قمة العشرين تنطلق في هامبورغ وسط تظاهرات واختلافات وموضوعات مثيرة للجدل

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد
 
انطلقت قمة مجموعة العشرين G20 في هامبورغ هذا اليوم 7 يوليو 2017 في خضم تحولات متسارعة للاقتصاد العالمي، وسط تصاعد مطالب التوجه نحو الدولة القومية، في مواجهة العولمة والتجارة الحرة، وتوسيع الفجوة مابين ضفتي الاطلسي، وهذا مايجعل قمة هامبورغ استثنائية.

الحضور الأمني المكثف، اثار جدلاً بشأن اختيار مدينة هامبورغ مقرا للقمة كونها تعد من المدن المزدحمة شمال المانيا، وهذا ماصعب عمل اجهزة الشرطة بمواجهة التظاهرات وتأمين مكان عقد القمة. ومن بين المنظمين لهذا الاحتجاجات، تحالف المنظمات الكبيرة مثل الاتحاد الألماني، والاتحاد التجاري، ومنظمة السلام الأخضر وأوكسفام.  وسبق ان اصدر مكتب هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في مدينة هامبورغ تحذيرات من المشاركة في مظاهرات مناهضة للقمة تنظمها عناصر يسارية متطرفة. وبحسب بيانات هيئة حماية الدستور، يوجد في هامبورغ 1100 شخص ينتمون إلى التيار اليساري المتطرف، من بينهم نحو 650 شخصا لديهم استعداد للعنف. 

وفي اعقاب انطلاق المظاهرات قبل يوم من بدا القمة، والذي بلغ عددها مايقارب 12 الف شخص، ردت الشرطة باستخدام خراطيم المياه ورذاذ الفلفل، وفرقت المتظاهرين. وقالت الشرطة إنها حاولت الفصل بين جماعات “البلاك بلوك” التابعة لليساريين المتطرفين والمتظاهرين السلميين، حتى  يمكن للمسيرة أن تتواصل لكنها لم تتمكن من ذلك. وكان المتظاهرون قد  تجمعوا منذ الرابعة في سوق السمك في ميناء هامبورغ، لغرض التوجه من هناك نحو 300 متر باتجاه صالات معرض فرانكفورت حيث مكان عقد القمة .

وضمن الاجراءات الامنية الاحترازية فرضت السلطات حظرا للتظاهر في منطقة أمنية بلغت مساحتها 38 كيلومترا مربعا، أثناء انعقاد القمة، وأطلقت السلطات على هذه المنطقة، اسم المنطقة الزرقاء، ويقع في هذه المنطقة أيضا مركز (روتا فلورا)، وحمل الحفل شعار “لنجعل المنطقة الزرقاء منطقة قابلة للرقص”. يذكر أن مركز (روتا فلورا) يحتله منذ 1989 متطرفون يساريون، وهو يعتبر معقل التيار اليساري في هامبورغ الذي يرفض قمة العشرين. 

ابرز القضايا  التي ناقشتها القمة
 
تعقد قمة العشرين هذا العام وسط ظروف استثنائية، ربما تتلخص باعتماد ترامب سياسة واستراتيجية جديدة، تقوم على الربح وتغطية النفقات اكثرمن الالتزام بالقيم والثقافة التي تنادي بها دول اوروبا. التجارة الحرة والحمائية التجارية، ربما هي ابرز الموضوعات التي تهدد هذه القمة، على الاغلب مابين امريكا والمانيا اكثر من غيرها، وسبق ان هدد ترامب بأعادة النظر بالعلاقات التجارية مع المانيا، معتبرا الاخيرة مستفيدة من الاتفاقات التجارية وعليه يجب مراجعتها، وهذا مايعتبر خط احمر الى المانيا تحديدا، وهنا تكمن الخلافات.
 
القمة مازالت مهددة بسبب الخلافات حتى في صياغة البيان الختامي حول الموضوعات المتشعبة والمتداخلة ، لكن رغم ذلك يعتقد غابرييل فيلبيرماير من معهد إيفو بميونيخ ، ممكن تخطي ذاك، موضحا أن نظام الاقتصاد العالمي مبني على التعاون، وهناك حاجة إلى الثقة لاستقرار هذا النظام وعليه فإن الالتزام بتجارة حرة وعادلة مهم ويجب أن يجد مكانه في البيان الختامي.
 
ميركل وترامب، خلافات قائمة

اتخذت ميركل مواقف مختلفة تماماً عن ترامب في قضايا تتراوح من أزمة اللاجئين مروراً بالتجارة وحتى دور المنظمات الدولية.  ومن المفارقة ان تكون هذه القمة  برئاسة المستشارة الالمانية ميركل، والتي توصف بانها من اشد المنتقدين الى ادارة البيت الابيض، ترامب، واشتهرت بعبارتها : ان زمن الاعتماد على الولايات المتحدة في حماية دول اوروبا قد ولى، وعلى دول الاتحاد الاوروبي النهوض بقدراتها لحماية نفسها.
 
واستبعدت ميركل من أن تساعد “قمة ليومين في هامبورغ”، على تبديد الخلافات، محذرة أيضا من المبالغة في توقع نتائج من القمة لكون أن البيان الختامي لاجتماعات مماثلة يجب أن يحظى “بموافقة بالإجماع”. وتباينت مواقف الطرفين في عدة ملفات أبرزها اللاجئين والتجارة. وكانت الاتصالات بين ترامب وميركل محدودة جدا حتى الآن. وقد اقتصرت على اتصال هاتفي بروتوكولي جدا بعيد تولي ترامب مهام منصبه. لذا، فان التناقض بين هاتين الشخصيتين مثير جدا للاهتمام.
 
البيت الأبيض من جانبه اوضح بان الرئيس الامريكي ترامب اجرى مكالمة هاتفية مع المستشارة الالمانية ميركل تطرقا إلى مسائل المناخ ومبادرة تمويل نساء من أصحاب مشاريع الأعمال والتجارة، بما في ذلك الفائض في القدرة العالمية على إنتاج الصلب”
 
 وأن موافقة الألمان والأوروبيون على موضوع التجارة الحرة والعادلة، وفقا لرغبة دونالد ترامب الداعي إلى اتفاقيات تجارة عادلة، فهذا أمر يعتبره خبير التجارة الخارجية فيلبيرماير “كلاما رنانا لا غير”. وهذا مؤشر بالنسبة إلى هنينغ فوبل على أن التوازنات الاقتصادية تتغير والذي بدأ مع إعلان دونالد ترامب “أمريكا أولا”، وقد يؤدي في أسوء حال إلى عزلة تدريجية للولايات المتحدة وبالتالي تراجع لقوتها العسكرية والاقتصادية.  ويستنتج فوبل أن “الصينيين سيملئون بسرور هذا الفراغ ويشاركون فعلا في مهرجان الاقتصاديات الكبرى”، وأضاف “نحن بصدد نظام جديد للاقتصاد العالمي”.
 
قمة هامبورغ هذه المرة ليست سهلة أيضا، إذ يواجه العالم تحديات كبيرة، وقد وصفتها المستشارة “تعقد القمة هذا العام في ظل تحديات صعبة”. وأشارت إلى التحديات بقولها “الإرهاب، التحولات المناخية، سياسة الحمائية (التقييد في حركة السوق بين الدول)، كل هذه القضايا ستكون على طاولة المباحثات يوميا”. وختمت بالقول “العالم قلق، العالم أصبح غير متحد”.ومن المتوقع ان تشهد العلاقات بين ضفتي الاطلسي الكثير من الفتور والخلافات في زمن ترامب، وربما يعود ذلك في اختلاف الرؤية، والثقافات مابين ضفتي الاطلسي
 
ان مشاركة ترامب هذه المرة في قمة العشرين ربما تجعله في الموقف الدفاعي عن القضايا التي طرحها، والقضايا التي لم يلتزم بها ابرزها موضوع انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ والاحتباس الحراري. ماعدا ذلك هناك قضايا اخرى مابين واشنطن واوروبا وهي موضوعات الدفاع و العلاقات مع روسيا وكذلك موضوع الهجرة غير الشرعية واللاجئين، وقضية القرم والعقوبات الاوروبية على روسيا.اما موضوع مكافحة الارهاب، ربما يكون الموضوع الوحيد التي ممكن ان تجمع عليه الدول العشرين دون خلاف.
 
قمة العشرين هذه، تكمن صعوبتها بتقاطع الشخصيات : الرئيس الامريكي ترامب، المستشارة الالمانية ميركل، الرئيس الترمي اردوغان والرئيس الروسي بوتن، هذا يجعل اجندة القمة صعبة جدا، بسبب تقاطع السياسات والمصالح ايضا. ويبدو ان المستشارة الالمانية حاولت كخطوة استباقية باجراء اجتماعات ثنائية على هامش القمة، سعيا منها لتخفيف حدة الدل داخل القمة، لكن رغم ذلك سوف تستمر الخلافات بين الاطراف المشاركة  وانتهاء القمة دون نتائج ترتقي الى الطموحات التي عقدت وراءها هذه القمة.
 
*باحث في قضايا الارهاب والاستخبارات

ربما يعجبك أيضا