في دراما الحرب التجارية.. محادثات جديدة بواشنطن ورهان على اتفاق مؤقت

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تنطلق، اليوم الخميس، جولة جديدة من سلسلة محادثات التجارة بين واشنطن وبكين، حيث وصل صباحًا نائب رئيس الوزراء الصيني ليو خه، وهو كبير المفاوضين التجاريين الصينيين، إلى واشنطن للمشاركة في هذه الجولة على مدار يومين، وسط أنباء تؤكد استعداد الطرفين لإبرام اتفاق جزئي، رغم استمرار توتر العلاقات بينهما.

خلال أسبوع مضى، أضافت واشنطن عددا كبيرا من شركات الذكاء الصناعي الصينية الناشئة على قائمة سوداء للتجارة، لمعاقبة بكين على حملة قمع غير إنسانية تمارسها ضد أقلية الإيجور المسلمة، كما قررت منع إصدار تأشيرات سفر للمسؤولين الصينيين المرتبطين بانتهاكات حقوق الإيجور، بما يشمل مسؤولين بالحكومة الصينية وقادة بالحزب الشيوعي الصيني، وهذه الخطوة أثارة حفيظة بكين واعتبرتها تدخل سافر في شؤونها الداخلية.

رغم ذلك، نقلت “بلومبرج” عن مصادر مطلعة على سير المحادثات، أن الصين ما زالت مستعدة لإبرام اتفاق تجاري مع واشنطن، لكن بشكل جزئي لا يتوقع أن ينهي الحرب التجارية بين البلدين بشكل كامل، وإنما فقط بالشكل الذي يسمح بهدنة لالتقاط الأنفاس.

وقبيل استئناف المحادثات اليوم، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للصحفيين: إذا استطعنا إبرام اتفاق فسوف نبرمه، ثمة فرصة طيبة حقا.. في رأيي أن الصين تريد إبرام اتفاق أكثر مني.

بحسب صحيفة “فايننشال تايمز”، بكين ستجدد في هذه الجولة عرضها السابق لزيادة مشترياتها السنوية من المنتجات الزراعية الأمريكية بقيمة عشرة مليارات دولار، بعد أن زادت مشترياتها من منتجات زراعية أمريكية مثل فول الصويا ولحم الخنزير خلال الشهر الماضي.

كما ستشارك واشنطن هذا العام في الدورة الثانية لمعرض الصين الدولي للاستيراد، المقررة في 5 نوفمبر المقبل، بأكبر عدد من الشركات الرائدة مثل “جنرال إلكتريك”، و”فايرز”، في سابقة ستجعلها الدولة الأولى بين المشاركين، من حيث عدد الشركات.

اتفاق مؤقت بشأن العملة
قالت نشرة “بلومبرج” هذا الصباح، إن البيت الأبيض يدرس – خلال هذه الجولة – طرح اتفاقًا يضمن استقرار العملة للبلدين، ويبعدهما عن خطر المضاربات أو حروب العملات، بحيث يكون هذا الاتفاق مرحلة أولى يتبعها مزيد من المفاوضات بشأن الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا والقضايا الأخرى العالقة بين البلدين، على طريق صباغة اتفاق تجاري ينهي حرب الرسوم الجمركية المشتعلة منذ أكثر من عام.

اتفاق استقرار العملة، سبق وأن ورد ذكره في مفاوضات دارت بين البلدين في فبراير الماضي، وانتهت إلى لا شيء، لكنه بات ضرورة بالنسبة لواشنطن بعد أن جرعتها بكين مرارة التلاعب بأسعار الصرف، في أغسطس الماضي عندما سمحت بتداول “اليوان” عند مستويات تاريخية وكسره لحاجز الـ7 دولارات لأول مرة في أكثر من 10 سنوات، في رسالة لواشنطن مفادها “نحن لا نريد حرب، لكن لا نخشاها وسنخوضها إذا لزم الأمر”.

هذه الخطوة أغضبت واشنطن إلى حد كبير، فصنفت بكين كدولة تتلاعب بسعر صرف العملة، مهددة بأنها ستبذل كل ما في وسعها من للقضاء على “الميزة غير العادلة” التي اكتسبتها الصين لعملتها من خلال خفضها مقابل الدولار إلى الحد الأدنى منذ ديسمبر الماضي.

 الواقع أن الحرب التجارية هي وجه آخر للعملة، ولا نبالغ بالقول إن الوجه الأول والأساسي هو حرب العملات، واشنطن يقلقها كثيرا إصرار الصين على خفض عملتها مقابل الدولار بمستويات تكسب صادرتها ميزة تنافسية عالية، فأقمت العجز التجاري بين البلدين لصالح بكين، ففي عام 2017 بلغ نحو 375 مليار دولار، وفي 2018 ارتفع إلى 419.5 مليار دولار، على الرغم من تعريفات ترامب التي طالت سلع صينية بقيمة تتجاوز الـ300 مليار دولار.

اليوان في مواجهة الدولار

ربما لم يخطر على بال ترامب أن يستفيد “اليوان” من مطرقة العقوبات الأمريكية سواء التجارية أو السياسية ضد إيران وروسيا وكوريا الشمالية وكذلك فنزويلا والصين والاتحاد الأوروبي، إذ بات العديد من هذه الدول يميل إلى تسوية تعاملاته الخارجية باليوان كبديل للدولار، ردا على هذه العقوبات.

الآن تمثل كتلة “اليوان” 28% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، بفارق ثماني نقاط فقط عن الدولار، كما ارتفعت حصته من احتياطيات النقد الأجنبي العالمي إلى مستوى قياسي بلغ 2.5 في المائة خلال 2018، لكنه ظل بعيدا عن الدولار 62%، واليورو 20.5%، وخلال الربع الثاني من 2019 كان من الملفت تراجع حصة الدولار بالاحتياطات الدولية إلى 61%، مقابل زيادة حصة عملات مثل الين الياباني واليورو واليوان الصيني.

المحللون يتوقعون في ظل استمرار السياسة الحمائية من نظام ترامب، أن تبحث بلدان العالم وعلى رأسهم بلدان “اليورو” عن بديل للدولار، وهنا سيكون دور “اليوان” لتقديم بديل “مغري” للغاية، فالصين باعتبارها القوى الاقتصادية الثانية بعد أمريكا لديها شبكة تجارية عملاقة مع جميع البلدان، ما يجعل دورها محوري في أي نظام عالمي للمدفوعات التجارية، لا سيما وأنها تسعى إلى تحويل عملتها إلى عملة إقليمية آسيويا وربما دولية إن سنحت لها الفرصة.

على الجانب الآخر يخوض ترامب حربًا داخلية مع الاحتياطي الفيدرالي لتخفيض أسعار الفائدة، معتبرا أن “الدولار القوي” يضر بالاقتصاد الأمريكي أكثر مما ينفعه، فيما يسعى في حربه مع بكين إلى الضغط باتجاه تقليل تدخل الحكومة الصينية في سوق العملات وانتهاج سياسة أكثر مرونة لتحريك سعر الصرف “تعويم اليوان”.

ترامب يعتقد أن الرسوم الجمركية على الصين ستجلب لبلاده ثروة تعوضها عن عجز ميزانها التجاري بكثير، وعندما يتحدث عن اتفاق تجاري فهو يريد اتفاق تجاري ممتاز وليس متكافئًا، وهذا لن تقبله الصين التي أكدت مرارا وتكرارا أنها لن تقدم تنازلات، لكن مع حاجة ترامب إلى دفعة لإحياء حملته الانتخابية لسباق 2020 قد يقبل باتفاق مؤقت يفتح  الباب أمام سلسلة جديدة من المفاوضات أكثر جدية مما مضى.

في حال فشلت الجولة الراهنة من المحادثات التجارية، سيكون على بكين الاستعداد لزيادة جديدة اقتراحها ترامب للرسوم الجمركية على سلع صينية بقيمة 250 مليار دولار من 25% إلى 30% بحلول 15 أكتوبر الجاري.

ربما يعجبك أيضا