فورين أفيرز| الصراع الأمريكي يثبت أن الديمقراطية لا تُقدّر بثمن

آية سيد

ترجمة: آية سيد

لقد تلذّذ الاستبداديون حول العالم بالفوضى التي اندلعت في مبنى الكابيتول الأمريكي يوم 6 يناير: الولايات المتحدة التي تفتقر حكومتها للكفاءة، والتي على خلاف مع نفسها، ستكافح بلا شك لتأكيد قيادتها لنظام دولي حر ومفتوح، إلا أنه عند النظر عن قُرب، لا يملك الاستبداديون الكثير ليحتفوا به. لقد أظهرت الأحداث في الولايات المتحدة أن الديمقراطيات تُصحح نفسها وتتمتع بالمرونة لأنها تخوّل السلطة إلى المؤسسات، وليس إلى الحكام. فبدلًا من الإذعان للعنف السياسي الذي تمارسه أقلية متطرفة، حافظت المؤسسات التمثيلية على إرادة أغلبية الناخبين الأمريكيين.

إن الفشل في تخريب النظام الدستوري في الولايات المتحدة، وتصديق الكونجرس على فوز الرئيس المنتخب جو بايدن، والانتقال القادم للسلطة من الجمهوريين إلى الديمقراطيين في كل من البيت الأبيض ومجلس الشيوخ يوم 20 يناير، لا يُظهرون أن المؤسسات الديمقراطية لا قيمة لها وإنما يُظهرون أنها لا تُقدّر بثمن – وأنها في الواقع تصقل التنافسية الاستراتيجية الأمريكية. ينبغي أن تجعل تداعيات السياسة الخارجية للتجدد الديمقراطي في الولايات المتحدة الاستبداديين بالخارج أقل ثقة وأكثر قلقًا.

إن الديمقراطية لا تعالج كل المساوئ، لكن تُعد مؤسساتها حصنًا ضد حكم الغوغاء، والحرب الأهلية والطغيان. من المزعج والمُقلق أن جماعة من المحتجين العنيفين اقتحمت الكابيتول الأمريكي لأن مرشحهم خسر انتخابات حرة ونزيهة، لكن من المعبِّر أيضًا أن الكونجرس عاود الانعقاد في غضون ساعات للتصديق على فوز بايدن بأغلبية ساحقة من الحزبين.

إن المؤسسات الديمقراطية الأمريكية ناجحة. سوف يتخلى أقوى رجل في العالم عن السلطة في 20 يناير وينقلها إلى قيادة جديدة اختارها الشعب الأمريكي، ولا يزال الرئيس دونالد ترامب يتحكم في قوات الأمن الأمريكية، ووزارة الخزانة، وأدوات القوة الأخرى التي في الصين أو روسيا ستسمح له بالحكم إلى ما لا نهاية. لكن في ظل النظام الأمريكي الذي يتميز بالنظام الدستوري، والضوابط والموازين، وسيادة القانون، لا يمكنه فعل شيء للبقاء في المنصب، حيث تُعدّ رئاسته درسًا في حدود حكم الزعيم القوي، وربما يتساءل المراقبون الصينيون والروس: إذا كان الأمريكيون يستطيعون اختيار القادة الجدد لرسم مسار بنّاء أكثر، لماذا لا يستطيعون هم؟

في الولايات المتحدة، كانت الصحافة الحرة، والمحاكم المستقلة، والنشاط المدني، ورقابة الكونجرس، وحقوق الولايات أساسية في الحفاظ على القانون. لقد أثبتت التجربة أن الديمقراطية تتكون بشكل رئيس ليس من مناورات النخب السياسية بل من أداء نظام بأكمله – نظام يضع المواطنين في مركزه. تتمنى الشعوب المضطهدة حول العالم، من فنزويلا إلى إيران إلى بيلاروسيا، نظامًا مثل ذلك.

ولسوف يجادل البعض أنه بعد أحداث هذا الأسبوع، لا يمكن للولايات المتحدة تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون حول العالم بمصداقية، ومن المؤكد أن الأمريكيين يصارعون لتحسين ديمقراطيتهم منذ 244 عامًا. هذا العمل لن ينتهي أبدًا، غير أن مصداقية الولايات المتحدة في تقديم المساعدة الديمقراطية بالخارج تنبع مباشرة من صراعاتها، والكثير منها أدى إلى تحقيق تقدم هائل، مثل منح حق التصويت للمرأة، وقوانين الحقوق المدنية، والمساواة المتزايدة لمجتمع الميم.

إن الدعم الأمريكي للديمقراطية بالخارج هو امتداد طبيعي لإيمان الأمريكيين بالحرية والعدالة في الداخل. يفهم الأمريكيون أن القيم العالمية تنطبق على كل الشعوب، وليس عليهم فقط، ولهذا السبب تُظهر استطلاعات الرأي أن الأغلبية العظمى من الأمريكيين يعتقدون أن بلادهم يجب أن تدعم سلميًّا حقوق الإنسان والديمقراطية بالخارج.

إن أولئك الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة “تُصدِّر” أو “تفرض” الديمقراطية بالخارج يفهمون الأمر بالمقلوب: الأحزاب السياسية الديمقراطية، والنشطاء المدنيون، ووسائل الإعلام المستقلة بالخارج تحتاج إلى دعم وتدريب فني أمريكي أكثر مما تستطيع مؤسسة الوقف الوطني للديمقراطية والجماعات الأخرى تقديمه. يريد أصحاب الفكر الديمقراطي حول العالم المساعدة الأمريكية، ليس لأنهم يرغبون في جلب أجندة أمريكية وإنما لأنهم يرغبون في تعزيز حقوق وحريات مواطنيهم.   

يتطلع الناس حول العالم إلى حكومات سريعة الاستجابة ومسئولة. قبل الإغلاق الناتج عن كوفيد-19، كان المزيد من الأشخاص يحتجون في أماكن أكثر من أي وقت مضى منذ سقوط جدار برلين. يتعطش المواطنون إلى الكرامة التي تنبثق من وجود قادة سياسيين يستجيبون لهم، وليس نخب فاسدة تسعى للمنصب العام من أجل المكسب الشخصي. يخلق الانفتاح السياسي والاقتصادي، والمؤسسات الفاعلة، وسيادة القانون فرصة أيضًا.

تركز المساعدة الديمقراطية التي تقدمها الولايات المتحدة ليس على فرض الأيديولوجية الأمريكية، لكن على مشاركة أفضل الممارسات الدولية لكي يصبح الحكم أكثر استجابة وشمولًا لكل المواطنين. على سبيل المثال، الدروس المستفادة من إندونيسيا ربما تكون أكثر صلة بالمرأة وتمكين الشباب في الشرق الأوسط من تلك المستفادة من الولايات المتحدة؛ الممارسة الديمقراطية في ليتوانيا ربما تكون مفيدة على نحو خاص للبيلاروسيين الذين يريدون الانفصال عن وصاية موسكو.

تعمل منظمات المساعدة الديمقراطية الأمريكية بتواضع، مستخدمةً أوجه قصور الولايات المتحدة بالإضافة إلى نجاحاتها كمصادر للتوجيه، فيما يتعلم الشركاء بالخارج من مسار التطور الديمقراطي للولايات المتحدة، الذي يشمل صراعاتها الحالية مع الاستقطاب والعدالة العرقية، ومن كيف رسم الأمريكيون مؤسساتهم الجمهورية لضمان عدم نجاح العنف السياسي، وتكتيكات الغوغاء، والانتهاكات الاستبدادية.

إن المنافسين من القوى العظمى والطغاة التافهين المتنوعين لن يرغبوا في شيء أكثر من تراجع الولايات المتحدة عن القيادة الدولية لأن نخب السياسة الخارجية الأمريكية منشغلة بأوجه قصور بلادهم، وسوف يحظى الرئيس المنتخب بايدن بدعم الجمهوريين لسياسة خارجية تواجه الاستبداديين بالخارج وتحشد ديمقراطيات العالم الكبرى لمنافسة الأنظمة التي تنتظرنا.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا