فورين أفيرز | مرة أخرى.. هل تكون أفغانستان ملاذًا آمنًا للإرهابيين؟

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

هل يعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وعودة طالبان للسلطة انتصارًا للقاعدة؟ ولكن ما مقدار هذا الانتصار؟ هذا السؤال هو لب قرار إدارة بايدن بالانسحاب من البلاد، لقد دافع الرئيس “جو بايدن” عن اختياره رغم الفوضى والرعب اللذين أصابا أفغانستان مع انهيار الحكومة، حيث صرح يوم الإثنين قائلاً: “تبقى مصلحتنا الوطنية الحيوية الوحيدة في أفغانستان اليوم كما كانت دائمًا: منع هجوم إرهابي على وطننا”.

ويأخذ الجمهوريون على بايدن هذه النقطة بالذات، فقد حذر النائب “مايكل ماكول”، وهو جمهوري من تكساس وعضو بارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب: “سنعود إلى دولة ما قبل 11 سبتمبر– أرض خصبة للإرهاب”. فيما حذر الجنرال “مارك ميلي”، رئيس هيئة الأركان المشتركة، من أن القاعدة وداعش يمكن أن يعيدا بناء شبكاتهما في أفغانستان بشكل سريع.

إن خطر عودة القاعدة أمر حقيقي، لكن عودة أفغانستان إلى دورها قبل 11 سبتمبر كملاذ آمن للإرهاب الجهادي أمر غير مرجح. ورغم أن انتصار طالبان سيجعل سياسة مكافحة الإرهاب التي تنتهجها واشنطن أكثر صعوبة في التنفيذ، فإن ضعف القاعدة، وحوافز طالبان الخاصة، والتحسينات التي أعقبت 11 سبتمبر في تنسيق الاستخبارات الأمريكية، والأمن الداخلي، والعمليات العسكرية عن بُعد، كلها تقلل من ذلك التهديد.

انتصار آخر؟!

مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وانتصار طالبان، حقق العالم الجهادي انتصارًا دعائيًّا مشابهًا لما شهده قبل أكثر من 30 عامًا. فمن الأساطير الأساسية للحركة الجهادية الحديثة أن المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون لطرد الاتحاد السوفيتي من أفغانستان لم يكونوا فقط حاسمين في هزيمة موسكو عام 1989، ولكنهم سرّعوا أيضًا انهيار الاتحاد السوفيتي والشيوعية بشكل عام. واستمرت هذه الأسطورة على الرغم من أن المتطوعين الأجانب لم يكونوا مهمين عسكريًّا في القتال الشامل ضد السوفييت.

واليوم، ستزعم القاعدة مرة أخرى أن انسحاب القوات الأجنبية كان نصرًا، على الرغم من أن مقاتلي طالبان هم من طردوا الولايات المتحدة، وليس مقاتلو القاعدة أو غيرهم من الجهاديين الأجانب. ولكن هذه المرة، ستكون الحجة أكثر مصداقية، لأن واشنطن نفسها بررت الحرب التي استمرت 20 عامًا على أنها صراع ضد الإرهاب الدولي. وبالتالي فإن هزيمة الولايات المتحدة هي نقطة قوة عظمى أخرى يحرزها تنظيم القاعدة الذي يحتفل أنصاره بالانتصار.

كذلك يعطي انهيار الحكومة الأفغانية دفعة لعملاء القاعدة في البلاد، فلا يوجد سبب للاعتقاد أنه مع انتصارهم الكامل، ستقطع طالبان العلاقات مع التنظيم، فقد استمرت الروابط بينهما لأكثر من 20 عامًا، على الرغم من الضغط والإغراءات الأمريكية. ومن جهة أخرى، تدرك طالبان المهارة القتالية وتفاني أعضاء القاعدة وتشعر بالالتزام تجاههم مقابل تضحياتهم على مدى السنوات العشرين الماضية. وقد أفاد مسؤولو الأمم المتحدة بأن تنظيم القاعدة منغمس بشكل كبير في حركة طالبان، حيث تقوم بعمليات وتدريبات مشتركة. ومن جهته، يزعم تنظيم القاعدة أنه لا يزال مواليًا لقيادة طالبان.

ومع ذلك، لن تستفيد التنظيمات الجهادية بقدر استفادة القاعدة، فتنظيم داعش، الغريم التقليدي للقاعدة، يتواجد بنشاط في أفغانستان، وهو يعارض بشدة كلًا من القاعدة وطالبان، مدَّعيًا أن الأخيرة تخلَّت عن الإسلام لصالح القومية الأفغانية. ومع ذلك، وبعيدًا عن الاختلافات الأيديولوجية، هناك صراع على النفوذ داخل الحركة الجهادية الأوسع؛ ولذلك من المرجح أن تحاول طالبان استمالة قادة داعش إلى جانبهم وسحق من يرفضون الخضوع. وهو ما سيمثل ضربة قاصمة لتنظيم داعش، الذي عانى منذ أن خسر آخر ذرة من الخلافة التي أعلنها في العراق وسوريا عام 2019.

ومع ذلك، فإن السؤال الأكثر أهمية في مكافحة الإرهاب ليس ما إذا كانت طالبان ستحافظ على علاقاتها مع القاعدة والتنظيمات الجهادية الأجنبية الأخرى أم لا، ولكن السؤال هو: ما إذا كانت طالبان ستسمح مرة أخرى للقاعدة باستخدام أفغانستان كقاعدة لهجمات إرهابية دولية. فمن أفغانستان في عهد طالبان، كان “أسامة بن لادن” وقادة القاعدة الآخرون قادرين على توجيه أنشطة جماعتهم بحصانة نسبية، حيث كان تنظيم القاعدة والحركات الجهادية الأخرى– قبل الحادي عشر من سبتمبر– تدير أرخبيلًا من المعسكرات في البلاد. وتدرب الإرهابيون في هذه البؤر، وكذلك فعل الجهاديون الطموحون الذين ذهبوا للقتال في صراعات الجزائر وإندونيسيا وليبيا والصومال وغيرها من الدول.

وبالإضافة إلى توفير التدريب، تمكنت القاعدة أيضًا من إقامة اتصالات بين كبار أعضاء الجماعات الجهادية المختلفة وتلقين آلاف المتطوعين الذين تدفقوا إلى أفغانستان التدريبات المناسبة. ووفقًا لاستخبارات الأمريكية، فقد تدرب ما بين 10 آلاف و20 ألف مجند في تلك المعسكرات من عام 1996 إلى عام 2001. وقد تبنى هؤلاء المتطوعون عقيدة القاعدة العالمية والمعادية لأمريكا، وقاموا بتنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية.

أفغانستان ليست ملاذًا آمنًا جدًا

ستؤدي خسارة أفغانستان بلا شك إلى إعاقة الجهود الأمريكية في مكافحة الإرهاب، وزيادة خطر استخدام تنظيم القاعدة مرة أخرى للبلاد كنقطة انطلاق للهجمات التي يشنها. ودون وجود قوات في المنطقة واتصالات مع السكان المحليين، لن يكون لدى الولايات المتحدة معلومات كافية حول الأنشطة الإرهابية. كما لم تعد القوات الأمريكية والأفغانية موجودة لمنع تنظيم القاعدة من إنشاء معسكرات تدريب أو مقار له.

وعلى الرغم من هذه الصعوبات، إلا أنه من غير المحتمل وجود ملاذ آمن يمكن مقارنته بفترة ما قبل 11 سبتمبر. فقد تراجعت حوافز طالبان الخاصة لدعم الإرهاب الدولي ضد الغرب وأصبحت منخفضة، بغض النظر عن الروابط التي ربما تربط قادة الحركة بالقاعدة، كما أن تنظيم القاعدة لم يتشاور مع طالبان بشأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولم تؤيد الهجمات الإرهابية السابقة التي نفذها التنظيم، مثل تفجير السفارات عام 1998 في شرق إفريقيا. كما دفعت حركة طالبان ثمنًا باهظًا لأحداث 11 سبتمبر، حيث خسرت السلطة لمدة 20 عامًا، ورأت الكثير من كبار قادتها يموتون في القتال ضد الولايات المتحدة.

وفي نفس الإطار، تعارض باكستان، راعية طالبان، أي هجمات للقاعدة على الغرب؛ إذ أكد “بروس ريدل”، ضابط مخابرات أمريكي كبير سابق، أن هجوم طالبان الأخير اعتمد على الدعم الباكستاني، وأن طالبان تستخدم باكستان منذ فترة طويلة كملاذ آمن في معركتها ضد الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية. ونظرًا لانتصار حليف باكستان، فلن يكون لديها الآن سبب وجيه للمخاطرة بتشجيع عودة القوات الأمريكية، وهو أمر يمكن أن يحدث في أعقاب هجوم شرس يشنه تنظيم القاعدة على الغرب. إذ إن مثل هذا العنف لا يخدم أيًّا من الأهداف الاستراتيجية الباكستانية.

ومع ذلك، لا يمكن للولايات المتحدة الاعتماد على باكستان كشريك في مكافحة الإرهاب في أفغانستان. ربما لا تزال باكستان تفضّل استخدام الجهاديين الأجانب لشن هجمات إرهابية في الهند وشن حرب بالوكالة في كشمير، كما فعلت في الماضي. لذلك ربما ترغب طالبان في السماح للمقاتلين الأجانب بالتدريب وتحسين مهاراتهم بطريقة أخرى في أفغانستان، على أمل أن تتمكن باكستان من توجيههم نحو نيودلهي. لذلك فإن الضغط على باكستان سيكون حيويًّا.

ولسوء الحظ، فشلت جهود الولايات المتحدة لإكراه إسلام أباد على كبح جماح طالبان على مدى العقود الماضية إلى حد كبير. وربما تحقق الولايات المتحدة المزيد من النجاح الآن لأنها لم تعد تعتمد على حسن نية باكستان لدعم عملياتها في أفغانستان. ولكن يتعين على صانعي السياسة الأمريكيين خفض توقعاتهم، خاصة وأن إدارة بايدن تجاهلت رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان” بدلاً من مغازلته كحليف، كما يجب أن تركز واشنطن على التأكد من أن إسلام أباد تعلم أنها ستدفع الثمن أيضًا إذا دعمت حركة طالبان الإرهاب الدولي.

وعلى الرغم من أن مساعدة باكستان قد تكون محدودة في أحسن الأحوال، إلا أن تنظيم القاعدة نفسه قد تغير بطرق تجعله أقل قدرة على الاستفادة من أفغانستان؛ إذ فقد التنظيم العديد من القادة والكثير من تمويله وتعرض لأضرار كبيرة منذ 11 سبتمبر. في الواقع، ربما يكون خليفة بن لادن، “أيمن الظواهري”، قد مات أيضًا. وردًّا على تراجعه، شدد تنظيم القاعدة على الصراعات داخل العالم الإسلامي، وذلك بالعمل مع المنتسبين المحليين الذين يتبنون بعض أجندته، ولكن في الممارسة العملية، غالبًا ما يركز على مخاوفهم المحدودة. لقد تم إنفاق الكثير من طاقة قادة القاعدة في محاولة للسيطرة والتأثير على هذه الجماعات التابعة، إذ تشكل هذه الجماعات في الأساس تهديدًا لبلدانها ومناطقها، على الرغم من أن بعضها، ولا سيما الفرع اليمني للقاعدة، قد حاول أو نفذ هجمات إرهابية على الغرب. 

وإضافة إلى ذلك، كانت وكالات الاستخبارات الأمريكية تستعد لانسحاب عسكري من خلال ضمان احتفاظها ببعض القدرة على تعطيل المتدربين المحتملين في القاعدة، وتحديد المؤامرات المحتملة ضد الغرب، واستهداف الإرهابيين. وقد استكشف الجيش الأمريكي طرقًا لاستخدام القوة الجوية من قواعد خارج أفغانستان لضرب معسكرات القاعدة أو العمل في البلاد إذا لزم الأمر. والآن وقد أصبحت طالبان في السلطة، فإن مثل هذه الجهود مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، وبما أن الولايات المتحدة تنفذ بالفعل عمليات بعيدة المدى في الصومال واليمن ودول أخرى بها جماعات جهادية نشطة. فإن تنفيذ مثل هذه الضربات في أفغانستان سيجعل من الصعب على القاعدة والتنظيمات الأخرى إدارة معسكرات تدريب واسعة النطاق، كما فعلت قبل 11 سبتمبر؛ ما سيعرض قادتهم للخطر.

وأخيرًا، فقد تحسن الأمن الداخلي للولايات المتحدة بشكل كبير منذ 11 سبتمبر، وهناك جهد استخباراتي عالمي يستهدف تنظيمي القاعدة وداعش والحركات الجهادية الأخرى، وسيجد المجندون المحتملون صعوبة أكبر في الوصول إلى أفغانستان، وإذا نجحوا في ذلك، فإنهم سيخاطرون بالاعتقال لدى عودتهم.

 الجميع مرتبط بالآخر

على المدى القصير، ستكون أيدي كل من طالبان والولايات المتحدة مقيدة، فطالبان تحتاج إلى تعزيز سلطتها في جميع أنحاء أفغانستان، التي يعيش معظمها في حالة من الفوضى، وسوف يستغرق الأمر وقتًا حتى تتمكن القاعدة من إعادة تشكيل نفسها بالكامل. ومن جانبها، ينبغي على الولايات المتحدة التركيز على الأزمة الإنسانية التي تتكشف في البلاد، وعلى وجه الخصوص، مساعدة عشرات الآلاف من الأفغان الذين خاطروا بحياتهم للعمل مع الجيش الأمريكي والجهود الأوسع لمكافحة الإرهاب.

ومع ذلك، لا ينبغي لهذه الضرورة قصيرة المدى أن تعمي واشنطن عن الحاجة إلى امتلاك قدرة قوية لمكافحة الإرهاب ومواصلة الضغط على الحكومات الإقليمية لمنع أفغانستان من أن تصبح مرة أخرى مركزًا للحركة الجهادية العالمية. مثل هذا النهج ليس انتصارًا كبيرًا على الإرهاب الذي كان يأمل الأمريكيون في تحقيقه بعد الحادي عشر من سبتمبر، ولكنها استراتيجية يمكن إدارتها واستدامتها.

للاطلاع على الرابط الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا