عام على حرب أوكرانيا.. كيف واجه الاقتصاد الروسي سلاح العقوبات؟

ولاء عدلان

في الذكرى الأولى لاندلاع شرارة حرب أوكرانيا، فرض الاتحاد الأوروبي، مساء أمس الجمعة، حزمة عاشرة من العقوبات على موسكو، تتضمن قيودًا أكثر صرامة في مجال تصدير التكنولوجيا والسلع مزدوجة الاستخدام.


منذ اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، 24 فبراير 2022 الماضي، وحتى الآن، يواصل الغرب، بقيادة أمريكا والاتحاد الأوروبي، محاصرة الاقتصاد الروسي بالعقوبات.

ولكن الاقتصاد الروسي صمد في مواجهة العقوبات، رغم مرور عام على فرضها تدريجيًّا على موسكو، ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء الماضي، إلى أنْ يؤكد، خلال خطاب أمام الجمعية الفيدرالية، أن محاولات الغرب لسحق اقتصاد بلاده فشلت.

الاقتصاد الروسي يتجاوز صدمة العقوبات

قال الرئيس الروسي إن الغرب اتبع وسائل مختلفة خلال عدوان العقوبات ضدنا، فحاول قطع العلاقات الاقتصادية مع شركاتنا وفصل النظام المالي الروسي عن قنوات الاتصال الدولية، لسحق اقتصادنا وزعزعة استقرار مجتمعنا، ولكن هذه الخطط لم تنجح.

وأضاف أن الاقتصاد الروسي انكمش 2.1% خلال العام الماضي، في إشارة إلى صموده في وجه العقوبات وتجنبه الانهيار المستهدف من الغرب.

وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، انكمش الاقتصاد الروسي خلال 2022 بنحو 2.2%، وهو أقل بكثير من توقعات واشنطن وبروكسل لانكماش يتراوح بين 10 و25% وحتى من توقعات لوزارة المالية الروسية لانكماش بنحو 2.7%، وفق روسيا اليوم.

صندوق النقد

تقديرات صندوق النقد لنمو الاقتصاد الروسي

رفض الدعاية الروسية وتأثير العقوبات يتجاوز حدود روسيا

ردًّا على ادعاء موسكو بشأن فشل آلية العقوبات في تحقيق أهدافها، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 21 فبراير، إن موسكو تقول إن الاقتصاد تراجع -2% نحن نعتقد أن الرقم الحقيقي أكثر بكثير، لا نصدق هذه الأرقام الدعائية، مضيفًا أن الاقتصاد الروسي يعاني كثيرًا.

واتفقت معه وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، وقالت في تصريحات صحفية، الخميس الماضي، إن العقوبات أثرت كثيرًا في اقتصاد موسكو، وعزلته عن العالم وشلت قدراته، وفق وكالة رويترز.

خسائر الاقتصاد العالمي

في مقابل هذا العقوبات ومجابهة الروس لها، قدرت دراسة حديثة للمعهد الاقتصادي الألماني “آي دبليو” أن حرب أوكرانيا كلفت الاقتصاد العالمي خلال 2022 نحو 1.6 تريليون دولار، وتقر واشنطن وبروكسل ومجموعة البنك الدولي بأن حرب أوكرانيا تسببت في مفاقمة أزمة الأمن الغذائي عالميًّا.

وفي إبريل الماضي، حذر البنك الدولي من تداعيات حرب أوكرانيا قائلًا إن الحرب غيّرت أنماط التجارة والإنتاج والاستهلاك عالميًّا بطرق من شأنها أن تبقي الأسعار عند مستويات عالية حتى نهاية 2024.

البنك الدولي مساهمة روسيا واوكرانيا وبيلاروس في حركة الصادرات

مساهم روسيا وأوكرانيا وبيلاوس في حركة الصادرات العالمية – البنك الدولي

الاقتصاد الروسي يتكيف مع العقوبات

خلال 2022، أبدت قطاعات الاقتصاد الروسي مرونة في التكيف مع العقوبات الغربية، وتمكنت من امتصاص أثر غالبية العقوبات، على سبيل المثال هوى الروبل في مارس الماضي، إلى مستوى قياسي مقابل الدولار، متجاوزًا عتبة الـ120 للدولار الواحد، ولكنه أنهى العام قرب الـ70 دولارًا بدعم من تدخلات البنك المركزي الروسي ونمو حجم التبادل التجاري بالروبل.

وفي 28 فبراير 2022، رفع البنك المركزي الروسي أسعار الفائدة من نطاق 9.5% إلى 20% للمرة الأولى منذ 2013، للحيلولة دون هروب الأموال من بنوك روسيا، وأيضا تدخل بعدها على مدار العام للسيطرة على التضخم لينهي العام عند مستويات 12% مقابل توقعات غربية بقفزة إلى 100%.

واستبعد الغرب روسيا من نظام سويفت للمدفوعات الدولية بين البنوك، من 26 فبراير 2022، إلا أن الشركات الروسية تمكنت من التكيف مع الوضع، فاعتمدت على استيراد السلع الغربية عبر دول حدودية ثالثة مثل قيرغيزستان أو أرمينيا، وعندما انسحبت العلامات التجارية العالمية من السوق الروسية، عقب الحرب، ظهرت شركات محلية لتحل ملحها، وفق فرانس برس.

قطاع الطاقة الروسي ينجو من فخ العقوبات

استهدف الغرب تحديدًا واشنطن وبروكسل ومجموعة السبع خلال العام الماضي، قطاع الطاقة الروسي، الذي يمثل أكثر من 50% من عائدات خزينة موسكو، بسلسلة من العقوبات، آخرها في ديسمبر عندما فرض سقفًا سعريًّا للخام الروسي عند 60 دولارًا للبرميل، إلا أن هذا لم يمنع موسكو من تسجيل قفزة في إيراداتها من قطاع النفط والغاز بنحو 28%.

وبلغت إيرادات روسيا من هذا القطاع نحو 168 مليار دولار مسجلة أعلى مستوياتها منذ 2011 مدفوعة بارتفاع الأسعار عالميًّا، ففي مارس بلغت أسعار خام برنت القياسي ذروتها عند 139 دولارًا للبرميل، وفق موقع قناة روسيا اليوم.

ونجح قطاع الطاقة الروسي أيضًا في تجنب العقوبات عبر إعادة توجيه صادراته إلى بلدان في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا وتحديدًا الصين والهند.

image 35 1536x960 1

حتى مطلع العام الحالي كانت أوروبا في صدارة الدول المستوردة لمشتقات النفطية من روسيا

هل يفشل سلاح العقوبات؟

في الذكرى الأولى لاندلاع شرارة حرب أوكرانيا، فرض الاتحاد الأوروبي، مساء أمس الجمعة، حزمة عاشرة من العقوبات على موسكو تتضمن قيودًا أكثر صرامة في مجال تصدير التكنولوجيا والسلع مزدوجة الاستخدام، وعلى الطرف الآخر فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة، تستهدف 22 شخصية روسية و83 كيانًا في قطاعي التعدين والبنوك.

ولكن سلاح العقوبات فشل في إحداث التأثيرات المرجوة من الغرب، داخل روسيا حتى اللحظة، على غرار ما حدث في فنزويلا وإيران، بحسب تصريح للمديرة التنفيذية لمركز ديفيس للدراسات الروسية والأوروبية والآسيوية في جامعة هارفارد ألكسندرا فاكرو لـ”دويتشه فيله”.

وأضافت أن روسيا معتادة على العيش في ظل العقوبات منذ 2014، عندما لاحقتها الدول الغربية بعقوبات على خلفية ضمها شبه جزيرة القرم، والأمر نفسه يتكرر اليوم.

الاقتصاد الروسي في 2023

يشكك بعض المراقبين في الإحصاءات الرسمية التي تقدمها روسيا خاصة مع امتناعها عن نشر بياناتها التجارية منذ فبراير الماضي، ولكن في ضوء المعلن تتوقع وزارة التنمية الاقتصادية الروسية انكماشًا للناتج المحلي بنحو 0.8%، مقابل توقعات لصندوق النقد بنمو قدره 0.3%.

وفي شبه إقرار بأثر العقوبات، توقعت وزارة المالية الروسية هذا الشهر أن يتجاوز عجز ميزانية 2023 مستوى 2% بفعل تراجع العائدات النفطية، ولكن رئيسة شركة “فاندا إنسايتس” فاندانا هاري توقعت أن تجد إمدادات النفط الروسي ومشتقاته طريقها للأسواق هذا العام، وفق شبكة سي إن بي سي.

وفي المقابل، توقع معهد “سي إيه بي آر” للأبحاث الذي يتخذ من لندن مقرًّا له، أن يواجه الاقتصاد الروسي ركودًا مطولًا على مدار السنوات المقبلة نتيجة العقوبات، ولكن معهد آي دبليو الألماني حذَّر من أن استمرار حرب أوكرانيا قد يكلف الاقتصاد العالمي نحو تريليون دولار هذا العام.

ربما يعجبك أيضا