فارس الصحافة الغربية..المخضرم روبرت فيسك يرحل ويبقى قلمه

هالة عبدالرحمن

كتب – هالة عبدالرحمن

ربما يرحل الكثيرون دون أثرا، ولكن من يملك قلما لا يرحل أبدا، هكذا روبرت فيسك أحد أشهر الصحفيين في العالم، وأحد الذين يعرفون بلادنا العربية جيدا، عاش في بلادنا ثلاثين عاما مراسلًا، كان شاهداً على مجزرتي حماة وحلب، والحرب الأهلية اللبنانية، وحرب الخليج الأولى، وغزو العراق، وحروب غزة الثلاثة، وهو من الصحفيين الغربيين القلائل الذين أجروا مقابلة مع بن لادن ثلاث مرات.

ومن أشهر كلماته: “أتعلمون لِمَ بيوت العرب في غاية النّظافة بينما شوارعهم على النّقيض من ذلك ؟! السببُ أنّ العرب يشعرون أنّهم يملكون بيوتهم لكنهم لا يشعرون أنهم يملكون أوطانهم!”.

وفقدت الصحافة العالمية مراسلا مخضرما من الطراز الرفيع، فلم يكن روبرت فيسك صحفيًا رائعًا فحسب ، بل كان “مؤرخًا للحاضر” أضاء العالم بقلمه الذي ظل مناصرا للقضية الفلسطينية حتى في أحلك الأوقات، وكان مناهضاً لسياسة أمريكا والغرب في بلادنا، وله كتاب شهير، أسماه: الحرب من أجل الحضارة: السيطرة على الشرق الأوسط”.                     

115174287 e76bcb5e f5c6 4c1d 9f5c c6a801850f91

وأعلنت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية وفاة الصحفي البريطاني المخضرم روبرت فيسك، الذي تخصص في تغطية شؤون الشرق الأوسط لأكثر من أربعة عقود، عن عمر يناهز 74 عاماً.

وجاءت الوفاة بعدما أُصيب فيسك بما يُشتبه أنه سكتة دماغية في منزله في دبلن.

وذكرت صحيفة “آيرش تايمز” أنه نُقل إلى مستشفى سانت فنسينت في دبلن، بعد مرضه في منزله يوم الجمعة، وأنه توفي بعد ذلك بوقت قصير، وفاز فيسك بالعديد من الجوائز عن تغطيته لشؤون الشرق الأوسط، حيث عمل منذ السبعينيات.

methode times prod web bin 3691bcb0 1d2a 11eb a6f9 33c15bd31337

وقالت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية في نعي أهم مراسليها على مدار عقود: “كان روبرت مناسبًا لبيروت بجوها الحار والفوضوي إلى حد ما، وهو مكان دائمًا على حافة الهاوية لقد كان مع الناس -اللبنانيين والفلسطينيين والمنفيين من جميع الأنواع- الذين ولدوا على هامش الحياة، على الرغم من أن الاحتمالات في بعض الأحيان كانت كبيرة جدًا ضدهم. كان لدى روبرت تعاطفًا طبيعيًا مع معاناتهم وغضبًا ضد أولئك الذين تسببوا فيها. لم يقتصر تعاطفه على ضحايا اليوم: فقد كتب على مدى عقود عن الإبادة الجماعية للأرمن، التي ارتكبها الأتراك العثمانيون خلال الحرب العالمية الأولى. كان ينشر مذكرات ووثائق حول المذابح الجماعية للأرمن، وهي قصص شعر المراسلون الآخرون أنه من الأفضل تركها للمؤرخين.

لكن روبرت كان أكثر من مجرد صحفي يصنف التطورات والأزمات الحالية. كان مؤرخًا ومراسلًا كتب ، من بين العديد من الكتب الأخرى، الحرب العظمى من أجل الحضارة: غزو الشرق الأوسط”.

كان لدى روبرت فيسك صوتًا قويًا، عندما عمل مراسلًا في القدس في التسعينيات، كان الفلسطينيون هدفًا متكررًا للغارات الجوية الإسرائيلية، والتي أعلن الجيش الإسرائيلي أنها كانت موجهة فقط ضد “الإرهابيين”، وإذا كان هناك قتلى وجرحى، فقد تم وصفهم دائمًا بأنهم مسلحون يستحقون مصيرهم. لم يتحقق أحد تقريبًا مما إذا كان هذا صحيحًا، باستثناء روبرت، الذي كان يقود سيارته إلى هذه القرى المحطمة نفسها ويقدم تقريرًا تفصيليًا عن جثث الرجال والنساء والأطفال ، ويقابل الناجين.

لكنه أثار الجدل بتغطياته أيضاً، بسبب انتقاداته اللاذعة للولايات المتحدة وإسرائيل والسياسات الخارجية للدول الغربية.

في عام 2005، وصفته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأنه “ربما أشهر مراسل للشؤون الخارجية في بريطانيا”، بعد تغطيته الحروب في البلقان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا لصحف بريطانية على مدى خمسة عقود.

115174281 2961b3ce 870d 4ef8 935f 1d6b73d1ba54

ولد فيسك في ميدستون، في مقاطعة كنت البريطانية في عام 1946، وحصل في ما بعد على الجنسية الأيرلندية، وكان لديه منزل في دالكي خارج العاصمة دبلن.

بعد أن بدأ حياته المهنية في “صنداي إكسبرس”، انتقل فيسك إلى بلفاست في عام 1972 لتغطية الاضطرابات، بصفته مراسل شؤون أيرلندا الشمالية بصحيفة “التايمز”. ثم أصبح في عام 1976 مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط.

خلال إقامته في العاصمة اللبنانية بيروت، كتب عن الحرب الأهلية في البلاد وكذلك الثورة الإيرانية عام 1979، والحرب السوفيتية في أفغانستان والحرب الإيرانية العراقية.

استقال من صحيفة تايمز في عام 1989 بعد خلاف مع المالك روبرت مردوخ، وانتقل إلى صحيفة الإندبندنت، حيث عمل لبقية حياته المهنية.

أجرى في التسعينيات ثلاث مقابلات مع زعيم تنظيم القاعدة آنذاك أسامة بن لادن. وفي أول مقابلة بينهما عام 1993، وصف بن لادن بأنه “رجل خجول” ويبدو “تماما مثل محارب الجبال في أسطورة المجاهدين”.

بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 التي خطط لها بن لادن، أمضى فيسك العقدين التاليين في تغطية الصراعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك أفغانستان والعراق وسوريا. وبصفته متحدثاً باللغة العربية ومراسلاً متمرساً، حظي بتقدير كبير لمعرفته بالمنطقة وخبرته فيها.

لكنه كان معروفاً أيضاً بانتقاده اللاذع للولايات المتحدة وإسرائيل. وفي كتابه “الحرب العظمى من أجل الحضارة – غزو الشرق الأوسط” عام 2005، كتب عن تاريخ المنطقة وعن العديد من الصراعات التي قام بتغطيتها خلال مسيرته الصحفية، منتقدا سياسات الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل.

وقد تعرض روبرت فيسك لانتقادات في السنوات الأخيرة بسبب تغطيته للحرب في سوريا، حيث اتهم بتجنب انتقاد الحكومة السورية والقوات الموالية لها بالشكل الكافي في كتاباته.

robert fisk

وأعرب الرئيس الأيرلندي مايكل دي هيغينز عن “الحزن الشديد” لوفاة فيسك الأحد الماضي، وقال في بيان: “بوفاته، فقد عالم الصحافة والتحليل الصحفي لشؤون الشرق الأوسط أحد أفضل المعلّقين”.

ربما يعجبك أيضا