فورين أفيرز | إيران تحتاج للاتفاق النووي لإبعاد روسيا والصين

آية سيد

ترجمة – آية السيد

انسحبت الولايات المتحدة بشكل منفرد من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في مايو 2018، معلنة أن بنود الاتفاق غير كافية وأن إيران تخالفها. وبدأت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب فرض العقوبات، للدرجة التي أزعجت الموقّعين الآخرين على الاتفاق؛ لكن إيران لم تلغيه. بدلًا من هذا، زادت إيران الضغط باستمرار على واشنطن بشكل مباشر، ومن خلال الموقعين الآخرين بشكل غبر مباشر، لاستعادة الاتفاق.

لماذا لا تزال حكومة إيران تحتاج لاتفاق نووي؟ لأنها على المدى الطويل، ستستفيد طهران كثيرًا على الصعيدين الاقتصادي والجيوسياسي مع التخلي عن القليل على الصعيد التكتيكي.

لقد أصرت إيران على استعادة “الاتفاق الذي أبرمته” في 2015 “وتطبيقه كلمة بكلمة”. لكن عمليًا، أظهرت الجمهورية الإسلامية قدرًا كبيرًا من المرونة، فقد أشار عضو كبير في البرلمان الإيراني، والذي يقتدي بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، إلى أن المفاوضات في فيينا ستؤدي إلى “اتفاقية جديدة ومُلزمة”. إن الباب الدبلوماسي مفتوح للولايات المتحدة وإيران ليتوصلا إلى اتفاق أقوى والذي سيصمد أمام التغيرات في إدارات البلدين.

حسابات طهران

كان الاتفاق النووي مُصممًا لتحجيم الطموحات النووية لطهران. ربما بدت بنوده تقييدية في 2015، لكن الظروف تغيرت، واليوم إيران في وضع يؤهلها للاستفادة أكثر بكثير مما كانت ستخسره عن طريق الالتزام بقيود الاتفاق أو حتى الموافقة على التعديلات.

لقد عززت إيران برنامجها النووي بصورة ملحوظة، فيما منح انسحاب واشنطن من الاتفاقية إيران الحرية للسعي إلى مستويات أعلى من تخصيب اليورانيوم، وخالفت طهران حد مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب في يوليو 2019، وتوقفت عن الالتزام بالتخصيب بالكامل في يناير 2020. الآن، وصلت الدولة إلى معدل تخصيب 63% – والتي لا تزال أقل من الـ 90% اللازمة لقدرة إنتاج الأسلحة التي تزعم إيران بثبات أنها لا تسعى إليها. مع هذا، أصبح من المرجح الآن أكثر من الماضي أن تحقق إيران الاختراق النووي، بمجرد أن ينتهي حد التخصيب في الاتفاق الأصلي في أكتوبر 2030 أو حتى عندما تنتهي الجداول الزمنية للاتفاق المحسن.

وعبر مواصلة التخصيب، أظهرت إيران لنفسها وللعالم أنها تستطيع التغلب على الضربات الموجهة لمنشآتها النووية واغتيال علمائها. بمجرد أن ينتهي الاتفاق المعاد وضعه أو في موعد لاحق يتم التفاوض عليه، يمكن أن تبقى إيران عند قدرة الاختراق أو تبدأ في اختبار سلاح نووي – بناءً على احتياجاتها الاستراتيجية والجيوسياسية في ذلك الوقت. وهكذا، لم تعد الاتفاقية الدولية عقبة مطلقة أمام مسعى إيران النووي، الذي بدأ تحت حكم آخر شاه ويستمر تحت حكم الجمهورية الإسلامية. ولا تمثل الاتفاقية عائقًا كبيرًا أمام قدرات إيران التقليدية. لقد انتهى حظر الأسلحة التقليدية بموجب الاتفاق في أكتوبر 2020، وينتهي حظر الصواريخ الباليستية في أكتوبر 2023. سوف تخسر إيران القليل في القدرة العسكرية التقليدية عن طريق العودة إلى الامتثال الكامل بما تبقى من الجداول الزمنية. من المرجح أن إيران حسبت أن استئناف التزاماتها بموجب الاتفاق النووي سيكلف برامجها العسكرية القليل.

على الجانب الآخر، إلغاء العقوبات سيفيد الدولة كثيرًا على المستوى الاقتصادي والجيوسياسي. إن الضغط المالي المباشر وغير المباشر من الولايات المتحدة جعل إيران معتمدة على حفنة من الشركاء التجاريين، وبحلول 2019، كسبت الصين السيطرة على 48.3% من صادرات إيران و27.5% من واردات الدولة. وما دامت العقوبات على إيران والعقوبات الثانوية على شركائها التجاريين بقيت مُفعّلة، تبقى طهران ضعيفة اقتصاديًّا ومعتمدة على تلك الدول التي تتجرأ لمخالفة إرادة واشنطن.

لقد اختبر الإيرانيون العواقب السلبية لهذه الاعتمادية من قبل. في القرنين التاسع عشر والعشرين، اعتمدت إيران على روسيا والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. الآن، تخشى الصناعات الإيرانية خسارة أخرى للسيطرة المحلية وعارضت الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي أعلنتها طهران وبكين في مارس، على الرغم من أنها تأتي باستثمارات صينية بقيمة 400 مليار دولار. أدركت إيران أن إلغاء العقوبات، وخاصة القيود المصرفية، عبر استعادة الاتفاق النووي مهم لإعادة التأكيد على الاستقلال الاقتصادي للبلاد.

وعلى نحو مماثل، خلال فترة الضغط المتزايد من واشنطن، لم يكن لطهران ملجأ سوى طلب الحماية الدبلوماسية والدفاعية من القوتين العظميين الأخريين. ظهرت روسيا، القريبة، كالضامن الأمني، والمساعد العسكري، والمورد المادي الرئيسي لإيران، ووسّعت الصين أيضًا تعاونها في تلك القطاعات بسرعة. وقد استخدمت كلٌّ من روسيا والصين حق الفيتو في مجلس الأمن وقدراتهما الإقناعية لحماية إيران من المطالب الأمريكية. ومؤخرًا، عارضت موسكو وبكين علنًا إصرار واشنطن على أن تقبل إيران بالتحسينات على الاتفاق النووي كشرط لإعادة دخول الولايات المتحدة.

غير أن تاريخ إيران في الاستغلال الاستعماري يجعلها ميالة لأن تنظر بشك عميق إلى الاعتماد على اللاعبين العالميين في الشئون القومية والدولية. يمتلك المسئولون الإيرانيون أسبابًا جيدة للحذر، يُزعم أن روسيا قامت بمحاولة سرية في 2015 لوقف الاتفاق النووي عن طريق استغلال الصراعات داخل الطبقة الحاكمة الإيرانية. ومن خلال الشراكة التي جرى الإعلان عنها مؤخرًا بين إيران والصين، تسعى الصين لكسب إمكانية الوصول العسكري والمراقبة إلى موانئ ومطارات إيران والسيطرة عليها. إن إحياء الاتفاق النووي سيرخي قبضة هاتين القوتين العظميين على طهران؛ حينها سوف تصبح الفصائل داخل النظام السياسي الإيراني أقل تأثرًا بالضغط الأجنبي وأكثر حرصًا على الاستقلال الجيوسياسي لإيران.

الاتفاق الأفضل ممكن

لهذه الأسباب، وبغض النظر عن موقف الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن “الولايات المتحدة، التي خالفت الاتفاق، ينبغي أن ترفع كل العقوبات وتتخذ كل الخطوات العملية لتصبح قادرة على العودة إليه” وأنه “لا توجد حاجة للمفاوضات،” إيران مشاركة في محادثات فيينا. أما بالنسبة لمخالفات إيران لحدود التخصيب، أكد وزير الخارجية محمد جواد ظريف أن “إجراءاتنا قابلة للعكس بشكل كامل عند الامتثال التام لجميع الأطراف.” من الواضح، طهران مستعدة للعمل مع واشنطن مرة أخرى، مثلما فعلت في الفترة بين 2015 و2018 بموجب الاتفاق النووي.

من جانبهم، يسعى صُناع السياسة الأمريكيون إلى أكثر من مجرد العودة إلى الوضع الراهن لعام 2015. والقادة الإيرانيون يستمعون، بينما يستخدمون الأساليب الدبلوماسية. في خطابه الوطني السنوي في 21 مارس، أشار خامنئي إلى أن إيران ربما تكون منفتحة على تعديل الاتفاق – طالما أن التغييرات “في صالح إيران”، ما يعني أن تنفع الدولة ونظامها. يحث المسئولون الإيرانيون الولايات المتحدة بشكل شبه يومي على رفع العقوبات وأعلنوا استعداد بلادهم للعودة إلى الامتثال الكامل في المقابل. وبصورة استباقية، يصورون التنازلات الجديدة كمكاسب: قال روحاني “سوف تنتهي محادثات فيينا بانتصار الأمة الإيرانية”.

وبناءً على هذا، يمكن أن تحقق الدبلوماسية الكثير: ليس فقط إعادة تطبيق الاتفاق؛ بل أيضًا إدخال تحديثات، مثل سد ثغرات التخصيب والمراقبة، وإدارة الطاردات المركزية المتطورة، وتمديد حظر الصواريخ الباليستية، وتمديد الجداول الزمنية. إن المكاسب الجيوسياسية والاقتصادية تفوق التنازلات العسكرية، لأن التقدم التكتيكي يمكن استئنافه في المستقبل، بحسابات إيران. لكن لبلوغ هذه الأهداف، تحتاج الولايات المتحدة للتوقف عن التحدث من خلال شركائها وخصومها، مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا، وإعادة الانضمام إلى مفاوضات فيينا للتفاوض مباشرة مع إيران. في تلك الاجتماعات، يجب أن تؤكد الولايات المتحدة على أن التحسينات الكبيرة في الاتفاق النووي سوف تقلل خطر العقوبات المستقبلية. ومن خلال المفاوضات الصارمة لكن النزيهة، يمكن أن تحقق إدارة بايدن أهدافها المعلنة، ليس فقط بصياغة اتفاقية “أطول وأقوى”؛ بل أيضًا فتح الطريق لمزيد من المشاركة البناءة.

للإطلاع على المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا