فترة مأساوية ببريطانيا.. كيف قسم «بريكست» المحافظين؟ وما علاقته بـ«خليفة تراس»؟

رنا أسامة

باستثناء بوريس جونسون، الذي أجبرته فضائح تتعلق بسلوكه الشخصي على التنحي، أسهم "بريكست" في الإطاحة برؤساء وزراء بريطانيا المحافظين منذ عام 2016، وأحدث انقسامًا حادًّا أيضًا داخل حزب المحافظين.


استحضرت رئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة، ليز تراس، خروج بريطانيا من الاتحاد البريطاني (بريكست)، في خطاب إعلان استقالتها.

وقالت تراس، لدى استقالتها من زعامة حزب المحافظين البريطاني ورئاسة الحكومة البريطانية، الخميس 20 أكتوبر 2022. تراس، إن “انهيار برنامجها الاقتصادي لن يمكنها من تحقيق هدفها”.

استحضار في غير محله

رأت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في تقرير نشرته، أمس السبت 22 أكتوبر 2022، أن استحضار تراس روح “بريكست” في إعلان استقالتها، لم يكن في محله، أقله عندما يتعلق الأمر بحزب المحافظين الذي تنتمي إليه.

ووصفت الصحيفة “بريكست” بأنه خط الصدع الذي واجه المحاولة “المشؤومة” التي أقدمت عليها تراس لتغيير الاقتصاد البريطاني، الممثل في “إنشاء اقتصاد منخفض الضرائب وعالي النمو” ينعم بمزايا قانون “حريات بريكست”، كما فعل خلال حكومتي تيريزا ماي وديفيد كاميرون.

انقسام حاد

باستثناء بوريس جونسون، الذي أجبرته فضائح تتعلق بسلوكه الشخصي على التنحي، أشارت الصحيفة إلى أن “بريكست” أسهم في الإطاحة برؤساء وزراء بريطانيا المحافظين منذ عام 2016، ما أفرز فصائل متناحرة متباينة الأيديولوجيات، وأحدث انقسامات حادة داخله.

وقد شُغلت هذه الفصائل بالصراعات بدلًا من إدارة دولة تمثل سادس أكبر اقتصاد في العالم. وبدوره، استبعد أستاذ الدراسات الأوروبية بجامعة أكسفورد، تيموثي جارتون آش، أن يستعيد حزب المحافظين التماسك الذي يمكنه من الحكم الرشيد، واصفًا إياه بأنه “حزب يمزق نفسه”، وفق الصحيفة.

فترة مأساوية

يرى منتقدون أن فترة حكم تراس، التي وصفوها بالمأساوية، تمثل النوذج الأكثر تطرفًا لسياسات ما بعد “بريكست”، التي أدخلت المحافظين في أزمة، ففي تلك الفترة، تراجعت المكانة الاقتصادية لبريطانيا، وفقدت مصداقيتها في الأسواق، واهتزت سمعتها لدى الجمهور.

ويرى خبراء أنه لا يمكن إلقاء اللوم كليًّا، أو بصفة أساسية على “بريكست”، في الأزمات الاقتصادية التي تواجه بريطانيا، لا سيما أن نمو بريطانيا لم يتعاف مطلقًا منذ الأزمة المالية لعام 2008، وخدماتها العامة أيضًا مستنزفة من جراء سياسة التقشف التي تبناها رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون ومستشاره جورج أوزبورن، والتي سبقت “بريكست”.

منطق عبثي

وقال البروفيسور جارتون آش، إن منطق “بريكست” بات عبثيًّا. وفي حين أن التخفيضات الضريبية التي وضعتها تراس عزلت بريطانيا عن الدول الغربية، فإن الانقسام الذي شهدته بعد “بريكست” يعاود الظهور في دول أخرى.

ومن أبرز هذه الدول إيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، في حين ينظر آش إلى العودة المحتملة لجونسون على أنها نذير لعودة شعبوي آخر مثير للشغب، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وفق “نيويورك تايمز”.

جونسون

مشاعر قومية

بالتوازي مع انتقادات خارجية لخطة تراس الاقتصادية، علت أصوات مناهضة داخل حكومتها، مدفوعة بمشاعر قومية مماثلة لتلك التي أفضت إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ومن أبرز تلك الأصوات، وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، التي أقالتها تراس قبل أسبوع ظاهريًّا لانتهاكها قواعد أمن، فهاجمت برافرمان رئيسة الوزراء المستقيلة واتهمتها بنقض وعدها بخفض أرقام الهجرة، في وقت تعتقد فيه أنه توجد حاجة إلى وافدين جدد لتسريع النمو في بريطانيا.

سباق محموم

في خضم تلك الفوضى، يترقب البريطانيون خليفة تراس، في سباق محموم يتوقع أن يعيد رئيس الوزراء السابق، بوريس جونسون، إلى دفة الحزب، وذلك بعد 3 أشهر فقط من تنحيه.

ويقاتل جونسون من أجل الحصول على دعم كافٍ يضمن له عودة مفاجئة رئيسًا للحكومة البريطانية، لا سيما بعد أن التفت شخصيات بارزة في الجناح اليميني لحزب المحافظين، حول الرجل الذي اتهم بخيانته، مستشار الخزانة البريطاني السابق ريشي سوناك، الذي تعهد بمعالجة الأزمة الاقتصادية العميقة “بنزاهة ومهنية ومسؤولية”.

تمرد وتحد

إعلان سوناك، الأوفر حظًّا لخلافة تراس، ترشحه لرئاسة حزب المحافظين والوزارة في بريطانيا، يضع جونسون أمام تحدٍّ كبير، بحسب وكالة “رويترز” للأنباء.

وكان سوناك قد تقدم باستقالته في يوليو الماضي، ما أدى إلى تمرد وزاري غير مسبوق ضد جونسون، الذي عاد من عطلة في البحر لكاريبي لتأمين الحصول على دعم 100 نائب بريطاني.

سوناك وجونسون

دعم يميني

خلال الفترة التي قضاها في داونينج ستريت رئيسًا للحكومة البريطانية، حظي جونسون بدعم فصائل مختلفة في حزب المحافظين، بما في ذلك فصائل يمينية قادت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في حين تمثل عودته المحتملة قضية استقطابية لكثيرين داخل الحزب المنقسم.

ولكن هذه المرة، يوصي داعمون سابقون جونسون بضرورة التنحي، بالنظر إلى حاجة بريطانيا إلى الاستقرار بعد فوضى حكم تراس الذي دام 6 أسابيع. ورغم أن سوناك يبدو أكثر شعبية، كما تظهر استطلاعات رأي، فإنه لا يزال المرشح غير المفضل لدى عدد كبير من أعضاء الحزب.

موعد إعلان خليفة تراس

بحسب “رويترز”، فإنه إذا نال أحد المرشحين دعم 100 نائب بريطاني محافظ، سيعين رسميًّا رئيسًا لحزب المحافظين والوزارة، اليوم الاثنين 24 أكتوبر 2022.

وإذا تجاوز اثنان من المرشحين العتبة الانتخابية، سيجريان تصويتًا على عضوية الحزب، في حين سيعلن المرشح الفائز يوم الجمعة 28 أكتوبر 2022، وذلك قبل أيام فقط من إعلان وزير المالية البريطاني، جيريمي هانت، الوضع المالي لبريطانيا في 31 أكتوبر.

ربما يعجبك أيضا