«فورين أفيرز»: الصين لا تريد الحرب مع أمريكا.. وهذا الدليل

آية سيد
لماذا تلتزم الصين موقفًا محايدًا تجاه اشتباكات السودان؟

ينبغي على الولايات المتحدة أن تتوقع استمرار الصين في الحكم بطريقة مستقرة وقابلة للتنبؤ، على الأقل لأنها تواجه تحديات كبرى تدفعها للبحث عن الاستقرار.


ضاعف فوز الرئيس الصيني، شي جين بينج، بولاية ثالثة مخاوف بعض المراقبين من تحركه عسكريًّا لضم تايوان، ما يشعل حربًا شاملة مع الولايات المتحدة.

لكن رئيس “مجموعة استراتيجيات الصين” والزميل بمركز “آسيا سوسايتي”، كريستوفر جونسون، يرى أن الصين تفضل الوفاق وخفض التوترات الثنائية مع أمريكا، وفق ما ذكر في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز“، الاثنين 14 نوفمبر 2022.

تجنب التصعيد

يلفت جونسون إلى أن شي، في المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي الصيني الحاكم، الذي انتهى قبل أسابيع، رسم صورة قاتمة للتهديدات الخارجية، التي تواجه بلاده. ودعا إلى زيادة كمية وجودة الإنتاج الدفاعي الصيني، المتسارع بالفعل. وعيّن مزيجًا من أتباعه والتكنوقراط الماهرين في المكتب السياسي للحزب، من أجل الإشراف على رد بكين على التحدي.

ويقول الكاتب الأمريكي، إن بكين امتنعت، حتى الآن، عن اللجوء إلى الردود التصعيدية، التي ترتقي إلى حرب اقتصادية مباشرة مع الولايات المتحدة، ومنها تعطيل سلاسل إمداد المعادن النادرة، أو استخدام أدوات تنظيمية صينية، مثل “قائمة الكيانات غير الموثوقة” وقانون مكافحة العقوبات الأجنبية، الذي قد يعاقب الشركات الممتثلة للوائح الأمريكية.

مخاوف في غير محلها

رأى الكثير من المحللين أن تعيينات شي الأخيرة تمهد إلى غزو تايوان وإشعال حرب شاملة بين أقوى دولتين في العالم، لكن جونسون يقول إن المكتب السياسي الجديد “ليس وزارة حرب”. ويرى أن التوقعات بشأن شن استفزازًا عسكريًا، أو أن شي سيكبح رأسمالية السوق الحرة، لصالح العودة إلى سيطرة الدولة، خاطئة.

وفسر جونسون ذلك بأنه على الرغم من أن شي عيّن حلفاء مقربين في الحزب، فإن معظمهم تكنوقراط، ولديهم علاقات قوية بالاقتصاد الخاص الصيني، ومن المستبعد أن يكونوا متملقين تمامًا. لذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تتوقع استمرار بكين في الحكم بطريقة مستقرة وقابلة للتنبؤ، على الأقل، لأنها تواجه تحديات تدفعها للبحث عن الاستقرار.

لهجة تهديد

لم يكن خطاب مؤتمر الحزب المرة الأولى، التي يتحدث شي عن العالم بلهجة تهديد، وفق الكاتب. ففي مايو 2019، بعد انهيار المحادثات الأمريكية الصينية بشأن الرسوم الجمركية، سافر شي إلى جيانجشي، التي كانت منصة الانطلاق لـ”المسيرة الطويلة” عام 1934، عندما تراجعت قوات الحزب الشيوعي، وأعادت تنظيم صفوفها، ثم انتصرت على القوميين.

ومن أمام النصب التذكاري، قال شي للحشود: “نحن الآن نبدأ مسيرة طويلة جديدة”. وفي اجتماع للمكتب السياسيفي وقت لاحق من نفس العام، أعلن شي أن الصين تخوض “حربًا مطولة” ضد الولايات المتحدة، وهو نفس المصطلح الوارد في كتاب ماو تسي تونج عام 1938، بعنوان “عن الحرب المطولة”، الذي يتناول هزيمة عدو أجنبي متفوق.

التمسك بالإصلاحات

على الرغم من لهجة شي الحادة، يقول جونسون إن الرئيس الصيني تمسك بالرأي القائل إن الاستقرار والنمو الاقتصادي هما الاتجاهان العالميان المهيمنان. وردد عبارات مثل “السلام والتنمية يظلان محاور هذا العصر”، التي صاغها رائد الإصلاحات في عصر ما بعد ماو، دينج شياو بينج، وأن الصين تعيش “فترة مليئة بالفرص”، وهي عبارة صاغها خليفة دينج، جيانج زيمين.

ووفق الكاتب، كانت الفكرة الأساسية في كلا المفهومين أن بكين تتمتع بمناخ جيوسياسي عالمي معتدل. وهذا التقييم أوقف المغامرات العسكرية الصينية، التي تهدف إلى إعادة تشكيل توازن القوى في شرق آسيا، وحفّز صناع السياسة على التركيز على النمو الاقتصادي. وظهرت هذه العبارات مجددًا في وثائق للحزب الشيوعي بين إبريل ويونيو 2022.

السياسة الخارجية

انفصل شي عن السياسة الخارجية لأسلافه، وفق جونسون. وفي قرار للحزب في نوفمبر 2021، أدان شي الفساد المتفشي والتراخي الأيديولوجي تحت حكمهم، ووضع إسهاماته الأيديولوجية على قدم المساواة مع إسهامات ماو، وقلل من إسهامات أسلافه. واستمر هذا النهج في الفترة السابقة لمؤتمر الحزب الـ20.

وسمحت هذه الحملة لشي باستئصال عبارتي “السلام والتنمية” و”الفرصة الاستراتيجية” من التقرير السياسي للمؤتمر الـ20. ويلفت جونسون إلى أن أحد الأسباب وراء هذا قد يكون رد الغرب القوي على الحرب الروسية الأوكرانية، واستنتاج المكتب السياسي أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لا تقل عداءً للصين عن إدارة ترامب.

ويشير جونسون إلى أن التقرير السياسي للمؤتمر يحمل كلمات مثل “المخاطر” و”التحديات” و”البلطجة بهدف الهيمنة”. وهاجم الولايات المتحدة بنحو شبه مباشر، بسبب الرسوم الجمركية والانتقادات، وقال إن بكين تعارض “بناء الجدران والحصون”، و”الانفصال وقطع الروابط”، و”العقوبات أحادية الجانب والضغط الشديد”.

خطط الرئيس الصيني

يقول الكاتب إن الأثر السياسي الرئيس للغة شي الحادة كان حملة لبناء قوة صناعية داخلية. وفي المؤتمر، أوضح شي خططه لبناء “حصن اقتصادي” يحقق الاكتفاء الذاتي في الغذاء، والطاقة، والتكنولوجيات الأساسية مثل أشباه الموصلات والصناعات المتقدمة. وقال شي أيضًا أنه يأمل في بناء سلاسل إمداد آمنة من التدخل الأمريكي.

ووفق جونسون، يبدو شي ملتزمًا بنفس القدر بزيادة القوة العسكرية للصين في الخارج وأمن النظام في الداخل. كما صرح شي أن الصين يجب أن تحسن “الردع الاستراتيجي”، ما يفسره الكاتب على أنها إشارة إلى اختبار الصين لمركبة انزلاقية فرط صوتية في 2021 وأن بكين ستوسع قوتها النووية توسعًا كبيرًا.

ويلفت الكاتب إلى أن التنمية الاقتصادية احتفظت بمكانتها كـ”أولوية قصوى” للرئيس الصيني، لكن نصيحة شي الجديدة بـ”ضمان التنمية والأمن” تضع الأمن في مكانة شبه متساوية، قد يخلق المزيد من الخلاف مع واشنطن، وفق جونسون، لأنها تزيد المخاوف الأمريكية بشأن الاندماج المدني العسكري في الاقتصاد الصيني.

التعيينات الجديدة

يشير جونسون إلى أن فريق القيادة الجديد يتوافق مع اللغة الحمائية العسكرية للرئيس الصيني. فالعديد من أعضاء المكتب السياسي الجدد لديهم خبرة في المساعي العلمية المهمة التي تقودها الدولة، التي عززت البراعة الصناعية للصين. وكذلك يضم الفريق عددًا من الضباط.

وعلى الرغم من أن هذه التعيينات جعلت المحللين يعتقدون أن الصين تستعد لقلب النظام الليبرالي، يقول جونسون إنها لا تهدف إلى الصراع قريب المدى مع تايوان أو أي دولة أخرى، بل تهدف إلى “تقوية” نظام الصين في حالة أصبحت الحرب حتمية.

كيف تتعامل إدارة بايدن مع الصين؟

يرى جونسون أنه يتعين على إدارة بايدن أن تفهم أن قادة الصين الجدد ليسوا دعاة حرب إذا أرادت التعامل مع شي بنجاح. لكن الكاتب يرجح أنها لن تفعل ذلك في الوقت الحالي، لأن الإدارة تروج لجدول زمني متقلص للعمل العسكري الصيني المحتمل ضد تايوان.

وختامًا، يقول الكاتب إن شي لا يتطلع إلى التقارب مع الولايات المتحدة، وإنما يرغب في متنفس. وقد يشجعه إحساسه بأن الصين تواجه تحديات كبرى على خفض التوترات الثنائية. ويظل السؤال الحقيقي، وفق جونسون، ما إذا كان بايدن يريد، أو يستطيع، الاستفادة من رغبة بكين في الوفاق لوقف تدهور العلاقات.

ربما يعجبك أيضا