قمة بايدن وشولتز.. دلالات التوقيت وأبعاد العلاقات الأمريكية الألمانية

محمد النحاس

تأتي قمة الزعيمين الأمريكي بايدن والألماني شولتز لإظهار تماسك الناتو، وإرسال رسالة ردع إلى بكين وموسكو.. فما دلالات ذلك؟


انعقدت قمة أمريكية ألمانية بواشنطن، للتشديد على دعم أوكرانيا ضد القوات الروسية في الحرب، ولتعزيز “الشراكة الأطلسية”.

وترى الولايات المتحدة في ألمانيا “جناحًا مهمًّا” في عملية ردع الكرملين وحماية القارة الأوروبية، في وقتٍ يحاول فيه الجانبان إظهار وحدة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وكذلك حمل اللقاء رسائل إلى روسيا والصين.. فما هي؟

قمة أمريكية ألمانية بواشنطن

اجتمع الرئيس الأمريكي جو بايدن، والمستشار الألماني أولاف شولتز، في واشنطن، مساء أمس الأول الجمعة 3 مارس 2023، في وقتٍ تتضافر فيه الجهود الغربية لمواجهة روسيا، مع احتدام المعارك بأوكرانيا.

3000 1 1 scaledوحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تظهر هذه الزيارة الالتزام الألماني بدعم الموقف الأمريكي من الحرب الروسية الأوكرانية، ومواصلة الجهود المشتركة لتمكين كييف من الصمود.

مخاوف غربية

يأتي هذا اللقاء في وقتٍ تبدي فيه القوى الغربية تخوفات من أن تكون الصين تمد روسيا بـ”أسلحة فتاكة”، لذلك يجتمع الرئيس الأمريكي والمستشار الألماني لإظهار “جبهة موحدة لدعم كييف في مواجهة الكرملين”، ولإيصال رسالة إلى الصين مفادها “توحد الصف الغربي” في ما يتعلق بقضية أوكرانيا.

وشدد بايدن على أن الولايات المتحدة وألمانيا تعملان على أن يصير “الناتو أكثر قوةً وتماسكًا”، وذلك في وقت تسعى فيه واشنطن لجمع جهود الحلف مجددًا لمواجهة روسيا والصين، في ظل احتدام التنافس بين بكين وواشنطن.

 مواصلة الدعم الغربي لأوكرانيا

شدد شولتز على ضرورة مواصلة دعم أوكرانيا “مهما طال أمد النزاع”، علمًا بأن ألمانيا ثاني أكبر داعم مالي لأوكرانيا، بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

الضغط يتصاعد على ألمانيا لإرسال دبابات إلى أوكرانيا

شولتز أمام دبابة ألمانية الصنع

ومنذ ما يقرب من العام وخلال احتشاد القوات الروسية على حدود أوكرانيا، قبل بدء الحرب، كان شولتز يزور الولايات المتحدة الأمريكية في قمة مماثلة.

بايدن يشكر شولتز

ذكّر المستشار الألماني بلقائه الرئيس الأمريكي آنذاك، وشدد بايدن على أن الولايات المتحدة وألمانيا قد وفّتا بوعودهما تجاه أوكرانيا.

وتوجه الرئيس الأمريكي بالشكر إلى المستشار الألماني، الذي تبنى سياسات أدت إلى “تغيرات تاريخية” على الصعيدين المحلي والإقليمي، واصفًا قيادته بـ”القوية والثابتة”.

62b839be19a2f

صورة أرشيفية لبايدن وشولتز

ما التغيرات التي تحدث عنها بايدن؟

حثت الولايات المتحدة ألمانيا على زيادة إنفاقها العسكري، وإمداد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات اللازمة للتصدي للقوات الروسية. وقد استجابت ألمانيا للمطالب الأمريكية، في ظل تنامي المخاوف الغربية من تمدد روسي محتمل حال انتصر الكرملين.

ووافقت ألمانيا على إرسال دبابات ليوبارد 2 إلى كييف، في تحول عن نهجها التاريخي الذي التزمته بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ تمسكت برلين بعدم إمداد أطراف أي نزاع بالسلاح.

وعلاوةً على ذلك، توجد قيود على التسليح الألماني، وميزانية الدفاع، ولكن هذه القيود في طريقها إلى التغير بـ”مباركة أمريكية”، وذلك بهدف إجهاض المساعي الروسية.

إشراك الحلفاء

حذت الولايات المتحدة ذات الحذو مع اليابان، ودعمت استراتيجية طوكيو الدفاعية التي أعلنت بموجبها رفع ميزانية التسليح، وحيازة أسلحة هجومية، في تغير وصفه مراقبون وخبراء بـ”التاريخي”، لأن اليابان طالما التزمت بـ”نهج دفاعي”.

وتتجه واشنطن إلى إشراك حلفائها في مواجهة خصومها المحتملين، وهو ذات الأمر الذي يمكن رصده في دعم النهج الألماني الجديد لاحتواء روسيا، وحماية القارة الأوروبية.

الأخ الأكبر

في ألمانيا، علقت مجلة “شتيرن”، التي تصدر يوم الخميس من كل أسبوع، على زيارة شولتز لواشنطن، بغلاف يحمل صورة تظهر الرئيس جو بايدن “كرجل كبير الحجم”، يمسك بيد المستشار الألماني (كطفل صغير)، وعنونته قائلة: “لقد عاد الأخ الأكبر”.

ووفقًا لتقرير المجلة، أقامت ألمانيا علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حتى شهد عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تصدعات واضحة في العلاقة. ووصفت المجلة بايدن بأنه صديق أوروبا في البيت الأبيض، مضيفة أنه عمل على إحياء القيادة الأمريكية، ويدرك أن الدول لديها مصالح.

STERN 10/2023 "Der große Bruder ist zurück"

الموقف من الصين

اهتمت وكالة “صوت أمريكا” الحكومية الأمريكية بالزيارة أيضًا، وأشارت إلى أن ألمانيا كانت أبدت استعدادًا لفرض عقوبات اقتصادية على الصين، حال مدت الأخيرة الكرملين بأسلحة، بعد تقارير أفادت أن بكين تفكر في مساعدة موسكو.

وهذا الموقف ذاته تبنته الولايات المتحدة، في وقت تزداد فيه المساعي الأمريكية لـ”حشد الدعم الغربي ضد بكين”، ولكن الموقف الألماني من الصين يختلف عن نظيره الأمريكي على أصعدة أخرى، لأن الولايات المتحدة ترى أن الصين “تهديد جيوسياسي لهيمنتها العالمية”.

تصور ألماني مختلف

في مقابل التصور الأمريكي، ترى برلين أن بكين شريك اقتصادي فعال، في ظل الاعتماد الألماني الضخم على الصادرات الصينية، خاصةً بعد ابتعاد روسيا عن الاتحاد الأوروبي، لذلك يظهر التباين في وجهات النظر هنا، إذا ما تعلق الأمر بطبيعة العلاقة مع الصين.

وزار المستشار الألماني بكين في نوفمبر الماضي، وتعرض لانتقادات بعد الزيارة التي رأي خبراء غربيون أنها تمثل “دعمًا صريحًا” للزعيم الصيني شي جين بينج، بعد مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر الماضي، الذي أحكم به قبضته على السلطة، وحصل من خلاله على ولاية رئاسية ثالثة “تاريخية”.

كيف رأت بكين الاتهامات الغربية؟

الاتهامات الغربية لبكين بعزمها دعم روسيا عسكريًّا، رأت الصين أنها مجرد “ادعاءات كاذبة لا أساس لها من الصحة”. وتجمع موسكو وبكين شراكة مهمة، لكن الصين لم تؤيد الحرب في أوكرانيا، ولم تدنها.

وقالت بكين إن الولايات المتحدة هي التي ترسل الأسلحة إلى ميدان القتال. وجاءت هذه التصريحات في أعقاب الجدل الصيني الأمريكي بشأن ما قالت واشنطن إنه “منطاد تجسس صيني” حلق فوق الأراضي الأمريكية، وأسقطته واشنطن لتتواصل بذلك حلقة التوترات التي تتجلى في الصراعات المختلفة، وعلى مستويات متعددة.

دعم راسخ رغم الانتقادات

أبدا الزعيمان الأمريكي والألماني “التزامًا راسخًا” بدعم أوكرانيا ماليًّا وعسكريًّا، على الرغم من انتقادات الجمهوريين في أمريكا التي بدأت تتصاعد في ما يتعلق بـ”الكلفة الباهظة للحرب”.

والحال نفسها في ألمانيا، حيث شهد الأسبوع الماضي تظاهر ما لا يقل عن 10 آلاف شخص، اعتراضًا على تقديم الأسلحة لأوكرانيا في ظل ارتفاع أسعار الطاقة، ونسب التضخم العالية، وهو ما تعانيه القارة الأوروبية كلها.

تحذير روسي للغرب

على صعيد متصل، وقبل اجتماع بايدن وشولتز، حذر المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، الدول الغربية من “إمداد أوكرانيا بمزيدٍ من الأسلحة”.

وشدد بيسكوف على أن مثل هذا الدعم من شأنه أن يطيل أمد النزاع، وبالتبعية سيزيد معاناة الشعب الأوكراني، وسيمثل عبئًا على كاهل دافعي الضرائب في البلدان الغربية، على حد تعبيره.

دلالات وتداعيات

رغم التحذيرات الروسية، جدد بايدن وشولتز العزم على مواصلة دعم أوكرانيا. وتزامنًا مع القمة، أعلنت واشنطن إمداد أوكرانيا بمساعدات عسكرية تقدر بـ400 مليون دولار أمريكي.

ويُبدي الموقف برمته تواصلاً في النهج الغربي الرامي إلى دعم أوكرانيا رغم ما يكتنف ذلك من مخاطر، وفي ظل معارضات داخلية في وقت تتواصل فيه المعارك الميدانية شرقي أوكرانيا، وتحتدم على محور باخموت، بعد أن قالت مجموعة فاجنر الروسية شبه العسكرية الخاصة إنها باتت تحاصر المدينة.

استمرار السباق العسكري

لمواجهة هذه التحديات، ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن السبيل الأمثل هو إشراك الحلفاء في تحجيم نفوذ المنافسين المحتملين.

ويعني ذلك تواصل “السباق العسكري”، وزيادة التوتر في أرجاء العالم. ولا يمكن عزل دعم الولايات المتحدة لألمانيا واليابان عن هذه القراءة، علمًا بأن “الخصوم” يردون بخطوات مماثلة.

ربما يعجبك أيضا