قبة الخلفاء العباسيين بالقاهرة.. تحفة تاريخية تشكو الإهمال للسيدة نفيسة

عاطف عبداللطيف

كتب – هدى إسماعيل وعاطف عبداللطيف

كتبنا الكثير وسنكتب الأكثر عن الآثار المهملة وقيمة العمارة الفريدة في مصر الإسلامية والتاريخية، وكيف أن الحضارة المصرية بشواهدها الناطقة وتاريخها العريق كانت وستظل المنهل الذي نقل منه كثيرون صنوف التقدم والتمسوا منه دروب التقدم والرقي وسلكوا طرق النور وسط  ظلمات الجهل وعتمة الفوضى إلى ساحات التنوير والإبصار.

خلف مقام ومسجد السيدة نفيسة بالقاهرة التاريخية وفي المقابر التي تليها مباشرة يقع أثر فريد ونادر من نوعه يتعرض لمختلف صنوف الإهمال بعدما أكلت المياه الجوفية وتسرب الرطوبة لبناته فضلًا عن تراكم القمامة في جنباته لوقت طويل وإهماله دون ترميم على مدار قرون متعاقبة، ما ينذر بسقوطه قريبًا ما لم تمتد إليه سريعًا أيادي الترميم والعمل على إبقائه، ويشغل مقام الخلفاء العباسيين جزءًا من التاريخ في حكاية تسردها “رؤية” في السطور التالية..

مكان وزمان 

في شارع طويل ضيق لا يزيد عرضه عن 3 أمتار يقع على يسار مسجد ومقام السيدة نفيسة الشهيرين في مصر المحروسة، وعلى امتداد الشارع العتيق يفترش الأرض حملة البخور وبائعو السبح وسجاجيد الصلاة والأحجبة والأذكار والأوراد.

وصلنا إلى نهاية الشارع وكانت المقابر، دخلنا يمينًا وأستأذنا “التربي” في الدخول لنشهد مقام الخلفاء العباسيين عن قرب؛ والوقوف على الحالة التي وصل إليها بعد قرون من الزمن؛ ونرى كيف استطاعت يد الإهمال والعبث أن تدمر جزءًا مهمًا من تاريخ الأجداد.

تقع قبة الخلفاء العباسيين “641 هـ – 1243م” خلف المشهد النفيسي بالقاهرة مباشرة؛ وتضم رفات عدد من الخلفاء العباسيين الذين توفوا في مصر في القرنين السابع والثامن الهجريين، وكذا أولاد السلطان الظاهر بيبرس البندقداري (أحد أبرز سلاطين المماليك)، وترجع أهميتها إلى ما حوته من زخارف جصية وخطية على قدر كبير من الدقة والجمال والندرة.

ووسط شواهد القبور، وقفنا أمام الضريح المكون من مبنى مربع الشكل يبلغ 90 مترًا مربعًا، وارتفاعه 5.50 أمتار، وفي أركان المربع توجد مثلثات مملوءة بالدلايات، ثم تعلو ذلك قبة.

تفاصيل مدهشة 

يوجد المدخل الرئيسي للقبة في الجهة المقابلة للقبلة أي في الجهة الشمالية الغربية، والواجهة مزخرفة بباب معقود على شكل زاوية منكسرة، وعلى جانبي الباب جلسة رخامية، كما يوجد في الجهة الشمالية الشرقية باب ثان حول الآن إلى نافذة، ومن المرجح وجود باب ثالث في الجهة الجنوبية الغربية، وإن كان من المتعذر الآن التأكد من هذا لأن مسجد السيدة نفيسة قد بني ملاصقًا لهذه الجهة.

وعلى جانبي باب المدخل توجد حنيتان مجوفتان تشبه المحراب، كما حليت الواجهتان الشرقية والغربية بحنيات ولكنها مسطحة والضريح من الداخل منكسر بطبقة من الجص البديع الزخرفة وبجدار القبلة يوجد عقد منكسر بداخله تجويف المحراب تحيط به مجموعة من الدلايات والأشرطة الكتابية من الجص.

عمارة وإهمال

ويعلو المحراب وكذا العقد المنكسر إفريز خشبي عليه كتابة نسخية مرسومة بطلاء زيتي. ويوجد بالضريح مجموعة من النوافذ، تشغل المناطق المحصورة بين مثلثات الأركان المملوءة بالدلايات، وتتكون النوافذ من ثلاث فتحات، وكلها مملوءة بالجص والزجاج المتعدد الألوان.

تتميز القبة بفنون العمارة الرائعة التي تمتزج فيها الأشكال الهندسية المميزة بالمقرنصات السداسية والثمانية التي تدل على مدى التقدم في فنون العمارة آنذاك، بحسب دليل الآثار الإسلامية بالقاهرة، الصادر عن المجلس الأعلى للآثار في مصر.

ونتيجة للإهمال والتسيب في رعاية وحماية الآثار المصرية في الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير، تعرضت الحشوات الخشبية الأثرية لقبة الخلفاء العباسيين للسرقة في عام 2012 إلى أن تمكنت سفارة مصر في لندن من استردادها في عام 2016 بعدما عرضت للبيع في صالة مزادات “بونهامز” بلندن.

الاستيقاظ من الثبات على نبأ مفزع بعرض جزء من التاريخ والآثار المصرية للبيع ليس جديدًا، بل أمر يتكرر كثيرًا في الآونة الأخير بعدما استفحل الإهمال والتسيب والفساد في صون التاريخ ورعايته بالترميم والحراسة، ولكن يبدو أن لضعاف النفوس أمام شهوة المال من المتاجرين بالآثار والتاريخ دور واسع تأخر استئصاله، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تضييقًا وملاحقة لاسترجاع الكثير من الآثار المصرية التي باتت في حاجة ماسة إلى عيون تحرسها وقلوب تحبها كما أحبها من شيدوها من القدماء والأجداد. 

ربما يعجبك أيضا