فورين أفيرز | الصين تبحث عن حلفاء!

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

كانت شبكة تحالفات الولايات المتحدة ركيزة أساسية لسياستها الخارجية، وبينما اشتدت المنافسة مع الصين في السنوات الأخيرة، جرى اعتبارها ميزة أمريكية رئيسية. وضعت إدارة الرئيس جو بايدن أهمية خاصة للحلفاء في استراتيجيتها المعنية بآسيا. في عامها الأول، وطدت الإدارة التحالفات القديمة، مثل التحالفات مع اليابان وكوريا الجنوبية، ووضعت قدرًا كبيرًا من الجهد في تعزيز الشراكات متعددة الأطراف مثل الحوار الأمني الرباعي (مع أستراليا والهند واليابان) ومعاهدة أوكوس الجديدة (مع أستراليا والمملكة المتحدة).

وعلى النقيض، ابتعدت الصين عن التحالفات الرسمية، بناءً على نظرتها المختلفة للعلاقات الدولية ورغبتها البراجماتية في تجنب مخاطر التورط. لكن توجد علامات على أن مقاومة بكين تبدأ في التآكل. ففي السنوات الأخيرة، حدّثت شراكاتها الاستراتيجية ووسّعت المبادلات العسكرية والتدريبات المشتركة مع دول مثل روسيا وباكستان وإيران. هذه الشراكات لا تزال بعيدة كل البعد عن تحالفات الولايات المتحدة (التي تنطوي على بنود للدفاع المشترك، واتفاقيات لمركزة القوات، وقدرات عسكرية مشتركة)، لكنها مع الوقت قد تشكّل الأساس لشبكة تحالفات خاصة بالصين إذا آمن القادة الصينيون بأنها ضرورية بفضل تأثيرها الرادع وقيمتها التشغيلية للانتصار في المنافسة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة وحلفائها. هذا التطور قد يمثل نقطة تحول حقيقية في هذا العصر من المنافسة الأمريكية – الصينية ويمهد الطريق لعالم جديد مثير للقلق مع حدود منخفضة للصراع الأقليمي وصراع القوى العظمى.

الصين تخلق شبكة خاصة بها

اليوم، تمتلك الصين حليفًا رسميًّا واحدًا – كوريا الشمالية، التي تتشارك معها معاهدة دفاع مشترك. لكنها تمتلك العشرات من الشراكات الرسمية مع دول حول العالم. على رأس هذه الدول روسيا وباكستان (اللتان تمتلكان علاقات خاصة مع بكين تميزها اتفاقيات مثل “شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة في العصر الجديد بين الصين وروسيا” و”الشراكة التعاونية الاستراتيجية في جميع الأحوال بين الصين وباكستان”). ثم تأتي عدة دول من جنوب شرق آسيا – ميانمار وكمبوديا وفيتنام وتايلاند ولاوس – وكذلك أيضًا دول أبعد، مثل مصر والبرازيل ونيوزيلندا. استثمرت بكين بشدة أيضًا في بناء آليات متعددة الأطراف بقيادة صينية، مثل منظمة شنغهاي للتعاون، ومنتدى التعاون الصيني – الأفريقي، ومنتدى التعاون الصيني – العربي.

وتجنبت بكين بناء شبكات حلفاء تقليدية حتى الآن لأسباب تتراوح من الميول الأيديولوجية القديمة إلى الحسابات الاستراتيجية العنيدة. منذ الأيام الأولى للجمهورية الشعبية، سعت الصين لتصوير نفسها كقائد للعالم النامي ومناصر لمبادئ حركة عدم الانحياز التي تنص على عدم التدخل ومناهضة الإمبريالية. وفي السنوات الأخيرة، بدأ القادة الصينيون الإصرار على أنهم يمارسون “نوعًا جديدًا من العلاقات الدولية”، متجنبين سياسة القوة التقليدية لصالح “التعاون المربح للجميع”. هذه اللغة تهدف إلى تعزيز رواية أنه لا ينبغي الخوف من صعود الصين وإنما ينبغي الترحيب به كهدية للتنمية والازدهار العالميين – ولتمييز بكين عن واشنطن، التي ينتقدها القادة الصينيون باستمرار لإبقائها على “عقلية الحرب الباردة” البالية.

بالإضافة إلى جهود الدبلوماسية العامة هذه، يعكس موقف بكين المتجنب للتحالفات قرارًا استراتيجيًّا ببناء علاقات ترتكز حول العلاقات الاقتصادية في سعيها للسلطة والنفوذ العالمي. هذا لا يعني أن الصين تستخدم فقط الحنكة الاقتصادية لتعزيز أهدافها. في الواقع، وسّعت الصين سريعًا قدراتها العسكرية على مدار العقدين الماضيين واستخدمت قوتها المكتسبة حديثًا في ترهيب تايوان، والاشتباك مع الهند على طول حدود متنازع عليها، ومتابعة مطالبها السيادية في بحري الصين الشرقي والجنوبي. مع هذا، في حين أن القادة الصينيين يعتبرون القوة العسكرية ضرورية لحماية وطنهم، ومصالحهم القومية الأساسية، والمواطنين والاستثمارات بالخارج، فإنهم لم يُظهروا رغبة في الاضطلاع بالتزامات أمنية خارجية والتي قد تجر بلادهم إلى صراعات بعيدة. راهنت بكين بدلًا من ذلك على أن تقديم القروض والاستثمارات والفرص الاقتصادية والقيام بأعمال مع أي كيان سيادي، بغض النظر عن طبيعته وسجله في وطنه، سوف يُكسب الصين الأصدقاء والنفوذ. وهذه الاستراتيجية أتت بثمارها. رحّب الكثير من شركاء الصين، لا سيما في الدول النامية، بمشاركتها ودعموا مصالحها الأساسية في المقابل. وإلى جانب الحوافز الاقتصادية، اتجهت بكين بصورة متزايدة إلى القسر الاقتصادي لمعاقبة الدول التي تتحدى مطالبها – مثلما حدث في حالة أستراليا، التي شهدت رسومًا جمركية صينية صارمة على صادراتها بعد أن منعت عملاق الاتصالات الصيني هواوي من شبكاتها ودعمت تحقيقًا دوليًّا في منشأ كوفيد-19.

حسابات بكين المتغيرة

في المدى القريب، من المستبعد أن تتخلى الصين كليةً عن استراتيجيتها الجيو – اقتصادية للهيمنة. لكن يوجد سيناريوهان محتملان قد يدفعانها لبناء شبكة حلفاء حسنة النية: إذا استشعرت بكين تدهورًا حادًّا بما يكفي في بيئتها الأمنية والذي يقلب تحليلها للتكلفة والعائد الخاص بمتابعة الاتفاقيات العسكرية الرسمية؛ أو إذا قررت أن تحل محل الولايات المتحدة بصفتها القوة العسكرية المهيمنة، ليس فقط في منطقة الهندي-الهادئ، بل عالميًّا.

ربما يصل القادة الصينيون إلى هذه الاستنتاجات إذا قيّموا أن المصالح الأساسية للحزب الشيوعي، مثل قبضته على السلطة في الوطن، وسلطته على شينجيانج، والتبت، وهونج كونج، ومطالب السيادة على تايوان، لن يمكن الدفاع عنها دون عقد معاهدات دفاع رسمية مع شركاء رئيسيين مثل روسيا أو باكستان أو إيران. في الواقع، بدأت التقييمات الصينية في التحرك في هذا الاتجاه.

منذ 2012، أجرت الصين وروسيا مناورات عسكرية موسعة، والتي شملت تدريبات عسكرية منتظمة في بحري الصين الشرقي والجنوبي، وفي بعض الأحيان بالاشتراك مع أطراف ثالثة مثل إيران وجنوب أفريقيا. وفي الشهر الماضي، أعلنا عن إجراء أول دورية حراسة مشتركة في غرب المحيط الهادئ، والتي ذكرت صحيفة جلوبال تايمز المملوكة للدولة الصينية أنها كانت موجهة إلى الولايات المتحدة في الوقت الذي كانت “تتحد فيه مع حلفائها مثل اليابان وأستراليا”.

أحد الأمثلة الأخرى على موقف الصين المتغير هو احتضانها لـ”الدول المارقة”. على سبيل المثال، بدأ القادة الصينيون في وصف العلاقات بين الصين وكوريا الشمالية بأسلوب مختلف تمامًا عن السنوات القليلة الماضية عندما بذلت بكين قصارى جهدها لإبعاد نفسها عن بيونج يانج. في يوليو الماضي، جدد الحليفان معاهدة الدفاع المشترك وتعهدا برفع تحالفهما إلى “مستويات جديدة”. وفي بدايات هذا العام، وقّعت الصين أيضًا اتفاقية تعاون مدتها 25 سنة مع إيران، مقدمةً مشاريع اقتصادية واستثمارات مقابل الحصول على النفط الإيراني. تعهد البلدان أيضًا بتعميق التعاون من خلال المبادلات العسكرية المشتركة، ومشاركة المعلومات الاستخباراتية، وتطوير الأسلحة. وبعدها بوقت قصير وافقت الصين على طلب إيران الحصول على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون، بعد 15 سنة من طلب طهران الأول. وفقًا للمحللين الصينيين، تجنبت بكين هذه المسألة لأكثر من عقد لكيلا تُغضب واشنطن وتخلق الانطباع بأن منظمة شنغهاي للتعاون تهدف إلى مواجهة الولايات المتحدة. لكنها قررت المضي قدمًا عند الاستنتاج بأن “سياسة الاحتواء” الأمريكية تجاه الصين مستمرة.

من المؤكد أن محاكاة خطة اللعب التاريخية الأمريكية لن تكون سهلة. ففي النهاية، معظم الاقتصادات المتقدمة في العالم حلفاء رسميين للولايات المتحدة. تواجه بكين أيضًا شكوكًا عميقة حول العالم بشأن نواياها بعيدة المدى وميولها للهيمنة. هذا حقيقي حتى بالنسبة إلى أقرب شركائها في مبادرة الحزام والطريق. وأوضحت الكثير من الدول أنها لا تريد الانحياز حصرًا لبكين أو واشنطن. لكن الوضع الراهن ليس ثابتًا. تنمي الصين علاقات مع الاقتصادات المتقدمة والدول النامية، وتحاول إحداث وقيعة بين الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها. حتى لو لم تقدر على جلب بعض اللاعبين إلى جانبها، قد تسعى إلى “بسط نفوذها” على مناطق استراتيجية رئيسية مثل شبه الجزيرة الكورية وأجزاء من جنوب شرق آسيا، ما يجبر الدول على التخلي عن علاقاتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة.

التحالفات لها عواقب

إن الخطوات الكبيرة التي قامت بها إدارة بايدن لتنشيط التحالفات الأمريكية وزيادة مساهمات حلفاء الولايات المتحدة في أمن منطقة الهندي – الهادئ ضرورية في هذا العصر الذي يشهد توازنات قوى متغيرة ومنافسة استراتيجية. لكن ينبغي أن يكون بايدن واعيًا أنه عندما يتعهد القادة الأمريكيون بإعادة تصور تحالفات واشنطن والعمل باتجاه “رؤية جديدة للردع المتكامل في القرن 21،” قد تسعى بكين للشيء نفسه مع شركائها الاستراتيجيين.

هذا لا يعني القول بأنه يتعين على واشنطن إبعاد نفسها عن حلفائها على أمل كسر حدة سلوك الصين. في النهاية، سوف تسترشد خيارات بكين برؤيتها وطموحاتها الاستراتيجية، ومع ذلك، سوف تُحسِنُ إدارة بايدن صُنعًا بالتفكير في كيف يمكن أن تؤثر نجاحاتها في حشد الأصدقاء على تصورات بكين عن التهديدات وتحفز دون قصد خلق شبكة تحالف منافس بقيادة الصين.

ينبغي التفكير بجدية الآن في كيفية التعايش مع، والأفضل منع، مثل هذه النتيجة. ينبغي أن تشمل الجهود التفكير في طرق لجعل الصين تستثمر في علاقات مستقرة مع الولايات المتحدة وحلفائها والتأكد من أنها تشارك مع مجموعة واسعة من الدول، وليس فقط الديمقراطيات ذات العقلية المتشابهة، بحيث إن أولئك المتواجدين خارج دائرة الأصدقاء التقليدية للولايات المتحدة لا يستنتجون أن خيارهم الأفضل أو الوحيد هو الانحياز لبكين. سيكون بُعد النظر الاستراتيجي والتخطيط أساسيان لمنع الانجراف باتجاه عالم منقسم بالفعل، في ظل وجود كتلة معارضة تقودها الصين الأكثر ميلًا للتدخل.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا