في عهد بايدن.. الخزانة الأمريكية أكثر دقة في رصد «المتلاعبين بالعملة»

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تصحيح مسار العلاقات الخارجية التي تضررت بشدة من حمائية إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب العالية والتي أزعجت الأصدقاء قبل الخصوم، لذا لم يكن غريبا أن تحجم وزارة الخزانة الأمريكية في تقريرها النصف سنوي عن سياسة الصرف الأجنبي عن وصم أي دولة من شركاء البلاد التجاريين بـوصف “التلاعب بالعملة”، على الرغم من استيفاء بعض الدول كسويسرا وفيتنام معايير التصنيف، في إشارة إلى عهد جديد أقل تصادمية مع الشركاء التجاريين لأمريكا، لا سيما وأن قائمة المتلاعبين بالعملة التي فعلتها إدارة ترامب لم تكن كافية للحد من السياسات النقدية التي تنتهجها بعض الدول لإكساب عملاتها ميزة تنافسية مقابل الدولار.

لا “تلاعب” بين شركاء أمريكا

قالت وزارة الخزانة الأمريكية – في تقريرها الصادر بعنوان “المشاركة المعززة” يوم الجمعة الموافق 16 أبريل- إن اقتصادات سويسر وفيتنام وتايوان أوفت بمعايير تسمية “التلاعب بالعملة”، لكن لا يوجد “دليل كاف” لاستنتاج أن الشركاء التجاريين الثلاثة أظهروا نية حقيقية لمنع تعديلات فعالة في ميزان المدفوعات أو اكتساب ميزة تنافسية غير عادلة في مجال التجارة الدولية، لاستحقاق التوصيف.

في ديسمبر الماضي، صنف التقرير الأخير في عهد ترامب، سويسرا وفيتنام باعتبارهما دولتين “تتلاعبان بالعملة”، لكن التقرير الأول بشأن سياسات التلاعب بالعملة والصرف الأجنبي في عهد بايدن، اعتبرا أن جائحة كورونا دفعت دول العالم – بما فيها الولايات المتحدة- إلى إجراء تعديلات كبرى في سياسات الاقتصاد الكلي لتحفيز الاقتصاد، وأن هذا كان كفيا بالامتناع عن تسمية أي من الشركاء التجاريين بـ”متلاعب بالعملة”.

وقال مسؤول بوزارة الخزانة: “نحن بحاجة إلى فهم أفضل لخيارات السياسة التي كانت متاحة لشركائنا التجاريين الرئيسيين حتى نتمكن من اتخاذ قرارات أكثر استنارة”، فعلى سبيل المثال سنسعى إلى فهم أعمق لإجراءات العملة في تايوان وفيتنام من أجل تحديد ما إذا كانت التدخلات قد تمت “بقصد” اكتساب ميزة تجارية غير عادلة، أو لمواجهة التداعيات الاقتصادية للجائحة.

وقالت الوزارة إنها ستبدأ التعاون مع تايوان لمعالجة ما أسماه التقرير “التخفيض الهيكلي” للدولار التايواني، وجددت دعوتها لتايوان إلى الامتناع عن التدخل في أسواق الصرف الأجنبي إلا في ظروف استثنائية.

كما حثت الصين على تحسين الشفافية فيما يتعلق بأنشطة التدخل في النقد الأجنبي.

معايير التلاعب بالعملة كما تراها واشنطن

-تسجيل فائض في الحساب الجاري بنحو 2% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي.

– تسجيل فائض تجاري ثنائي –لصالح الدولة المتلاعبة- لا يقل عن 20 مليار دولار.

– رصد تدخلات في سوق صرف العملات الأجنبية تصل إلى 2% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

لإسوار براساد الخبير الاقتصادي بجامعة كورنيل والذي عمل سابقًا كخبير لدى صندوق النقد الدولي، يرى – في تصريحات سابقة نشرته “فايننشال تايمز”- أن الإدارة الأمريكية في حاجة إلى إعادة بناء مصدقية تقرير “التلاعب بالعملة” -الذي يصدر مرتين بالعام منذ 1988- حيث تسببت إدارة ترامب في النظر إليه باعتباره أداة مسيسة وليست أداة لتحسين السياسات النقدية للشركاء التجاريين، مضيفا هناك حاجة إلى مجموعة أكثر عقلانية من المعايير وتطبيقها بالتنسيق مع البلدان المدرجة على قائمة المراقبة الخاصة بوزارة الخزانة، بدلا من استهداف بلدان بعينها.

واعتبر أن تقرير الخزانة بشأن سياسة الصرف الأجنبي الأول في عهد بايدن كان أقل ميلا للسياسة، وتحلى بنبرة أكثر دقة من التقارير التي كانت تصدر في عهد ترامب، كما أخذ في الاعتبار ظروف كل دولة على حدة.

قائمة المراقبة تثير غضب الشركاء التجاريين

على الرغم من أن تقرير وزارة الخزانة رفع وصف المتلاعبين بالعملة عن الشركاء التجاريين لواشنطن، إلا أنه قرر إضافة أيرلندا والمكسيك إلى قائمة مراقبة التعامل مع أسعار الصرف الخاصة بالوزارة، ما يعني أنهما استوفتا معيارا أو اثنين من المعايير الثلاثة للتوصيف بأنها دول تتلاعب في العملة.

وتضم قائمة  المراقبة الأمريكية فيما يخص التلاعب بالعملة إلى جانب أيرلندا والمكسيك، كلا من الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، وألمانيا، وإيطاليا، والهند، وماليزيا، وسنغافورة، وتايلاند، وهذه الدول ستخضع للرقابة الأمريكية بشكل أقل من سويسرا وفيتنام وتايوان باعتبار أن البلدان الثلاثة استحقت بالفعل على وصف “المتلاعبين بالعملة”.

يذكر أن هذه التصنيف الأمريكي وكذلك قائمة المراقبة لم يترتب عليه أية عقوبات اقتصادية ضد البلدان المدرجة بسبب التلاعب المزعوم بالعملة، إلا أن مجرد التصنيف يثير غضب الشركاء التجاريين، إذ ينظر إليه باعتباره أداة سياسية تستخدم لتغليب المصالح الأمريكية في معاملات التجارة الدولية أو تعزيز موقع الدولار في السوق العالمية.

 بالأمس قال وكيل وزارة التجارة الهندية أنوب واداوان، إن بلاده لا ترى أي منطق في إدراج اسمها على قائمة مراقبة المتلاعبين بالعملة، مؤكدا أن المركزي الهندي يتبع سياسة تسمح بتحركات العملة على أساس قوى السوق، بما لا يسمح بالتلاعب بأسعار الصرف على النحو المقصود من قبل الخزانة الأمريكية.

من جانبه أكد البنك المركزي الفيتنامي –في بيان نشرته “بلومبرج”، أمس- أن سياساته النقدية ليس الغرض منها إيجاد ميزة تنافسية غير عادلة في التجارة الدولية لصالح فيتنام، بل يرجى منها السيطرة على التضخم ودعم النمو، مذكرا بأن الولايات المتحدة هي أكبر سوق تصدير لفيتنام.

المركزي التايواني قال في بيان صدر الأحد الماضي: إن وزارة الخزانة الأمريكية يجب أن تعلق معاييرها الثلاثة لتصنيف المتلاعبين بالعملة في ظل جائحة كورونا، مضيفا لا نتفق مع واشنطن في استخدام ذات المعايير الآن لتحديد ما إذا كان الدولار التايواني مقومًا بأقل من قيمته الحقيقية أم لا، لافتا إلى أنه لم يتدخل في أسواق العملات لاكتساب ميزة تجارية غير عادلة، وأن معاملات الصرف الأجنبي داخليا ليست ذات صلة بالتجارة الدولية.

تصر جميع البنوك المركزية في البلدان المدرجة على القائمة الأمريكية، على أن سياسات التسهيل الكمي من جانبها ليست موجهة لإضعاف عملتها وكسب ميزة تناقسية في المعاملات التجارية مع أمريكا، وقد تكون صادقة في هذا الأمر كما أن العكس وارد أيضا، فلا وجود لدليل قاطع يمكن أن تثبت به واشنطن تعمد هذه البلدان التدخل في أسواق الصرف لخفض قيمة عملتها أو إضعاف الدولار، وبحسب القانون الأمريكي إدارة بايدن تظل مطالبة بالعمل مع الشركاء التجاريين لمعالجة اختلالات سوق الصرف، ويمكن تطبيق عقوبات على الدول المتلاعبة مثل الحرمان من المشاركة في مناقصات الحكومة الأمريكية، إلا أن هذا الأمر غير وارد إذ يحاول بايدن الانفتاح أكثر على الشركاء التجاريين وتشكيل ما يشبه التكتل للسيطرة على طموحات التنين الصيني، ومن هنا نفهم عدم تصنيف التقرير لدولة مثل تايوان كمتلاعب للعملة على الرغم من استيفاء المعايير.. الأمر لا يخلو من السياسة كما يبدو لكنه يبقى أكثر دقة مما كان عليه في عهد ترامب.  

ربما يعجبك أيضا