فرحة في “الخان الأحمر” وسط الخوف والترقب‎

محمود

رؤية – محمد عبد الكريم

القدس المحتلة – قبل حوالي عامين خط الأسير المحرر محمد البلبول بطولته مع أخيه محمود بعد أن هزما المحتل الإسرائيلي بأمعائهما الخاوية في معركة الكرامة، واستطاعا انتزاع حريتهما بعد أن أفرج عنهما بعد إضراب عن الطعام استمر لـ82 يوما.

اليوم يعود البلبول ليخط كتابه مصطحبا مع عروسه لينا، في موقف آخر من مواقف الوطنية في خيمة التضامن على أرض قرية الخان الأحمر شرق القدس المحتلة، المهددة بالإخلاء والهدم من الاحتلال الإسرائيلي في أية لحظة.

أهالي قرية الخان الأحمر، الذين يعيشون خوف التشرد وحتى القتل، وجدوا مساحة من الفرح وسط أجواء الترقب والقلق التي يعيشونها، فانضموا إلى حلقة الدبكة، مشاركين العروسين فرحة عمرهم، في حين أطلقت النسوة الزغاريد، وقام الشبان بتوزيع الحلويات.

وقدم أهالي الخان الأحمر والمتضامنون في خيمة الاعتصام التهاني للعروسين، متمنيين لهم حياة سعيدة.

أجواء الفرح في الخيمة تواصلت حتى موعد صلاة العشاء، حيث أدى المعتصمون الصلاة، قبل أن تعود أجواء الترقب والانتظار مجددًا، وسط أنباء عن تحركات مكثفة لقوات الاحتلال في محيط القرية تنذر بليلة جديدة يعكر صفوها الاحتلال كعادته.

وقال البلبول “إذا منعنا الاحتلال من الوصول إلى القدس لعقد قراننا في المسجد الأقصى المبارك، فإننا هنا من الخان الأحمر، التي تعتبر بوابة القدس، نبدأ حياتنا الجديدة من خيمة التضامن مع أهلنا الذين يهددهم الاحتلال ليل نهار”.

وأضاف: “هذا الْيَوْمَ سيبقى ذكرى لنا، نورثه لأبنائنا، ونحن متيقنون أنهم سيتمكنون من زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى بعد زوال الاحتلال”.

العروس لينا والتي ارتدت ثوبا فلسطينيًا مطرزا، قالت “إن رسالتهم الْيَوْمَ هي رسالة صمود وتحدي”، مشيرة إلى أن شعبنا الفلسطيني يختلق الفرح دوما من رحم المعاناة.

“جاء فرح غيداء في وقت نشهد فيه ضغطا في العمل كمقاومة شعبية، ننتقل من مكان لآخر في قرى ومدن ومخيمات الضفة الغربية، ففي الآونة الأخيرة دافعنا عن شعبنا وأرضنا في الخان الأحمر والولجة وراس كركر وخربثا وكفر نعمة، وغيرها من المناطق التي شهدت وتشهد محاولات الاحتلال للسيطرة على أرضنا وبيوتنا”. قال عميرة.

وأضاف: “الخان الأحمر أصبح في الأشهر الأخيرة قاعدة للتحرك والانطلاق صوب المناطق المهددة، والتي تحتاج وقفة جدية بجانب أصحابها. فحين هدم الاحتلال عددًا من منازل الولجة قبل أسبوع، جاءتنا اتصالات في منتصف الليل بضرورة التحرك إلى القرية سريعا، جهزنا أنفسنا وانطلقنا في الثانية والنصف فجرا، ثم عدنا للخان الأحمر.

ويتابع: كانت التحضيرات لفرح غيداء صعبة، خاصة أنها أول فرحة في بيتنا، هي ابنتي البكر، لم يهن علي ألا أكون في كافة التحضيرات. كل ما فعلته أنني نشرت بطاقة العرس على فيسبوك لأنه لم يكن لدي وقت لدعوة الجميع، رغم أن مجتمعنا يُفضل أن تأتيه الدعوة شخصية ومباشرة. نشرت مع الدعوة مرفقا يحتوي صورة ابنتي العروس غيداء خلال فعالية ضد الاحتلال في واد فوكين، وللعريس أمجد خلال فعالية زراعة أشجار قرب مستوطنة غوش عتصيون.. اتصل بي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمود العالول، وسألني ممازحا عن سبب عدم دعوته، فقلت له لم أدع أحدا، فسألني عن التوقيت والقاعة وقلت أيضا بأنني لا أعرف ونسيت.

تواجد الأب لم يكن الضيق الأول، فقد سبقه تأجيل عرس غيداء بعد اعتقال منذر قبل عدة أشهر، يقول منذر: شعرت بالخوف والذنب خلال تواجدي بالخان الأحمر، خاصة أن العرس كان مقررا في شهر نيسان الماضي لكنه تأجل بسببي أيضا، فقبل موعده ببضعة أسابيع اعتقلني الاحتلال خلال تظاهرة على المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم، ومكثت في السجن ستة أشهر.

وأضاف: شعرت أنه من الواجب أن أكون بسلام وبعيدا عن الخطر، في الجمعة الفائتة أغلقنا الشارع الرئيسي المؤدي إلى الخان الأحمر، وكان الشباب يعيدونني إلى الخلف، ويذكرونني بعرس ابنتي كلما تقدمت، خاصة أن الاحتلال وضع علي وقفا للتنفيذ.

وتابع: حضر العرس قسم من النشطاء وغاب القسم الآخر لضرورة تواجدهم في الخان الأحمر، خاصة أن عددنا محدود جدا، وأي غياب عن الميدان يُحدث فرقا. منوها إلى أن فكرة بناء القرى في المناطق المهددة بالهدم والمصادرة، كقرية باب الشمس والكرامة وبوابة القدس وعين حجلة، تلك القرى التي كان آخرها قرية الخان الأحمر الجديدة في وادي الخان الأحمر والتي هدمتها قوات الاحتلال صباح اليوم الخميس، هي فكرة نشطاء المقاومة الذين أتقنوا بناءها وجعلوها رمزا للتحدي وسبيلا للحياة والمقاومة على الأرض.

وأوضح: قرية الخان الأحمر جاء بناؤها متزامنا مع آخر يوم في التحضير لفرح غيداء، وأيضا هو اليوم الأخير في المهلة -سبعة أيام- التي حددها الاحتلال لهدم الخان الأحمر، وكان يجب أن أتواجد في المكانين، كان كل مكان منهما ينادي باسمي ويحتاجني بقوة، لكنني ولخبرتي في المقاومة الشعبية ولحساسية الوقت ذهبت إلى الخان الأحمر وبنيت معهم القرية. في العرس كان الناس يمازحونني: معقول منذر جاي العرس، فكرناك في الخان الأحمر.

ورأى عميرة، أن الفرح مقاومة، وأن المقاومة الشعبية جاءت فكرتها من الفرح، ومن حب الحياة، ومن العمل على خلق جيل جديد لديه أمل بالنصر. خاتما حديثه: الحياة مقاومة بكل تفاصيلها، العرس هو مقاومة، ونحن مضطرون لدفع تضحيات، وتضحيات أكبر من التي نقدمها الآن، لأنها متواضعة جدا أمام تضحيات الآخرين، خاصة من أمضوا سنوات طويلة من عمرهم في سجون الاحتلال، وتقديم المقاومة الشعبية في الخان الأحمر على عرس ابنتي هو تضحية صغيرة أمام ما يقدمه أبناء شعبي في السجون، ورسالة أننا نستطيع الفرح في الوقت الذي نقاوم فيه الاحتلال.

وقبل فرحة البلبول وعروسه لينا، شهدت مضارب الخان أيضا مشهدا آخر، حيث لم يجد الناشط في المقاومة الشعبية منذر عميرة (48 عاما) من مخيم عايدة في بيت لحم، وقتا للتحضير لعرس ابنته المحامية غيداء (24 عاما)، لأن اسمه ودوره كناشط شعبي يوجبان عليه أن ينام في عراء الخان الأحمر استعدادا للتصدي لأية محاولة لهدمه.

كل ما فعله عميرة في الأيام الماضية، نشره بطاقة فرح ابنته على فيسبوك: “يسعدني أن أدعوكم لحفل زفاف محبوبتي الأرق والأجمل والأحن والأطيب.. الفصل الأجمل في حياتنا.. الحلم الحقيقة الذي حلمناه معا كعائلة”.

عميرة نشر الدعوة واختفى في صحراء القدس الشرقية بين الخيام والتلال وبنادق الاحتلال.

حالة حنق وضيق مر بها عميرة وهو بعيد عن عائلته وبيته في ذروة حاجتهم لوجوده كأب حميمي، ووجوده في أول فرح يشهده بيته، وهي ذات الحالة التي مرت بها غيداء، التي دفعتها لتطلب منه هذه المرة البقاء في البيت: أنت تريد قتل فرحتنا.

36 ساعة فقط هي المدة التي أمضاها عميرة في بيته طيلة فترة العرس، ليستعد بعد ذلك لجولة جديدة من النوم في الخان الأحمر نزولا عند الضرورة الوطنية!

ربما يعجبك أيضا