في غمرة القتال.. مستشفيات الخرطوم تتجاوز حد الكارثة

مصطفى شلبي
الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان

حسب وكالة أنباء رويترز، قالت وزارة الصحة السودانية إن 270 شخصًا على الأقل قُتلوا منذ اندلاع العنف في نهاية الأسبوع الماضي.


بعد انفجار الوضع في السودان فجأة، أصبحت هناك جثث بغير دفن ونوافذ حطمتها طلقات الرصاص في العدد المحدود الذي لا يزال يعمل من المستشفيات.

ويحتدم القتال بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، منذ أسبوع مضى وحتى اليوم الخميس 20 إبريل 2023، وقد هجرت طواقم الرعاية الطبية المستشفيات في ظل دوي القصف حولها.

ظروف مروّعة

يصف الأطباء وموظفو المستشفيات الظروف المروعة المتمثلة في عدم وجود مياه للتنظيف وقلة الكهرباء اللازمة لتشغيل معدات إنقاذ الحياة ونفاد الطعام، ما يضطرهم إلى إرسال المرضى إلى منازلهم ورفض دخول أي مصابين جدد.

ويوجد عدد من أفضل مستشفيات السودان في وسط الخرطوم، حيث يدور أشرس قتال بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، ما يتطلب من الأطباء والمرضى الشجاعة للوقوف في وجه إطلاق النار والقصف.

وحسب وكالة أنباء رويترز، قالت وزارة الصحة السودانية إن 270 شخصًا على الأقل قُتلوا منذ اندلاع العنف في نهاية الأسبوع الماضي، وأصيب أكثر من 2600 شخص إلى جانب آخرين لا يزالون يحتاجون إلى علاج، ما ينذر بكارثة من جراء الانهيار السريع لنظام الرعاية الصحية.

تكدس الجرحى

قالت إسراء أبوشامة، طبيبة في وزارة الصحة السودانية، إن “المستشفيات التي تقدم خدمات للجرحى الآن قليلة جدًّا، وعدد الأطباء محدود، ولذا هناك تكدس من الجرحى”.

وأضافت: “وعلاوة على هذا، لا يستطيع جميع المصابين الوصول إلى المستشفى في ظل إطلاق النار. ونحتاج فعلًا إلى فتح المستشفيات العامة والخاصة لتقديم الخدمات الطبية لجميع المصابين والمرضى”.

وقال أحد خريجي الجامعات، يبلغ من العمر 25 عامًا، أصيب برصاصة في كتفه، لكنه رفض الكشف عن اسمه خوفًا من استهدافه: “وجدنا مستشفى يعمل، لكنه يعاني قلة الخدمات بسبب عدم توفر الكهرباء”.

توقف مولدات الكهرباء

قال العاملون في أحد مراكز رعاية الأطفال المصابين بالسرطان بالخرطوم إنهم أوقفوا العلاج مؤقتًا بعد توقف مولد الكهرباء. وقال مدير الشؤون الطبية في مستشفى البراء للأطفال بالخرطوم، أشرف الفكي، إن جناحًا واحدًا لا يزال يستقبل المرضى هذا الأسبوع مع وجود طبيب واحد لرعاية طفلين حديثي الولادة باستخدام أجهزة التنفس الصناعي.

وتوفي أحدهما بعد ذلك بوقت قصير وجرى إجلاء الثاني في النهاية. وقال الفكي “لا أعرف ماذا أفعل”. وقالت نقابة أطباء السودان إن تسعة مستشفيات تعرضت لقصف بالمدفعية وجرى إجلاء 16 شخصًا قسرًا على مدى الأيام الأربعة الماضية، مضيفًا أنه لا يوجد مستشفى منهم يقدم خدمة كاملة داخل العاصمة.

وقال المتحدث باسم الهلال الأحمر السوداني أسامة عثمان: “المستشفيات منهارة تمامًا وخالية من كل الضروريات. والوضع أكثر من كونه كارثيًّا”.

قلة الأطقم الطبية 

شاهد صحفي من رويترز جريحًا ينزف خارج أحد مستشفيات الخرطوم هذا الأسبوع، وكان يبحث عمن يساعده، لكنه اضطر إلى المغادرة بسبب عدم وجود أطقم طبية تعالجه. وقال المدير العام في مستشفى فضيل الخاصة، خالد فضيل: “في كل مكان حولنا، نتعرض لإطلاق نار وقنابل”.

وأضاف أن خزانات المياه وأنابيب الطهي في المستشفى تأثرت إلى جانب فرار كثيرين من الموظفين، مشيرًا إلى أن وقود الديزل المستخدم في مولد الكهرباء أوشك على النفاد. وقال إن خزانات المياه لا يمكنها الوصول إلى المنطقة.

وقال فضيل إن مستشفاه هو الوحيدة الذي لا يزال يعمل في المنطقة ويعالج أكثر من 30 مصابًا من مصابي القتال، في حين لحقت أضرار بالمستشفيات الأخرى المجاورة بسبب القصف المدفعي.

وأشار إلى أن المستشفى لم يعد قادرًا على تقديم الخدمات، وأنه يعمل حاليًّا على نقل المرضى إلى منازلهم مع إعطائهم تعليمات حول الرعاية الذاتية، أو إحالتهم إلى المرافق الطبية القليلة المتبقية التي ما زالت تعمل. وقال فضيل: “نحن خارج الخدمة حتى ينتهي كل هذا”.

الإصابات طالت الأطقم الطبية

قال الفكي إن ممرضين أصيبا بطلقات طائشة في أثناء عملهما في أحد الطوابق العلوية من مستشفى البراء للأطفال. ويقول: “يسود ذعر كبير بين الطاقم الطبي، لأنهم لم يعتادوا على أصوات المدفعية هذه”.

وأضاف: “في جميع أنحاء العالم، تتمتع المستشفيات بالأمن في أوقات الحرب. ويكون بوسع المستشفيات الحصول على إمدادات وبوسع العمال القدوم والمغادرة بأمان، ولكن ليس لدينا هذا”. وأشار إلى أنه شاهد الجنود في دوريات أمام المستشفى أول من أمس الثلاثاء.

وقال المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، أحمد المنظري، إن الأطباء يواجهون خطرًا حقيقيًّا: “نشعر بقلق شديد من التقارير التي تتحدث عن هجمات مسلحة على مؤسسات صحية وخطف سيارات إسعاف في أثناء نقل مرضى بداخلها. والمؤسسات الصحية تتعرض للنهب والاحتلال”.

نقص الإمدادات يهدد حياة المصابين 

اشتكى أحد المتطوعين في المستشفى الدولي بمدينة بحري المجاورة للخرطوم، لؤي أحمد، من نقص الإمدادات، ومنها الحقن الوريدية والعقاقير المنقذة للحياة. وقال “هذا هو المستشفى الوحيد الذي لا يزال يستقبل الجرحى ونحن نتلقى مزيدًا كل يوم”.

ولا يستطيع الموظفون الوصول إلى المشرحة بسبب القتال، ومن ثم تُحفظ الجثث في غرف مزودة بمكيفات الهواء. وقال أحد الزائرين، إن بعض الجثث كان ملقى في الهواء الطلق. وأضاف: “لدينا جميعًا المشكلات نفسها، الكهرباء والماء والموظفون. وهذا ما سيؤدي إلى انهيار النظام الصحي”.

ولا يمتلك المرضى من أصحاب الأمراض المزمنة، مثل هؤلاء الذين يحتاجون إلى علاج غسيل الكلى، سوى خيارات قليلة، فلا أحد يعرف هل ستظل خدماتهم موجودة في الأيام المقبلة أم تنتهي تمامًا بسبب الحرب.

ربما يعجبك أيضا