مؤلف «ماكيت القاهرة» يكشف لـ«رؤية» كواليس الرواية المرشحة لحصد «البوكر»

رنا الجميعي
الروائي المصري المرشح للبوكر طارق إمام

ما كواليس رواية "ماكيت القاهرة" المرشحة لجائزة بوكر، وأسباب تناول مؤلفها للقاهرة كموضوع للرواية؟ وعلاقته بالعاصمة؟ واختياره لـ3 أزمنة في الرواية؟ ورؤيته لاستخدام اللغة والمزج بين الواقع والخيال؟


وصل الروائي المصري، طارق إمام، عن رواية “ماكيت القاهرة”، الذي صنع مستقبلًا للعاصمة المصرية القاهرة داخل روايته، للقائمة القصيرة في البوكر العربية لعام 2022، وهو الكاتب المصري الوحيد داخل القائمة.

إمام صحفي من مواليد عام 1977، ولديه 12 عملًا أدبيًّا، ونال عدة جوائز منها جائزة سعاد الصباح للإبداع العربي لأفضل مجموعة قصصية، والجائزة المركزية الأولى لوزارة الثقافة المصرية، وجائزة الدولة التشجيعية في الآداب.

الوصول للقائمة الرئيسة للبوكر.. ولماذا استغرقت 10 سنوات؟

عبر إمام عن سعادته لوصول روايته إلى القائمة القصيرة للبوكر، لكونها أهم جائزة عربية، موضحًا أن المشاركة في القائمة الطويلة والقصيرة يمنح الضوء للعمل الأدبي، والقراء ينتظرون قوائمها بشغف، وتابع: “أفتخر بوجود رواية ماكيت القاهرة ضمن القوائم، لأنها تمثل بقدر أو آخر رؤية معاصرة في الكتابة العربي”.

وكشف عن سر مدة كتابة الرواية قائلًا: “كتبت المفتتح خلال تفاعلي مع ثورة يناير 2011، وشعرت أنها مقدمة لرواية كبيرة، وبسبب تسارع الأحداث وتبعات الثورة انتظرت سنوات، لأن التبعات مستمرة، كأن القوس لم يُغلق واللحظة التاريخية لم تصبح تاريخية بعد، ومنذ 2012 وأنا أكتب الرواية، وكتبت نحو 12 مسودة لها، حتى شعرت في 2021 أن عليّ الانتهاء منها، خاصة بعد مرور 10 سنوات على الثورة المصرية”.

وبيّن أن لحظة ثورة يناير كانت “مزلزلة له”، وأنه شعر أن هذه اللحظة ستصبح سردية، وقال: “في نفس توقيت الثورة وتبعاتها كنت أعيد التفكير في دور الفن ومدى اشتباكه مع الواقع، وأنا أرى من حولي فنونًا معاصرة تتفاعل مع الحدث، مثل الكوميكس والكاريكاتير والجرافيتي، كل ذلك جعلني أفكر في كتابة رواية تجمع هذه التساؤلات”.

الفانتازيا .. وتحدي 3 أزمنة

تتحدث المقدمة عن طفل يوجه إصبعه ناحية أبيه كأنه مسدس، ويموت الأب بالفعل، ما يشير إلى أن الرواية ستأخذك إلى عالم فانتازي. يقول إمام: “لا أستطيع وصف الرواية بأنها فانتازية بالكامل، لعلها تنتمي أكثر إلى الواقعية السحرية، والواقع ليس ما نراه فقط بل ما وراءه أيضًا، بدليل أننا نتعامل مع الأحلام كجزء من الواقع، والإنسان ليس مادة فقط، بل يملك الخيال والعالم الموازي الذي يحلم به”.

وأوضح أن “الرواية تعتمد على سؤال الزمن وعلاقته بالقاهرة، فالمدينة تتساءل عن هويتها ماذا كنت؟ وماذا أنا الآن؟ وماذا سأصبح؟ وبالتالي احتوت الرواية على 3 أزمنة هي 2011 عام الثورة، و2020 عام فيروس كورونا، و2045 الزمن المتخيل لمستقبل القاهرة”. وتابع: “هذه أول مرة أعمل على زمن مستقبلي، بل هما زمنان، فقد كتبت في الفصل الأخير عن لحظة أبعد من عام 2045”.

سر الأسماء الغريبة

“نود” و”أوريجا” و”بلياردو” شخصيات رئيسة تدور حولها الرواية، وعن سر اختيار هذه الأسماء قال إمام: “عادة ما يستعير الفنان المستقل اسمًا حركيًّا في جيلنا على الأخص، لأن الفنانين في الرواية تلاحقهم السلطة السياسية والدينية بممثليها رجل الشرطة ورجل الدين، وبالتالي يجب أن تكون لديهم أسماء حركية”.

وتابع: “استعرت اسم فنان الجرافيتي بلياردو من الألوان السبعة للبلياردو، لأن هويته الجنسية مُرتبكة، واسم مخرجة الأفلام الوثائقية نود من تعريتها لجسدها أمام المرآة، واسم صانع الماكيت أوريجا من فن الأوريجامي”.

ثورة 25 يناير

كتب كثيرة عرضت أحداث الثورة، ما تسبب في قلق إمام عند بدء روايته، وعن هذا يقول إن عوامل كثيرة جعلته يشعر بالقلق في البداية، أولها أن أعمالًا فنية كثيرة تناولت الثورة، بعضها جيد، وبعضها لمجاراة اللحظة ومداعبة القارئ، وتابع: “أعرف أني أمام تهمة جاهزة بأني ككاتب قررت الكتابة عن لحظة مهمة في تاريخ مصر، والأمر الثاني لأني عشت بنفسي تلك اللحظة وشاركت فيها”.

وأضاف: “كان السؤال كيف أحوّل هذه الفترة إلى نص جمالي يبعد عن المباشرة والدعاية، ويناقش ويفكك، لذا أستطيع القول إن هذه الرواية أصعب ما كتبت في حياتي، على المستوى البنائي أو الشخصي، لأنها تحكي عني وعن الجيل الذي أنتمي إليه، وأزيد على ذلك أنها تتحدث عن الفن، وبها جانب فلسفي ووجودي كبير. وأن تضع كل هذه الأسئلة بطريقة منسجمة ليس سهلًا”.

قاهرة إمام مقابل قاهرة محفوظ

رغم صعوبة خطوطها، “ماكيت القاهرة” هي الأقرب لإمام، الذي أوضح أنه وضع في الرواية أفكاره وصراعاته الشخصية، فالرواية مبنية في الأساس على أشخاص، كل شخص فيها لديه جانب حقيقي يعتبر الكاتب أنه جزء منه. والمسافة بين إمام وبين الشخصيات أقرب، ما جعل ورطته أكبر، فمن غير المعقول أن يصبح الكاتب متعاطفًا أو كارهًا للشخصيات الأدبية، وعليه خلق شخصيات منسجمة.

رواية ماكيت القاهرة المرشحة للبوكر

روايات كثر تحدثت عن القاهرة، وعن علاقته بالعاصمة المصرية يقول إمام: “عشت في القاهرة أكثر من 20 عامًا، فقد قدمت إليها من مدينتي دمنهور في سن 22 عامًا، وأعتبر القاهرة مدينتي وليست مدينتي في الوقت نفسه، وداخلها توجد طبقات عديدة لأنها مدينة غير مبالية، فالكثير من سكانها يفقدون حياتهم بسبب الحوادث وتستبدل بهم آخرين في لحظات”.

ويضيف: “عدد سكانها أكثر من 10 ملايين نسمة، وداخل الرواية أطرح هواجسي كلها، عن اغترابي فيها كفنان، وعن الفن المهدد من السلطة، ومن الناس العادية أيضًا، وهو ما أشعر به طوال الوقت”.

ويوضح: “الرواية تقول إن لكل شخص القاهرة الخاصة به، فالمدينة تسكن فينا، فلو سألنا 10 أشخاص عن تعريف القاهرة، سيأتي كل شخص بتعريف مختلف، وقد قررت كتابة القاهرة من باب الافتراض، لأننا صرنا في زمن الافتراضية فيه هي البطل، ومن هنا جاء مجسم مدينة القاهرة التخيلي”.

النجاح النقدي والأدبي

بعد النجاح الذي حققته الرواية على المستوى النقدي، عبّر إمام عن سعادته بذلك قائلًا: “الرواية قرأها نقاد مصريون وعرب، وحازت على إعجاب القراء، رغم أنها رواية لا تُقرأ في جلسة واحدة لأنها مليئة بالأفكار، وتصدّرت المبيعات، وكل ذلك أفرحني لأني دومًا أضع رهاني على القارئ، وأن يكون للكتابة التجريبية حظ مع القراء”.

ربط القراء رواية ماكيت القاهرة بروايات موراكامي الفانتازية، وهو ما أرجعه الروائي المصري إلى مزجه الخيال بالواقع قائلًا: ” الحقيقة أن الخيال صناعة عربية، نحن أبناء ألف ليلة وليلة، ولا يُمكن ربط الخيال بكاتب معين”.

لغة إمام.. والخيط الرابط بين أعماله

عن وصف البعض للغة الرواية بـ”المتكلفة”، رأى إمام أن “الأدب هو استنطاق العالم عبر اللغة، وأن النص الأدبي ليس جريدة ولا نشرة أخبار، والرواية على عكس السينما لا تملك سوى عنصر واحد تعتمد عليه هو اللغة”. ويوضح مؤلف الرواية أنها تحتوي على مستويات من اللغة، تخللتها حوارات بالعامية المصرية، وبعضها كان بالفصحى، والبعض الآخر فصيح ممزوج بكلمات إنجليزية، حسب الشخصية.

طارق إمام له 12 عملًا أدبيًّا، وعن الخيط الجامع بينها يقول الروائي المصري: “أعتقد أني دومًا مشغول بعلاقة الفرد بالمدينة، كذلك مشغول بالفن كموضوع، أبطالي دومًا كُتاب ويشتغلون بالكتابة، وتحمل رواياتي نظرة نقدية وتحليلية دومًا، ومزج بين الواقع والخيال، ولغتي متأثرة بالشعر لأني أرى أن كل فن يُصنع هو فن يبحث عن قصيدته الخاصة، وبالتالي فكل رواية لي تبحث عن قصيدة ما”.

ربما يعجبك أيضا