فورين أفيرز | الاتفاق في سوريا لا يزال ممكنًا

آية سيد

ترجمة: آية سيد

بينما يركز الرئيس الأمريكي جو بايدن وفريقه على الملف النووي الإيراني، تظل الحرب في سوريا جرحًا متقيحًا في قلب الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن الإدارة الحالية لم تبتعد كثيرًا عن نهج الإدارات السابقة، إلا أن قراراها برفع الأولوية عن الصراع يأتي في توقيت سيئ. تظهر الآن فرص لإيجاد حل للأزمة السورية، وينبغي أن تكرّس الولايات المتحدة الطاقة الدبلوماسية اللازمة لانتهازها. إن مفاتيح النجاح بعد سنوات من الفشل لا تشمل فقط المشاركة رفيعة المستوى؛ بل أيضًا التقييم الواقعي لما يمكن تحقيقه في أي اتفاق.

ولا شك أن مخاطر عدم منح سوريا الأولوية هائلة، حيث يُعدّ الصراع كارثة استراتيجية بالفعل: انتصار نظام الرئيس بشار الأسد سيرسل رسالة للاستبداديين حول العالم بأن القتل الجماعي تكتيك مُجدٍ للاحتفاظ بالسلطة ويعلن عن الصعود الإقليمي لعناصر تمكين الأسد الروسية والإيرانية. لقد نتج عنه أيضًا تهديدات جيوسياسية، من صعود تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف بداعش)، إلى نشر الصواريخ دقيقة التوجيه التي تستهدف إسرائيل، إلى تدفقات اللاجئين الضخمة التي تهدد بزعزعة استقرار الدول المجاورة وأوروبا. وبالنسبة إلى السوريين أنفسهم، أدت الحرب الأهلية التي استمرت لعِقد إلى خسائر مروعة، وتسببت في نزوح نصف السكان من منازلهم، وتركت معظم المواطنين معدمين. وإذا تُركت دون معالجة، هذه الديناميكيات ستهدد بزعزعة استقرار الشرق الأوسط لسنوات مقبلة.

لقد جرّت حرب سوريا أيضًا الجيوش الأمريكية والإسرائيلية والتركية، ويبقى خطر وقوع اشتباكات بينهم وبين القوات الإيرانية والروسية والسورية حقيقي للغاية. تعدّ واشنطن منطقة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا حليفًا مهمًا ضد داعش، لكن أنقرة تعتبر الجماعات الكردية تهديدًا إرهابيًّا. جاءت حادثتان استفزازيتان مؤخرًا – انتهاك الأسد في شهر يوليو لاتفاق وقف إطلاق النار لعام 2017 في الجنوب الغربي والذي جرى التفاوض عليه بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهجوم لمقاتلين مدعومين إيرانيًّا في شهر أكتوبر على قوات أمريكية في قاعدة التنف في جنوب سوريا – جاءت دون رد أمريكي ملحوظ وقد تشجع الأسد أو الإيرانيين على التصعيد في المناطق التي تحرسها القوات التركية أو الأمريكية.

أشار مسئولون رفيعو المستوى في إدارة بايدن بشكل متكرر إلى أنهم ليسوا مهتمين ببذل جهد كبير لحل الصراع السوري. ومع تغير الموقف وتشكل حل وسط محتمل، ينبغي أن يعيدوا تقييم ذلك القرار. على الرغم من أن الانتباه الأمريكي المتعلق بإيران تهيمن عليه مفاوضات البرنامج النووي المهمة بدلًا من أفعال طهران الإقليمية، بمجرد أن تمتلك الإدارة مزيدًا من الوضوح حول موقف تلك المحادثات، ينبغي أن تعمل بجدية في سوريا، ولاريب أن مخاطر تجاهل الصراع، والفوائد المحتملة للتوصل إلى اتفاق، أكبر من أن نترك الفرصة تضيع.

إبرام اتفاق

يجب أن تقود الولايات المتحدة أي جهد دبلوماسي منشط للتوصل إلى حل للصراع السوري. وعلى الرغم من أي اتفاق ينبغي أن يكون متسقًا مع الدور الرسمي للأمم المتحدة، واشنطن وحدها تستطيع تنسيق الأعضاء الكثر للتحالف المناهض للأسد. والمتحدث الصالح الوحيد للولايات المتحدة في هذه المفاوضات هي روسيا. أولئك الذين حاولوا عقد اتفاقات مع الأسد مباشرة منذ 2011 تعرضوا للإحباط باستمرار، وترفض إيران كالعادة مناقشة أعمالها في الدول المجاورة مع دول من خارج المنطقة. لا تمتلك موسكو سيطرة كاملة على الأسد ويجب أن تتنافس على النفوذ مع إيران، لكنها تبقى الشريك الأكبر في تحالف روسيا – سوريا – إيران. تمتلك موسكو أيضًا طموحات محدودة أكثر من دمشق أو طهران، ما يجعلها أكثر قابلية للحل المتفاوض عليه للصراع.

ينبغي أن تتبع إدارة بايدن خفض تصعيد خطوة بخطوة من الجانبين. هذا سيشبه الاستراتيجية التي تبنتها الإدارتان الأمريكيتان السابقتان، لكن القضايا المحددة التي تُمنح الأولوية ستعتمد على تفضيلات إدارة بايدن وتفضيلات شركائها والجانب الآخر. من المرجح أن يكون على رأس القائمة تنازلات سياسية من دمشق تضمن العودة الآمنة للاجئين، ويشمل ذلك إعادة التوطين الخاضعة للمراقبة الدولية؛ وأحكام مماثلة تتعلق بالأمن والمراقبة لإعادة دمج قوات المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية؛ وضمانات أمنية للحدود الجنوبية التركية؛ والإزالة الدائمة من الأراضي السورية للأسلحة الاستراتيجية الإيرانية، لا سيما صواريخها دقيقة التوجيه (الانسحاب الإيراني الكامل ليس واقعيًّا).

في المقابل، من المرجح أن تضغط روسيا من أجل انسحاب الجيوش الأمريكية والإسرائيلية والتركية من سوريا، ومن المرجح أيضًا أن تطلب موسكو التعاون الأمريكي في مكافحة الإرهاب في سوريا ضد داعش، الذي يبدو الأسد عاجزًا عن هزيمته، إلى جانب رفع العقوبات وعودة اللاجئين من تركيا والأردن ولبنان إلى مدنهم وبلداتهم الأصلية. ربما تأمل روسيا، بطريقة غير واقعية، أن هذه الخطوات ستفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي في سوريا – وبالتالي تحرر موسكو من محاولة دعم اقتصاد البلاد المنهار. وأخيرًا، سيتعين على أي قرار جديد لمجلس الأمن أن يبرم رسميًّا أي اتفاق ويفرض الإشراف على التزامات كل جانب، والنتيجة النهائية ستكون عودة سوريا كدولة “طبيعية” وعضوًا كاملًا في الجامعة العربية.

ربما تكون موسكو قابلة لعقد اتفاق على هذا الأساس أكثر مما تُقدّر إدارة بايدن. يشير التاريخ إلى أن الولايات المتحدة، إلى جانب شركائها، يمكنها فرض ضغط يؤثر على حسابات روسيا الاستراتيجية في سوريا. من أجل تعزيز جهد الأمم المتحدة، وضعت إدارتا ترامب وأوباما، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والدول العربية، نظام الأسد تحت ضغط اقتصادي ودبلوماسي. استخدمت إدارة ترامب في النهاية الضغط العسكري لإكمال العمل الاقتصادي والدبلوماسي: لقد شنت ضربات جوية والتي أوقفت هجمات الأسلحة الكيميائية المميتة للأسد، وأبقت على القوات الأمريكية في شمال شرق وجنوب سوريا، ودعمت التدخلات العسكرية الإسرائيلية والتركية في البلاد. وفي أواخر 2018، أدت تلك الخطوات إلى حالة الجمود المستمرة حتى اليوم.

ضغطت إدارة ترامب حينها على الروس من أجل حل وسط مبني بشكل عام على سحب للضغط الدولي، تحديدًا العقوبات، وقبول الأسد مقابل تنازلات في القضايا الجيواستراتيجية.

لاقى هذا المقترح استحسان بوتين لدرجة أنه دعا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى سوتشي في مايو 2019 لاستعراضه. اختار بوتين في نهاية المطاف عدم إبرام الاتفاق في ذلك الوقت، وأغلب الظن أنه اعتقد أنه يمكنه الفوز بانتصار عسكري صريح والذي لن يحقق فقط أهدافه الأساسية في سوريا بل سيؤكد موسكو أيضًا كلاعب إقليمي رئيس. إن ما شجعه في ذلك الرأي بالتأكيد هو محاولات ترامب المتكررة لسحب القوات الأمريكية من البلاد، وقد حاولت موسكو باستمرار تقسيم التحالف المناهض للأسد، ضاغطةً على الأتراك والإسرائيليين، وحلفاء الولايات المتحدة الأكراد لإبرام اتفاقات منفصلة مع الأسد، وتواصل الدول العربية مع دمشق شجع الروس أيضًا.

آفاق السلام

واليوم، انحسرت الآمال الروسية في انتصار صريح للأسد. في مواجهة تعنت النظام السوري، يُبقي الأتراك والإسرائيليون والأكراد على مواقفهم العسكرية في سوريا. إن تواصل بعض الدول العربية مع الأسد مزعج لكن حتى الآن لم يؤد إلى إعادة اندماج الأسد في الجامعة العربية، وأكدت إدارة بايدن الآن معظم عناصر الاستراتيجية السابقة: الحفاظ على وجود القوات الأمريكية وببعض التعديلات، نظام العقوبات؛ وتحذير كل الأطراف من تحدي اتفاقيات وقف إطلاق النار المتعددة مع القوات التركية، وقوات المعارضة والقوات الكردية؛ ودعم العمل الجوي الإسرائيلي ضد إيران؛ والتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية ضد داعش، وبشكل غير مباشر، دمشق؛ ومحاسبة نظام الأسد عبر الجهود الدبلوماسية وجمع المعلومات دعمًا لتحقيقات الأمم المتحدة والإجراءات القضائية الأوروبية ضد المسئولين السوريين؛ وتأييد الجهد السياسي للأمم المتحدة.

في ضوء هذا الوضع، خيارات موسكو محدودة؛ حيث تعلم أن الأسد لم يربح الصراع ولا يملك خيارات واضحة لفعل هذا. تسيطر الجماعات المدعومة أمريكيًّا وتركيًّا على حوالي 30% من الأراضي السورية، وتشمل معظم احتياطيات النفط والكثير من الأراضي القابلة للزراعة. لا يزال نصف السكان الذين يبقون لاجئين أو نازحين داخليًّا يخشون العودة إلى حكم الأسد، والقوة الجوية الإسرائيلية قيّدت نشر صواريخ إيران. وعلى الرغم من أن المخاطر والتكاليف التي تواجه موسكو محدودة، إلا أنها ليست ضئيلة. إنها تشمل المزيد من التدهور لاقتصاد الأسد المتأرجح، والانقسام الداخلي للنظام، والتصعيد غير المتعمد مع القوات الإسرائيلية أو الأمريكية أو التركية الأكثر تفوقًا. في الواقع، حتى نهاية حكم إدارة ترامب، اقترح مسئولون روس كبار اتفاقات ممكنة مع الولايات المتحدة والتي كان بإمكانها وضع حد للصراع. 

وبالإضافة إلى هذا، أصبح حلفاء واشنطن الإقليميون الآن أكثر توافقًا. لقد أدت الاتفاقيات الإبراهيمية إلى تعميق العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج العربي، وخفف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من حدة خلافاته مع شركاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة، وجرى إصلاح خلاف قطر مع مجلس التعاون الخليجي. يحث القادة من الدول الإقليمية الأكثر أهمية الولايات المتحدة على تولي دور أكثر بروزًا. حتى الجهد غير الناجح لتحقيق تقدم في سوريا سيعزز الدعم الإقليمي لموقف واشنطن الاحتياطي، بالإبقاء على حالة الجمود التي تحرم إيران وروسيا من الانتصار الاستراتيجي.

من المؤكد أن المبادرة الدبلوماسية الكبرى حول سوريا تفوق قدرة الإدارة، لكن فعل هذا ينطوي على مجازفة أقل من السماح للصراع بالاستمرار إلى ما لا نهاية. وعلى الرغم من أن الاتفاقية لن تكون مثالية، إلا أن إنهاء حرب سوريا سيعزّز بشدة قيمة واشنطن كشريك أمني في الشرق الأوسط وما وراءه.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا