عملة «بريكس» المحتملة.. هل يحظى الدولار بمنافس جديد؟

ولاء السيد
قمة البريكس

جيم أونيل، الاقتصادي الذي صاغ مصطلح BRIC في البداية قبل انضمام جنوب إفريقيا للمجموعة، وجه انتقادات موجعة لفكرة إنشاء عملة البريكس، قائلًا في تصريح صحفي "إنه أمر سخيف".


ساعات تفصلنا عن انعقاد القمة 15 لمجموعة “بريكس“، التي تستضيفها جنوب إفريقيا في الفترة من 22 حتى 24 أغسطس الحالي.

وتشي المؤشرات الأولية للقمة بأن خريطة قوى النظام الاقتصادي العالمي على وشك التغيير، إذ نرى إقبالًا كبيرًا من الدول على الانضمام إلى المجموعة الصاعدة، سعيًا لإنشاء عالم متعدد الأقطاب.

قمة البريكس 2023

وفقًا لآخر الإحصائيات المعلنة، أعلنت 34 دولة مشاركتها في قمة البريكس 2023، من أصل 67 دولة و20 ممثلًا عن منظمات دولية، حسب تصريحات سابقة أطلقتها وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، ناليدي باندور.

ومن المقرر أن تنظر القمة في طلبات مقدمة من أكثر من 20 دولة للانضمام لعضوية التكتل، الذي يأمل مؤسسوه الـ5 في إزاحة الولايات المتحدة عن عرش الاقتصاد العالمي.

أهم القضايا على جدول قمة البريكس

“بريك” هي اختصار للحروف الأولى للدول الأربعة المؤسسة للمجموعة (البرازيل وروسيا والهند والصين) التي عقدت قمتها الأولى رسميًّا في 2009، لتنضم جنوب إفريقيا إلى المجموعة لاحقًا في عام 2010، لتصبح “BRICS”.

ومن المقرر أن تشهد القمة اجتماعات مغلقة وأخرى مفتوحة لأعضاء البريكس، مع ممثلين من منظمات دولية، تضم نقاشات جغرافية وسياسية واقتصادية وقضايا تمويل، إلا أن الهدف الأبرز الذي يجعل القمة محط أنظار العالم حاليًّا، هو توسيع عضويتها وإطلاق عملة جديدة مُوحّدة ومدعومة بالذهب خاصة بالأعضاء، بحسب ما أوردته مجلة فورين بوليسي.

وجاءت فكرة إطلاق عملة مشتركة استجابةً لتداعيات ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، واستخدام الدولار أداةً للعقوبات من واشنطن، وفي مارس الماضي قال نائب رئيس مجلس الدوما الروسي، ألكسندر باباكوف، إن روسيا تقود الآن عملية لتطوير عملة جديدة لتستخدمها دول البريكس في التجارة العابرة للحدود، ويأمل الأعضاء أن يُعيد التكتل إحياء فكرة تقليص هيمنة الدولار على نظام المدفوعات الدولية.

عملة البريكس

حرّك ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية والحرب الروسية الأوكرانية، مياه “فكرة عملة البريكس” الراكدة خلال سنوات، بعد بقائها حبيسة الاقتراحات خلال قمم سابقة، إلا أنه من المنتظر أن تدخل حيز التنفيذ العام الحالي.

وتقول مجلة فورين بوليسي إن “إنشاء عملة مشتركة بين الدول الأعضاء يُنظر إليه على أنه مشروع طويل الأجل، في حين تشمل الاقتراحات التي تخضع للنقاش، زيادة استخدام العملات الوطنية للدول الأعضاء في التجارة البينية، وإنشاء نظام دفع مشترك بين هذه البلدان”.

وقطعت العديد من الدول الأعضاء شوطًا من هذه الأهداف بالفعل، من خلال تسوية صفقات تجارية ثنائية بالعملات المحلية.

الإطاحة بهيمنة الدولار

تُعد الإطاحة بهيمنة الدولار على 84.3% من التجارة الدولية هو الهدف الأبرز وراء فكرة إنشاء عملة موازية، وتتزايد الرغبة لدى الحكومات الأجنبية التي تريد تحرير نفسها من الاعتماد على الدولار الأمريكي، في ظل الضغوط التي تُشكّلها قوى الدولار على العملات الوطنية.

اقرأ أيضًا| الهند تفرض ضريبة مرتفعة على صادرات البصل

وحسب تقرير فورين بوليسي، إذا استخدمت دول البريكس العملة المشتركة فقط للتجارة الدولية، ستزيل العائق الذي يحبط جهودها للهروب من هيمنة الدولار، لافتة إلى أنه غالبًا ما تتخذ هذه الجهود الآن شكل اتفاقيات ثنائية لتحديد التجارة بعملات غير الدولار، مثل اليوان الذي أصبح الآن العملة الرئيسة للتجارة بين الصين وروسيا.

عقبات على الطريق

غير أن معظم بلدان بريكس ستكون لديها رغبة في إتمام معاملاتها التجارية الدولية بالدولار، لتتمكن من توفير الاحتياطي الأجنبي الذي يمكنها من التعامل مع الدول التي لا تستخدم العملة المشتركة في تجارتها الخارجية.

ومن أبرز العوائق أمام استخدام البريكس في التداول المحلي داخل بلدان المجموعة أن هذه الخطوة قد تعيق عمل البنوك المركزية الوطنية في دول البريكس، غير أن إنشاء بنك مركزي يضم دول التكتل ويصيغ السياسات النقدية على غرار البنك المركزي الأوروبي بهدف إدارة العملة المشتركة ووضع قواعد تداولها، سوف يتطلب الكثير من العمل والوقت.

ومن الأمور الأكثر خطورة على مشروع عملة البريكس، الجغرافيا السياسية بين أعضاء التكتل أنفسهم، وهي شائكة للغاية، فبين الهند والصين على سبيل المثال نزاع حدود تاريخي لم يحسم، لكن العملة المشتركة بهدف تيسير التعاملات التجارية ستمثل تعاونًا وفق لغة المصالح، ولا تتطلب توافقًا أعلى على الصعيد السياسي، فالهند والصين قد تتعارض مصالحهما الأمنية، لكنهما تشتركان في هدف التخلص من فكرة “الدولرة”.

فكرة سخيفة

وجّه جيم أونيل، الاقتصادي الذي صاغ مصطلح BRIC في البداية قبل انضمام جنوب إفريقيا للمجموعة، انتقادات موجعة لفكرة إنشاء عملة البريكس، قائلًا لصحيفة فاينانشيال تايمز الأسبوع الماضي “إنه أمر سخيف، سوف ينشئون بنكًا مركزيًّا لبريكس؟ كيف يمكن أن يفعلوا ذلك؟ إنه أمر محرج”.

وقال أونيل -وهو الآن كبير مستشاري مؤسسة تشاتام هاوس البحثية- إن “مجموعة بريكس لم تحقق أي شيء أبدًا منذ أن بدأت اجتماعها لأول مرة في عام 2009 وسط الاقتتال المستمر”، مبينًا أن السبيل الوحيد لنجاح الفكرة هو توحيد الأهداف بين الصين والهند، اللتين تتمتعان برصيد كبير من الصراعات التاريخية.

هل يحظى الدولار بمنافس جديد؟

لفت جيم أونيل إلى أنه على الرغم من الحديث المستمر عن إزالة الدولرة، فقد جرى الاحتفاظ بما يقرب من 60% من احتياطيات العملات العالمية بالدولار الأمريكي في عام 2022، و88% من المعاملات الدولية استخدمت الدولار، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، منوهًا بأنه لا يبدو أن وول ستريت قلقة بشأن منافس جاد للدولار.

اقرأ أيضًا| المالية الصينية تخصص 137 مليون دولار للإغاثة من الفيضانات

ومن جانبه، قال كبير مسؤولي الاستثمار في شركة Certuity، التي تدير ما يقرب من 4 مليارات دولار من الأصول، ديلان كريمر، إن تطوير عملة مشتركة بين دول البريكس هو “مسار نقاش” فقط، مشيرًا إلى أنه عندما تجتمع دول البريكس، تفتقر إلى الاستقرار السياسي لجعل المستثمرين واثقين من احتمالية وجود عملة مشتركة تجمعهم.

صعب وليس مستحيلًا

على الرغم من أن مجلة فورين بوليسي أقرّت بعدد من الصعوبات أمام تحول عملة البريكس إلى واقع ملموس، رأت أن هذه التحديات يمكن التغلب عليها، منوهة بأنه من غير الممكن أن ينتهي حكم الدولار بين عشية وضحاها، لكن عملة البريك أو البريكس ستبدأ في الحد البطيء من هيمنته.

وأضافت المجلة أن دول البريكس لن تحتاج حتى إلى التجارة مع بعضها، لأن كل عضو في المجموعة يمثل وزنًا اقتصاديًّا ثقيلًا في منطقته، فمن المحتمل أن تكون البلدان في جميع أنحاء العالم على استعداد لإجراء أعمال تجارية باستخدام العملة الوليدة.

ربما يعجبك أيضا