على وقع “الألم” و”الأمل”.. اليابانيون يحيون الذكرى الـ 74 لمأساة “هيروشيما”

حسام السبكي

حسام السبكي

“من رحم المعاناة يولد الأمل”، بهذا الشعار، يحيي الشعب الياباني، اليوم الثلاثاء، الذكرى الرابعة والسبعين، للمأساة المروعة في “هيروشيما” و”ناجازاكي”، والمتمثل في الهجوم النووي البشع والمفاجئ، الذي استهدفت به الولايات المتحدة الأمريكية، الإمبراطورية اليابانية، مع نهايات الحرب العالمية الثانية، سعيًا لإقصاء المارد الياباني، الذي لطالما أرعب الجنود الأمريكيين، إبان الحرب العالمية الثانية، وإلقائها في غياهب الجهل والتشرذم، إلا أن العزيمة والإرادة لـ “بلاد الشمس المشرقة”، حولت من الانكسار والهزيمة، طاقة ملتهبة في الإبداع والتقدم والنهضة.

كارثة هيروشيما وناجازاكي


بالعودة سريعًا، إلى ما قبل 74 عامًا من الآن، نجد أن مدينتي “هيروشيما” و”ناجازاكي”، الوحيدتين في التاريخ ربما، اللتين تجرعتا مرارة القصف النووي، وهو السلاح الفتاك الذي تملكه عدة دول حول العالم، إلا أن استخدامه يكاد يكون شبه منعدم، بالنظر إلى حجم المخاطر الجمة على من يستخدمه، قبل المستهدف به.

تشير الفاجعة، إلى القصف الذرّي على مدينتي “هيروشيما” و”ناجازاكي” الذي شنته الولايات المتحدة ضد الإمبراطورية اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا في السادس من أغسطس عام 1945، حيث قامت القوات الأمريكية بقصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي باستخدام قنابل نووية، بسبب رفض تنفيذ إعلان مؤتمر “بوتسدام”، وكان نصه “أن تستسلم اليابان استسلاما كاملا بدون أي شروط، إلا أن رئيس الوزراء الياباني سوزوكي رفض هذا التقرير وتجاهل المهلة التي حدَّدها إعلان بوتسدام”، وبموجب الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس هاري ترومان، قامت الولايات المتحدة بإطلاق السلاح النووي المعروف آنذاك باسم “الولد الصغير” على مدينة “هيروشيما” (يوم الإثنين الموافق لـ 27 شعبان عام 1364 هـ / الموافق لـ 6 أغسطس عام 1945 م)، ثم تلاها إطلاق قنبلة “الرجل البدين” على مدينة “ناجازاكي” في التاسع من شهر أغسطس، وكانت هذه الهجمات هي الوحيدة التي تمت باستخدام الأسلحة النووية في تاريخ الحرب.

أما عن توابع الضربتين، فقد خلف القصف نحو 140 ألف قتيل في “هيروشيما”، ونحو 80 ألف آخرين في “ناجازاكي” بحلول نهاية سنة 1945، حيث مات ما يقرب من نصف هذا الرقم في نفس اليوم الذي تمت فيه التفجيرات.

ومن بين هؤلاء، مات 15-20 ٪ متأثرين بالجروح أو بسبب آثار الحروق، والصدمات، والحروق الإشعاعية، يضاعفها الأمراض، وسوء التغذية والتسمم الإشعاعي، ومنذ ذلك الحين، توفي عدد كبير بسبب سرطان الدم (231 حالة) والسرطانات الصلبة (334 حالة)، نتيجة التعرض للإشعاعات المنبثقة من القنابل، وكانت معظم الوفيات من المدنيين في المدينتين.

وبعد ستة أيام من تفجير القنبلة، على ناجازاكي، أي في الخامس عشر من أغسطس، أعلنت اليابان استسلامها لقوات الحلفاء، حيث وقعت وثيقة الاستسلام في الثاني من شهر سبتمبر، مما أنهي الحرب في المحيط الهادئ رسميًا، ومن ثم نهاية الحرب العالمية الثانية.

كما وقعت ألمانيا وثيقة الاستسلام في السابع من مايو، مما أنهى الحرب في أوروبا.

وجعلت التفجيرات اليابان تعتمد المبادئ الثلاثة غير النووية بعد الحرب، والتي تمنع الأمة من التسلح النووي.

كيف احتفلت اليابان بالذكرى؟


رغم الألم الشديد الذي يعتصر اليابانيين، جراء واحدة من أكبر الكوارث البشرية في التاريخ، إلا أنهم لم يغفلوا الاحتفال بذكراها الـ 74، حيث تجمع الآلاف من سكان مدينة هيروشيما صباح اليوم الثلاثاء لإحياء الذكرى الـ74 لسقوط أول قنبلة ذرية في العالم خلال الحرب العالمية الثانية عام 1945.

وبدأت مراسم تذكارية في الساعة الثامنة، صباح اليوم الثلاثاء، في حديقة السلام التذكارية، بحضور رئيس الوزراء “شينزو آبي” وممثلين من أنحاء العالم، ووضع بداخل نصب تذكاري قائمة تضم أسماء 319186 شخصا وقعوا ضحية القنبلة الذرية.


 
وقدم المشاركون صلاة صامتة في الساعة الثامنة والدقيقة الخامسة عشرة صباحا، وهي الساعة التي ألقيت فيها القنبلة في السادس من أغسطس/آب عام 1945. وتأتي هذه المناسبة في وقت يتنامى فيه القلق حيال فرص تحقيق عالم خال من الأسلحة النووية.

فقد انتهت يوم الجمعة صلاحية معاهدة مهمة لخفض الأسلحة النووية كانت قد وقعت قبل ثلاثة عقود بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقا. علما بأن هذه المعاهدة التي عرفت بمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى كانت دعامة مهمة لنزع السلاح النووي.

على المستوى السياسي، استغل رئيس بلدية هيروشيما “كازومي ماتسوي” المناسبة لدفع إدارة رئيس الوزراء “شينزو آبي” للتوقيع على اتفاقية حظر الأسلحة النووية، التي وافقت عليها أكثر من 120 دولة لكن رفضتها الولايات المتحدة ودول نووية أخرى.

وقال ماتسوي “أدعو حكومة الدولة الوحيدة التي خبرت سلاحاً نووياً في حرب للموافقة على طلب ضحايا القنبلة الذرية، بأن يتم التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية والمصادقة عليها”.

وأضاف “أحض قادة اليابان على إظهار سلمية الدستور الياباني بإظهار قيادة في اتخاذ الخطوة التالية نحو عالم حر من الأسلحة النووية”.

وحض رئيس بلدية هيروشيما قادة العالم على القدوم إلى المدينة لمشاهدة النصب التذكاري وسط توقعات بزيارة للبابا فرنسيس في وقت لاحق هذا العام.

من جانبه، كرر آبي وعداً بالعمل “جسراً” بين دول نووية أو غير نووية، لتخليص العالم من هذه الأسلاحة.

وقال آبي “بمساعدة من الجانبين، سأشجعهم بصبر على الدخول في حوار وإنني عازم على قيادة الجهود الدولية لتحقيق ذلك”.

ربما يعجبك أيضا