عام من ضَعف أذرع إيران الخارجية.. عام مر على مقتل سليماني!

يوسف بنده

رؤية

كان لغياب قاسم سليماني في العام الماضي تأثير قوي بالسلب على النظام الإيراني، والمرشد علي خامنئي، والحرس الثوري، وفيلق القدس التابع للحرس الثوري، والجماعات الموالية للنظام الإيراني، والبيئة السياسية والعسكرية والأمنية في الشرق الأوسط، ويمكن القول إن غياب سليماني أضعف النظام الإيراني برمته.

وقد أشارت صحيفة “كيهان” إلى المراسم التي عقدت في العاصمة طهران، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمقتل قاسم سليماني، وشارك فيه عدد من المسؤولين والعسكريين أمثال قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، وقائد الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، وعدد من الضيوف العراقيين الذين يتبعون لجهات مقربة من إيران والحرس الثوري.

ونقلت الصحيفة  تصريحات لعدد من المسؤولين الذين أكدوا أن الانتقام لسليماني لا بد أن يتحقق حتى لو حدث هذا في أراضي الولايات المتحدة الأميركية وهو تصريح أدلى به قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني.

كما أشارت الصحيفة إلى تصريح قائد الحرس الثوري حسين سلامي، حيث أكد أن مسار المقاومة لا يزال مستمرا ولن يتوقف شيء في هذا الأمر، بل إن “عجلة الانتقام بدأت تسير بسرعة أكبر من السابق وقد ظهرت أساليب جديدة للقيام بهذا الأمر، وهناك أنواع كثيرة من سليماني بدأت تظهر في العالم الإسلامي”.

استبعد المحلل السياسي يوسف مولائي في مقال نشره بصحيفة “آرمان ملي” حدوث صدام عسكري بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وأكد أن البلدين يعيشان هذه الظروف منذ 40 عاما وهما يعرفان أسلوب بعضهما البعض في المواجهة.

وفي نفس الوقت لم يستبعد مولائي قيام ترامب بعمل للتغطية على هزيمته، لكنه أوضح أنه لا يمكن لأحد توقع حجم هذا العمل الذي قد يقدم عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيرا إلى أن الأهم من ذلك هو ماهية الرد الإيراني على ما قد تقوم به الولايات المتحدة الأميركية تجاه إيران في الأيام الأخيرة من إدارة ترامب.

قائد المليشيات الخارجية

كان قاسم سليماني يمثل القائد العام للجماعات الموالية للنظام الإيراني في الشرق الأوسط. حيث كان يقود بشكل مباشر الحشد الشعبي وفروعه المختلفة في العراق، وحزب الله في لبنان، وحماس، والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، والحوثيين في اليمن، ولواء فاطميون (الميلشيات الأفغانية)، ولواء زينبيون (الميلشيات الباكستانية) في سوريا.

وحسب تقرير قناة إيران إنترنشنال، فقد كانت هذه الجماعات، ولا تزال، الأذرع العسكرية للجمهورية الإسلامية ضد خصومها وأعدائها في كل هذه المناطق والبلدان، ووسائل نفوذها. ولم يكن قاسم سليماني القائد العام لهذه الجماعات فحسب، بل كان أيضًا مؤسسًا لبعضها، مثل الحشد الشعبي، وفاطميون، وزينبيون. كما استخدم هذه الجماعات كشبكة في إطار استراتيجيات الجمهورية الإسلامية، من خلال ربط هذه الجماعات.

وبعد مقتل سليماني، لم يتمكن إسماعيل قاآني، القائد الجديد لفيلق القدس، من لعب دور سليماني كقائد أعلى لهذه الجماعات واستخدامها كشبكة.

وحسب تقرير القناة الإيرانية المعارضة، فقد كان قاسم سليماني أيضًا أهم لاعب للنظام الإيراني في الشرق الأوسط، متقدمًا بفارق كبير على وزارة الخارجية. وقد كان هذا الدور والموقع نتيجة ثقة علي خامنئي والحرس الثوري به. وبعد مقتل سليماني، لم يكن قاآني، قادرًا على لعب مثل هذا الدور في الشرق الأوسط ومعادلاته.

وأظهر مجيء مصطفى كاظمي رئيسًا لوزراء العراق (وهو أكثر استقلالية عن إيران، مقارنة برؤساء الوزراء العراقيين السابقين)، اختلاف النفوذ بين سليماني وقاآني في العراق، فقد أعرب الكاظمي مرارًا وتكرارًا عن تصميمه على احتواء الحشد الشعبي بصفته قوة خاضعة للنفوذ الإيراني في العراق، كما أصبح مجال نفوذ الحشد الشعبي وتنقله خلال رئاسة كاظمي في العراق وقيادة قاآني لفيلق القدس أضيق بشكل كبير، على الرغم من أن الحشد الشعبي لا يزال لاعبًا مهمًا في المعادلة الأمنية السياسية العراقية، لا سيما في سياق التوترات بين إيران والولايات المتحدة.

أما في سوريا والعراق وقطاع غزة وحتى اليمن، فهناك المزيد من المؤشرات على تراجع حركة فيلق القدس، حيث لا يتمتع قاآني بحركية سليماني الشخصية وتأثيره بين قادة الجماعات التي تعمل بالوكالة، كما أدت تجربة استهداف سليماني إلى الحد من حضور قاآني العام والميداني.

استهداف أذرع إيران الخارجية

مقتل قاسم سليماني يدلُ على أن الاستراتيجية الأميركية أمست أكثر عدوانية ضد النظام الإيراني، والحرس الثوري، وفيلق القدس بصفته ذراعًا خارجية له. وهو تغيير أدى إلى تضييق نطاق تحركات فيلق القدس وقادته في فترة عام واحد بعد مقتل سليماني.

وقد أظهرت إدارة دونالد ترامب نهجًا مختلفًا تجاه النظام الإيراني والحرس الثوري عن إدارة أوباما. فبينما تُظهر بعض الوثائق أن إدارة أوباما امتنعت في الحالات التي كان من الممكن أن تستهدف فيها قاسم سليماني، اتخذ دونالد ترامب إجراءات فعلية عندما أدرك أنه يتعين عليه قتل سليماني.

في المياه الخليجية أيضًا، كان نهج إدارة ترامب تجاه التوترات بين السفن الأميركية والقوارب السريعة للحرس الثوري الإيراني مختلفًا عن نهج إدارة أوباما. بالطبع، حاولت إيران أيضًا إظهار رغبتها في عدم التراجع والاستعداد للمواجهة باستهداف طائرة أميركية دون طيار ومهاجمة قاعدة عين الأسد في العراق، لكن الحقيقة أن الهجوم المعلن مسبقًا على قاعدة عين الأسد، والذي أعطى للعسكريين الأميركيين فرصة للانتقال للملاجئ، لم يكن له نفس حجم مقتل قائد فيلق القدس أهم لاعب لإيران في الشرق الأوسط. فقد قتلت الولايات المتحدة أهم قائد في الحرس الثوري الإيراني وأهم قائد في الحشد الشعبي، لكن لم يُقتل جندي أميركي واحد في الهجوم الصاروخي الإيراني.

عام من التخبط

كان قاسم سليماني أهم قائد في الحرس الثوري. وعلى الرغم من أنه لم يكن القائد العام للحرس الثوري، إلا أنه من الواضح أنه كان أكثر أهمية وتأثيرًا داخل وخارج الحرس الثوري من القائد العام للحرس الثوري.

وقد أعلن باقر ذو القدر، النائب السابق لقائد الحرس الثوري الإيراني، مؤخرًا، في مقابلة تلفزيونية، أن الحرس الثوري الإيراني لم يكن له دور سوى الدعم واللوجستيات لفيلق القدس، وأن القيادة العملياتية لفيلق القدس كانت في الواقع مع المرشد علي خامنئي.

كما كان لسليماني علاقة شخصية خاصة مع المرشد خامنئي، لا يملكها أي من قادة الحرس الثوري الإيراني ومسؤولي النظام الإيراني، بما في ذلك قاآني. وفي هذا الصدد، أكد إسحاق جهانغيري، النائب الأول للرئيس الإيراني، مؤخرًا في مقابلة مع موقع “جماران” أن هذه العلاقة الخاصة كانت فريدة من نوعها بالنسبة لسليماني.

ومن بين مسؤولي الجمهورية الإسلامية، من الواضح أن سليماني كان أكثر نفوذًا من القادة الآخرين في الحرس الثوري الإيراني، بل لقد ورد ذكره كمرشح عسكري مهم لرئاسة الجمهورية. ومن الواضح أن إسماعيل قاآني لا يتمتع بمثل هذا الموقع، ولا يعتبر القائد الأهم بالحرس الثوري الإيراني، ولا يراه التسلسل الهرمي للحرس الثوري في موقع سليماني. ولذا، لا شك في أن الحرس الثوري أصبح أضعف دون قاسم سليماني.

لم يظهر البديل بعد

حدد النظام الإيراني أساس مواجهته مع خصومه وأعدائه على أساس المجموعات التي تعمل بالوكالة، وتطوير برنامجه الصاروخي. وكان قاسم سليماني قائد أحد هذين الشقين، وإزاحته تشكل ضربة خطيرة لإحدى الأداتين الرئيسيتين للنظام الإيراني في ألعابه ومعادلاته الإقليمية.

وعلى الرغم من أن النظام الإيراني يروج أنه لا يعتمد على الأفراد، لكن لا شك أن غياب قاسم سليماني أضر بمكانة النظام في الداخل وفي المنطقة. ويرى العديد من مؤيدي النظام الإيراني داخل إيران والمنطقة أن طهران فشلت في الرد بشكل مناسب على اغتيال سليماني، والتهديد بالانتقام هو في الواقع شكل من أشكال الدعاية التي تهدف إلى تبرير مؤيدي النظام.

يعرف المرشد علي خامنئي، أكثر من أي شخص آخر في النظام، أن أي صراع عسكري بين إيران والولايات المتحدة، قد يتحول إلى حرب شاملة، وأن النظام الذي يواجه اضطرابات اقتصادية واحتجاجات شعبية، قد لا يكون قادرًا على تحمل الضغوط المضاعفة لحرب جديدة فينهار النظام ويسقط. لهذا السبب يفضل النظام وقائده والحرس الثوري وفيلق القدس تحويل الانتقام لمقتل قاسم سليماني إلى مستقبل غير مؤكد وموضوع أبعد، وهو طرد القوات الأميركية من الشرق الأوسط. وهو هدف بعيد المنال تقريبًا ونوع من الإحالة إلى المستحيل بسبب بنية المعادلات في المنطقة والعلاقات الواسعة للعديد من جيران إيران في الغرب والشرق والجنوب مع الولايات المتحدة.

وبشكل عام، أظهرت سنة دون سليماني أنه لا بديل للقائد الراحل بالنسبة للنظام الإيراني وخامنئي والحرس الثوري وفيلق القدس والجماعات التي تعمل بالوكالة عن النظام في المنطقة. ويدرك خصوم النظام الإيراني وأعداؤه آثار إزاحة سليماني وهم راضون عن ذلك، حيث يعلم الجميع أن غياب سليماني مؤثر. سواء كان أنصاره في النظام هم الذين يتحسرون على فقدان شخصية رئيسية ومؤثرة، أو خصوم سليماني والنظام الإيراني الذين يعتبرونه، في الداخل، من ركائز النظام وقمع المحتجين، وفي المنطقة، سببًا في كثير من القتلى المدنيين في حروب الشرق الأوسط.

ربما يعجبك أيضا