضاف أن التخوف الرئيس لمصر والسودان يأتي من هذه النقطة، حيث يمكن أن تؤدي الاتفاقية إلى تقليص حصصهما من مياه نهر النيل.

التعارض مع اتفاقية 1959

أشار العناني إلى أن اتفاقية عنتيبي تتعارض بشكل مباشر مع اتفاقية 1959، التي وقعت بين مصر والسودان، وخصصت لمصر حصة قدرها 55 مليار متر مكعب من المياه، والسودان 18.5 مليار متر مكعب، هذه الحصص تمثل حقوقًا قانونية ملزمة بموجب القانون الدولي، وأي اتفاقيات لاحقة يجب أن تحترم هذه الالتزامات.

ولفت العناني إلى أن الجانب الإثيوبي يدعي أن الاتفاقيات السابقة، بما في ذلك اتفاقية 1959، وُقعت في ظروف استعمارية، وبالتالي لا يعترف بها. ومع ذلك، أكد أن هذه الاتفاقيات وُقعت من قبل حكومات مستقلة وليست تحت الاحتلال، وبالتالي فإنها ملزمة قانونيًا لإثيوبيا.

بطلان الاتفاقية

أشار العناني إلى أن اتفاقية عنتيبي تُعتبر باطلة من الناحية القانونية لأنها لم تحظ بموافقة جميع دول حوض النيل، بما في ذلك مصر والسودان، موضحًا أن القانون الدولي يشترط موافقة كافة الأطراف المعنية بأي اتفاقيات تتعلق بالأنهار العابرة، وإلا فإن الاتفاقية تعتبر غير ملزمة.

وأضاف العناني أن إثيوبيا تحاول استغلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن لشرعنة هذه الاتفاقية، إلا أن هذا الأمر غير قانوني، وستعترض مصر عليه بشدة، ولفت إلى أن القانون الدولي يلزم الدول الموقعة على الاتفاقية بإعادة النظر في الترتيبات مع دول المصب التي تعترض عليها، ولا يمكن إدراج هذه الاتفاقية في أي منظمات دولية أو إقليمية مثل الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي.

واختتم العناني: “اتفاقية عنتيبي تتعارض مع القانون الدولي وقوانين الأنهار العابرة، ولن يتم الاعتراف بها دوليًا من قبل الدول التي لم توقع عليها، بما في ذلك مصر والسودان”، مشددًا على أن مصر ستستند إلى الاتفاقيات السابقة، مثل اتفاقية 1959، للدفاع عن حقوقها المائية، وستلجأ إلى القنوات القانونية الدولية في هذا الشأن.

ربما يعجبك أيضا