في الذكرى السنوية الأولى لمسيرات العودة.. الأحداث تتجه نحو التصعيد‎

محمود

رؤية – محمد عبد الكريم

غزة – 266 استشهدوا و30398 أصيبوا في مسيرات العودة التي بدأت مع كل يوم جمعة منذ 30-3-2018 وحتى الآن، على الحدود مع الداخل الفلسطيني المحتل وقطاع غزة.

بدأت مسيرات العودة كدعوة شبابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي في قطاع غزة في شهر يناير/ كانون الثاني 2018، وجاءت الدعوة تحت شعار “مسيرة العودة الكبرى”، بدأ الناس بالتفاعل معها والتقاطها كرافعة نضالية للحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها قطاع غزة، ثم تشكلت ما عرفت بـ”اللجنة التنسيقية العليا لمسيرة العودة الكبرى” من شخصيات وطنية مستقلة ومنظمات المجتمع المدني.

تحولت الفكرة إلى دعوة والدعوة لاعتصام اللاجئين رجالا ونساء وأطفالا في أقرب نقاط للسياج الشرقي لقطاع غزة، وحدد 30 مارس/ آذار كنقطة انطلاق على طول السياج الشرقي للقطاع أو ما يعرف بخط الهدنة، وكان الحراك يستهدف تجاوز خط الهدنة وعودة اللاجئين بشكل فعلي إلى ديارهم التي هُجروا منها، بشكل سلمي وتحت راية العلم الفلسطيني.

انضمت الفصائل الفلسطينية بقطاع غزة إلى المسيرة، وأُعلن عن مسمى هيكل جديد هو “الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار”، وأظهرت هذه التسمية التي تبنتها الفصائل وجود مطالب خاصة بقطاع غزة، لا تتشارك فيها مناطق اللجوء الأخرى، وأصبحت “مسيرات العودة وكسر الحصار”.

يتبين أن مسيرات العودة باتت تشغل حيزا كبيرا في فكر وممارسة الفصائل الفلسطينية، أي أنها – الفصائل – اقتربت منها حد التبني والتوظيف، وقد كان الأصل في المسيرات أنها مسيرات شعبية سلمية، والفصائل الأصل فيها أن لها أجنحة عسكرية تتبنى المقاومة المسلحة.

مسيرات العودة ليست فعلاً منفصلاً عن نضال الشعب الفلسطيني الممتد على مدار سبعة عقود، لكن الملاحظ أنه كلما اقترب هذا النضال من الأبعاد والأشكال الرسمية والهياكل واللجان كلما أعيدت صياغة أهدافه ومساراته وتبعاته ونتائجه، كانت الرسالة الرئيسية لمسيرة العودة النضال لتحقيق الهدف الرئيس المتمثل بعودة اللاجئين انطلاقا من القرار الأممي 194، والتصدي لاستهداف اللاجئين عقب وقف دعم الأونروا، وإفشال كل مخططات التوطين التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وفي القلب منها ما يعرف بصفقة القرن.

لاحقا تراجعت المطالب وتلاشت الأهداف الكبرى وبات تحسين الحالة الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية لسكان قطاع غزة هو المحرك المركزي لمسيرات العودة وكسر الحصار، وبعدما كانت المسيرات محل إجماع وطني شعبي فلسطيني باتت محل جدل ونقاش وتساؤلات عن جدواها، وبعدما كانت تستهدف تحريك ومشاركة كافة اللاجئين أينما وجدوا اقتصرت فعالياتها على قطاع غزة فقط.

لم تكن مسيرات العودة بمنأى عن الانقسام الفلسطيني وربما قدرها أنها حالة نضالية فلسطينية تبلورت وسط حالة انقسام متمدد، وربما يؤخذ عليها أنها قدمت مواجهة الاحتلال والتصدي له وعودة اللاجئين على مطلب مهم ومركزي وهو الذهاب للوحدة الوطنية، وقد حدث أن أصبحت مسيرات العودة جزءا من تفاصيل الانقسام والتراشق الإعلامي بين فتح وحماس بدل أن تكون حالة نضالية يمكن أن تُقرب وجهات النظر وتفضي للانتقال من الانقسام إلى الوحدة، خاصة أنه طوال مسيرة النضال والثورة الفلسطينية لم يكن هناك خلاف أو اختلاف على مواجهة الاحتلال والتصدي لممارساته.

لم يكن تبني مسيرات العودة مقتصراً على الخطاب السياسي الفلسطيني الرسمي، لكن باتت الأجنحة العسكرية للفصائل أيضا في العمق من المشهد، ففي 21 ديسمبر/ كانون الأول 2018، أعلنت غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية، أنها تجري حالياً مشاورات متواصلة ودائمة للرد على استهداف الاحتلال للمتظاهرين السلميين في جمعة “الوفاء لأبطال المقاومة”، ضمن مسيرات العودة، التي أدت لاستشهاد 4 مواطنين برصاص الاحتلال.

وقالت الغرفة، التي تضم الأذرع العسكرية لمختلف الفصائل الفلسطينية، في بيان مقتضب، إن “الغرفة سيكون لها موقف واضح لتحديد سياساتها وقواعد عملها تجاه عنجهية الاحتلال وجرائمه ضد أبناء الشعب الفلسطيني في مسيرات العودة.

استطاع الفلسطينيون من خلال فعاليات مسيرات العودة والأنشطة المرافقة لها أن يعيدوا إلى الذاكرة العالمية مشاهد النكبة الفلسطينية، وأحيوا حق العودة بعد أن شرعت إدارة ترامب في خطوات تهدف إلى إلغائه، وأعادوا ملف القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي بقوة فقدها منذ زمن بعيد، وتمكنوا من طرق أبواب البرلمانات والمؤسسات الدولية الحقوقية والقانونية.

ساهمت مسيرات العودة وكسر الحصار في فضح جرائم جيش دولة الاحتلال الإسرائيلي الذي تعمد استهداف الطواقم الطبية والصحافيين والأطفال والنساء والمدنيين العزّل وقد وثقت كاميرات الهواتف النقالة ووسائل الإعلام الاجتماعي والرسمي الكثير من الجرائم من استهداف مباشر وقاتل للمتظاهرين بدون أدنى جرم أو سبب يستدعي الاستهداف، وتعمد إصابة المتظاهرين في أماكن حساسة من الجسد والأطراف ما تتسبب في إعاقات دائمة عند أكثر المصابين، مما أثار موجة انتقاد حادة وسخطا عالميا على سلوك جيش الاحتلال الإسرائيلي، ودفع مؤسسات حقوقية وإنسانية للمطالبة بفتح تحقيقات وإرسال لجان دولية رسمية للتحقيق في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة، وصرحت جهات عدة بوجود شبهات وشكوك في إقدام جيش الاحتلال الإسرائيلي على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية واستخدام أسلحة محرمة دوليًا ضد المتظاهرين العزّل، مما أربك قادة دولة الاحتلال ووضعهم في خانة الدفاع واختلاق المبررات.

أحدثت مسيرات العودة جدلا واسعا في الأوساط الإسرائيلية وتحولت إلى مأزق سياسي وأمني، وأفقدت إسرائيل رواية الضحية “الهولوكست”، عندما ردت على المسيرات السلمية بالقصف وإطلاق الرصاص الحي والاستخدام المفرط للقوة، وتسابق قناصتها في استهداف المدنيين العزّل من الأطفال والنساء والمسعفين والصحافيين. حتى باتت مسيرات العودة وأهدافها وتقييمها حاضرة في الرواية الإسرائيلية، ولم يعد ممكنا تجاهلها. وتحولت حدود قطاع غزة التي كانت هادئة نسبيا منذ انتهاء حرب عام 2014 إلى مصدر احتكاك وإرباك واستنزاف للجيش الإسرائيلي الذي فوجئ بهذا الحشد الشعبي غير المركزي والممتد على طوال حدود غزة، في أكثر من منطقة، ووصل عدده إلى ما يقرب من 250 ألف متظاهر سلمي.

وأعادت طرح موضوع حصار غزة والأزمة الإنسانية فيها من جديد على صدارة الاهتمام العالمي، بعد صمت مستمر لعقد من الزمان، ووضعت المزيد من العقبات أمام صفقة القرن للرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تستهدف حق العودة.

وتتزامن الاجتماعات المكوكية التي يجريها الوفد المصري في قطاع غزة، منذ أول من أمس، للوصول إلى اتفاق تهدئة يبعد سيناريو المواجهة غداً أو بعده، مع ضغط ميداني ورسائل متبادلة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي. فعلى الأرض، تواصلت عمليات إطلاق “البالونات الحارقة” و”وحدات الإرباك الليلي”، فيما استهدف جيش العدو مطلقي البالونات، كما بثّ صوراً لتعزيزاته العسكرية على الحدود، وهو ما استدعى من “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، الإشارة إلى مسؤوليتها عن إطلاق صواريخ تل أبيب أخيراً، وإرسال تحذيرات إلى العدو.

وتُعدّ المسيرة الكبرى التي دعت إليها الفصائل الفلسطينية بالمناسبة، أحد المواضيع الرئيسية لإسرائيل ضمن سلة مواضيع هي محل تفاوض غير مباشر بوساطة مصرية، ولا يبدو أن بالإمكان تحقيق خرق كبير فيها قبل موعد الانتخابات. والحشد العسكري على حدود القطاع، وكذلك التصريحات والتقارير التخويفية العبرية، ومن بينها تصريح رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أمس عن أنه أصدر “أوامر” للجيش بالاستعداد لخوض عملية عسكرية واسعة ضد غزة، هي عدّة الشغل، المراد منها تعزيز موقف المفاوض الإسرائيلي، في ظلّ ما تراه تل أبيب مطالب فلسطينية لا تستطيع تلبيتها، حتى إن أرادت ذلك، في هذه الفترة التي تسبق انتخابات الكنيست المقرر إجراؤها في التاسع من الشهر المقبل.

فالخشية الإسرائيلية من التحرك الفلسطيني غداً (السبت) عبّر عنها الإعلام العبري بشكل لافت (موقع “والا” الإخباري وغيره): “يستعد الجيش عبر تمركز كبير للدبابات والقناصة والطائرات المسيرة لمواجهة التحرك الفلسطيني العاصف”. إذ إن التقديرات الاستخبارية “لا تبشر بالخير”، مع الخشية من أن يقتحم المتظاهرون السياج ويحاولوا “خطف” جنود، الأمر الذي استدعى تعزيز “فرقة غزة” بناقلات الجند المدرعة، مع نشر وحدات النخبة واستقدام أخرى على خلفيات وقائية.

ووفق مصادر أمنية رفيعة، هناك “خشية فعلية من أن تقدم (حركة) حماس على مفاجآت”. هذه التقديرات تعتقد إسرائيل أن من المفيد نشرها، ظناً منها أنها بذلك تدفع القيادة الفلسطينية إلى لجم المتظاهرين، وتساعد في الوقت نفسه المفاوض الإسرائيلي الذي يستهدف تليين المطالب الفلسطينية، وإمرار “يوم الأرض” والأيام الفاصلة عن الانتخابات بهدوء ومن دون تصعيد، توازياً مع الاستعداد للمواجهة في حال تعذُّر التوصل جزئياً ومؤقتاً إلى تهدئة برعاية مصرية.

وصعّد الاحتلال الإسرائيلي ليل الخميس وصباح اليوم الجمعة، الحرب الدعائية النفسية ضد غزة، وذلك في أوج حالة التوتر الأمني على الحدود الشرقية للقطاع، عشية يوم الأرض ومسيرات العودة المقررة غداً.

وأسهب الإعلام الإسرائيلي خلال اليومين الماضيين في نشر تقارير تهول من حجم الاستعدادات العسكرية وحالة التأهب على الحدود، والإشارة إلى أن جيش الاحتلال مستعدٌ لسيناريوهات مختلفة، بينها أيضاً “خيار عملية توغل بري”.

وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن جيش الاحتلال دفع خلال اليومين الماضيين بثلاثة ألوية إضافية، بينها لواء المدرعات ولواء من المشاة، إلى جانب المظليين، إلى المناطق الحدودية القريبة من قطاع غزة، وذلك بالتوازي مع تقارير عن رسائل وجهها الاحتلال عبر الطرف المصري لحركة “حماس”، تحذرها من “تبعات” مشاركة عشرات آلاف الفلسطينيين غداً في مسيرات العودة، واحتمالات محاولة المتظاهرين الاقتراب من السياج الحدودي أو اجتيازه والتعرض لمواقع جيش الاحتلال.

ووفقاً للخطط التي يعلنها الجيش عن مهامه المرتقبة خلال اليومين، كما أوردها الموقع، فإن الجيش يستعد في المرحلة الأولى لصدّ جموع المتظاهرين الفلسطينيين في حال اتجاههم لاجتياز السياج الحدودي، بما في ذلك عبر إطلاق النار باتجاههم، وفي حال سقوط أعداد كبيرة من الفلسطينيين بنيران القناصة، فقد ترد “حماس” بإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، مما سيجر رداً من جيش الاحتلال.

وبحسب الموقع، فإن المرحلة الثالثة بعد تدهور الأوضاع قد تشكل مفاجآت من جيش الاحتلال بما فيها استعداد لمناورات برية مصحوبة بإطلاق النيران وبتغطية جوية من سلاح الجو.

ويثير نشر هذه الخطط والسيناريوهات، حقيقة الهدف النفسي منها لردع الفلسطينيين عن المشاركة غداً في مسيرات العودة، وتهديد “حماس” بإجراءات غير مسبوقة، وحمام دماء على الحدود.

الفصائل التي اجتمعت مع الوفد واضحة في طرحها أنها لن تقبل أن تكون هذه المرة مشابهة للمرات الماضية التي كان من المفترض أن يتم التوصل فيها إلى تفاهمات، وسرعان ما يخرقها الاحتلال، وهو ما دفعها إلى التأكيد أن التحشيد و”الأدوات الخشنة” للمسيرات مستمران حتى موافقة العدو على الشروط الفلسطينية. وتشمل شروط الفصائل تنفيذاً عاجلاً للتفاهمات السابقة، والسماح بزيادة المنح التي تدخل غزة (القطرية والدولية)، وزيادة كمية الكهرباء الواردة عبر تشغيل خط 161، وتوسيع مساحة الصيد، ورفع القيود على الاستيراد والتصدير من القطاع وإليه، وكذلك السماح بدخول المواد الممنوعة التي يسميها الاحتلال “ثنائية الاستخدام”.

كما شملت المطالب زيادة قيمة المنحة القطرية وتمديدها ستة أشهر أخرى، بالإضافة إلى الموافقة على مشاريع أخرى خارج المنحة تتعلق بدعم 130 ألف أسرة فقيرة عبر توفير تموين دائم بقيمة 80 دولاراً شهرياً لكل أسرة.

بموازاة التفاوض غير المباشر، واصلت وحدات “مسيرات العودة” عملها على طول الحدود، وسجّل أمس إطلاق عشرات البالونات الحارقة والمتفجرة إلى مستوطنات “غلاف غزة”، فيما اقتحم عدد من الشبان السياج الفاصل مرات عدة، وخربوا مواقع للقناصة، ورد الاحتلال بقصف من طائرة استطلاع على مجموعة من وحدات “البالونات” شمال القطاع، ما أدى إلى إصابة أربعة من عناصرها.

ربما يعجبك أيضا