قمة روسيا – أفريقيا.. نمور القارة السمراء تغزو الاقتصاد العالمي

حسام عيد – محلل اقتصادي

يبدو أن مصر ستظل دومًا قلب أفريقيا النابض، ونافذة حيوية للقارة السمراء إلى دول العالم أجمع، فعبر رئاستها للدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، تطل روسيا -إحدى القوى العظمى العالمية- بطموحات كبيرة ورغبة حثيثة في التواجد الفعال بأفريقيا عبر استثمارات وشراكات متنوعة.

وهذا ما ستجسده أعمال قمة روسيا – أفريقيا، والتي ستحتضنها مدينة سوتشي الروسية يومي 23 و24 أكتوبر الجاري، والتي تأتي في توقيت يشهد تحولات عالمية ودولية كبرى.

علاقات متجذرة عمرها قرون

العلاقات الروسية-الأفريقية لم تبدأ في الحقبة السوفياتية، فقد قدمت الإمبراطورية الروسية في عام 1896 إلى إثيوبيا، التي تحدر منها أسلاف الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين، دعمًا عسكريًا لكبح محاولات منافستها الأوروبية الكبرى بريطانيا للاستيلاء على قناة السويس.

ثم بدأ الاتحاد السوفياتي، بعد اندلاع “الحرب الباردة” في عام 1947، بإقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأفريقية لمواجهة دول القارة العجوز هناك واللاعب الأمريكي العالمي الصاعد، ليصبح الاتحاد السوفياتي لاعبًا رئيسًا في أفريقيا.

ففي السبعينيات من القرن الماضي كان 40 ألفًا من المستشارين السوفيات يعملون في مجالات التعاون العسكري والثقافي والاقتصادي في 40 بلدًا أفريقيًا. وكان الوجود السوفييتي في القارة الأفريقية جليًا في كل شيء: من العلوم والتعليم إلى المشروعات الاقتصادية الضخمة والوجود العسكري.

ويبقى السد العالي القائم في أسوان، الذي بني بمساعدة 400 خبير سوفياتي عام 1968، رمزًا حيا للتعاون السوفياتي-المصري في أفريقيا.

غير أن الفوضى السياسية، التي عمت روسيا في أعوام التسعينيات العجاف بعد تفكك الاتحاد السوفياتي قلصت كثيرًا النفوذ الروسي في أفريقيا، ما استدعى إغلاق 9 سفارات و3 قنصليات روسية هناك.

قمة الأولى من نوعها

وفي الوقت الراهن، هناك قفزة قوية للأمام تشهدها العلاقات الروسية الأفريقية، والتي كان من نتائجها القمة الأولى المرتقبة بين روسيا ودول القارة في مدينة سوتشي الروسية.

وستُعقد القمة برئاسة مشتركة بين رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين ورئيس جمهورية مصر العربية، رئيس الاتحاد الأفريقي عبد الفتاح السيسي.

وتعد القمة أول حدث على هذا المستوى فى تاريخ العلاقات الروسية الأفريقية، حيث يشارك فيها حوالى 40 رئيس دولة بالقارة وقادة الاتحادات الكبرى والمؤسسات الإقليمية.

ولأهمية القمة أصدر البنك المركزي الروسي 5 آلاف قطعة فضية تذكارية بهذه المناسبة بقيمة إسمية قدرها 3 روبلات. ويتضمن الوجه الأمامي للعملة شعار الدولة الروسية، أما على الوجه الخلفي فشعار القمة الروسية الإفريقية بألوان مختلفة. وينقسم وجه العملة الخلفي لقسمين، في الأعلى رسم حدود روسيا أما في الجزء السفلي فرسم للقارة الإفريقية.

ومن المقرر أن تركز جلسات القمة الأفريقية الروسية على عدد كبير من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، سبل تعزيز علاقات التعاون بين الجانبين فى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، تدعيم التنمية المستدامة بالقارة الأفريقية، سبل الاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة بالجانبين، ومكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والتحديات والمخاطر الأخرى التي تهدد الأمن الإقليمى والعالمى.

موطئ “نفوذ روسي” ثابت بالقارة السمراء

لم يعد الاهتمام الروسي بإفريقيا إلا بعد اعتلاء فلاديمير بوتين سدة الرئاسة في مطلع الألفية الثالثة، حين بدأت موسكو مسيرتها الطويلة للعودة إلى هناك، حيث كان من الضروري بدء كل شيء من جديد. إذ إن الغياب الروسِي، أوجد فراغًا استمر خلال ثلاثة عقود واستغله لاعبون جدد، وهم الصين، الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.

لكن روسيا، على الرغم من خسارتها المنافسة في مؤشرات التعاون الاقتصادية-الأفريقية أمام اللاعب الأكبر “الصين”، فإنها تمتلك ما يكفي من الأوراق القوية هناك.

اليوم، تحظى روسيا بالأفضلية في التعاون العسكري مع القارة السمراء، ولا سيما أن دولًا أفريقية كثيرة لا تزال تستخدم الأسلحة السوفياتية وتبدي اهتمامها بالأسلحة الروسية الجديدة.

فوفقاً لـ”معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI)، ازدهرت مبيعات الأسلحة الروسية للقارة، وأصبح الروس أكبر موردي الأسلحة إلى أفريقيا (35%)، متقدمين على الصين (17%)، والولايات المتحدة (9.6%)، وفرنسا (6.9%).

وقد وقَّع الاتحاد الروسي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى اتفاقيات عسكرية ثنائية مهمة. وتدور أحاديث عن نية الاتحاد الروسي إقامة قاعدة عسكرية في جمهورية أفريقيا الوسطى، ستكون الأولى في القارة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.

طموحات الشريك الاقتصادي الرئيسي لأفريقيا

قمة “سوتشي” تأتي بعد جهود كبيرة بذلتها الحكومة الروسية داخل القارة خلال الأعوام الماضية، على الصعيد التجاري والاقتصادي، وتترجم رغبة الرئيس الروسي في غزو العالم بهدوء، ومن خلال سياسة المصالح المشتركة.

وتعد القارة الأفريقية، منجمًا بِكرًا للمعادن الخام، كما أن الدول الأفريقية التي تخطو خطوات جادة نحو التنمية والاستقرار، تمثل سوقًا مفتوحة وكبيرة كذلك لكل الدول العظمى، وهو ما دفع بوتين للاتجاه نحو جنوب العالم من أجل تقوية نفوذه واستعادة العرش السوفييتي.

وحسب تحليل موسع للكاتبين الروسيين دنيس فيموسكو، وريستل ثوناند، ترجمته مجلة “دراسات إفريقية”، فإن روسيا تستخدم استراتيجية جديدة من أجل استعادة مكانتها في القارة الأفريقية، وهو ما كان واضحا في الكلمات التي تحدث بها رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، في اجتماعات البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير، الذي نظمته موسكو قبل ثلاثة أشهر بمشاركة 1500 شخص من 81 دولة حول العالم.

وأعلن ميدفيديف عن طموح بلاده في أن تصبح شريكًا اقتصاديًا رئيسيا للقارة بالاعتماد على بنك Afreximbank “أفريكزمبنك” الذي أصبحت الحكومة الروسية أحد المساهمين فيه منذ ديسمبر، ومن خلاله يريد الكرملين رسم خريطة تأثيره التجاري على القارة.

ويرى الكاتبان أن الانسحاب الروسي من أفريقيا كان خطأ فادحًا، حيث تمتلك موسكو ودول القارة الأفريقية أكثر من 50% من الموارد الطبيعية الموجودة على سطح الأرض.

وتتخذ روسيا لنفسها مكانًا في القطاع النفطي في غانا ونيجيريا، وفي قطاع الماس في أنجولا وتتقدم في قطاع النيكل في دول أخرى.

وتعمل الحكومة الروسية حاليًا وبشكل ملموس على تنفيذ عشرات المشاريع في أفريقيا، لا سيما في مجالات الجيولوجيا والتعدين والطاقة، والصناعة والزراعة، ومصايد الأسماك، والاتصالات السلكية واللاسلكية.

وتمتد اليوم المشروعات الروسية في القارة من شمالها لجنوبها، ومن غربها لشرقها، ومنها:

– المنطقة الصناعية بقناة السويس في مصر بتكلفة 7 مليارات دولار، وستكون فيها العمالة المصرية بنسبة 90% من عدد العمال وهذا ما سينعكس إيجابًا على سوق العمل المصرية أولًا وعلى الحالة الاقتصادية والنمو الاقتصادي في مصر والدول الأفريقية بشكل عام.

– بناء خط أنابيب لتصدير النفط الأوغندي، حتي يصل إلى تنزانيا.

– إنشاء مشروع صناعي ضخم في زيمبابوي، بعد اكتشاف الروس مؤخرا كميات كبيرة من البلاتين.

– الدعم الذي تقدمه مجموعة Uralchem التي تعد إحدى أكبر الشركات الروسية العاملة في القارة في مجال الزراعة، وتشارك المجموعة بشكل كبير في الجنوب الأفريقي، خاصة في زامبيا وزيمبابوي؛ حيث توريد العديد من المنتجات لهاتين الدولتين، وخاصة الأسمدة، والمشاركة في قطاع التوزيع المحلي.

– المشاركة في مشروعات زراعية وصناعية في أنجولا ونيجيريا ووسط إفريقيا.

– تعمل روسيا على إنشاء مركز للتسوق التجاري الدولي بميناء عصب في إريتريا.

– يتفاوض الروس حاليًا مع سيراليون من أجل تنفيذ خطة التصنيع لهذا البلد الواقع في غرب إفريقيا.

وتعتمد روسيا في تنفيذ إستراتيجيتها الرأسية في إفريقيا على مركز التصدير (REC) المساهم في أفريكزمبنك منذ ديسمبر 2017، من خلال الشراكة مع البنك الإفريقي الذي ظهر في السنوات الأخيرة باعتباره الذراع المالي للشركات الأفريقية.

ويشير نفس التحليل إلى أن روسيا تريد أن تعيد تقديم نفسها مرة أخرى لدول القارة الأفريقية من خلال قمة سوتشي المرتقبة، خاصة مع الوضع في الاعتبار القفزة الهائلة التي حققتها المبادلات التجارية بين روسيا ودول أفريقيا “80% منها موجّهة إلى دول شمال أفريقيا على رأسها الجزائر ومصر” بنسبة 17% لتصل إلى 20.4 مليار دولار بنهاية عام 2018، وفق بيانات دائرة الجمارك الفيدرالية الروسية. أي نصف قيمة مبادلات فرنسا وعشر مرات أقلّ من مبادلات الصين مع أفريقيا، لكن ديناميكيتها إيجابية، وترغب موسكو في أن يتجاوز هذا الرقم حجم الـ 50 مليار دولار بحلول عام 2024.

وخلال الفترة من عام 2010 إلى عام 2018، زاد إجمالى حجم الصادرات الروسية إلى أفريقيا بأكثر من 3 أضعاف من 5 مليارات دولار لنحو 17.5 مليار دولار، لتمثل 4% من إجمالي الصادرات الروسية.

منتدى اقتصادي لاستشراف آفاق أرحب

على هامش القمة الروسية-الإفريقية في سوتشي، سيُعقد المنتدى الاقتصادي “روسيا – أفريقيا”، بهدف التعريف بالقدرات والابتكارات الاقتصادية والعلمية والبيئية والثقافية للدول المشاركة فى المنتدى، وسيعرض المشاركون في المعرض عددًا من المشروعات، التقنيات المتقدمة في بعض القطاعات منها التعدين، الكيمياء، والآلات، الطاقة، الزراعة، النقل، والصحة العامة.

وسيشارك في المنتدى رؤساء الدول الأفريقية، وممثلو الشركات التجارية الروسية والأفريقية والدولية ومؤسسات القطاع العام، وكذلك ممثلو الاتحادات التكاملية للقارة الأفريقية.

وسيصبح إجراء المنتدى خطوة استراتيجية مهمة على طريق توفير ظروف ملائمة لتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين روسيا الاتحادية والبلدان الأفريقية، كما سيتيح المنتدى فرصة ملائمة لتنويع أشكال واتجاهات التعاون الروسي الأفريقي.

وسيتم عقد أكثر 30 حدثًا تجاريًا، لذلك من المتوقع أن يسفر المنتدى عن توقيع مجموعة مهمة من الاتفاقات في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.

وشهدت الأعوام الخمسة الماضية نموا ملحوظا فى أنشطة الشركات الروسية بعدد من الدول الأفريقية ومن بينها زيمبابوى وأنجولا والجابون وزامبيا وموزمبيق وجنوب أفريقيا فى العديد من المجالات من بينها التعدين والطاقة والنفط .

ومن أبرز الشركات الروسية العاملة في أفريقيا، “ألروسا” لإنتاج الألماس، وشركات كبرى تعمل في مجال الطاقة مثل “روس نفط” و”لوك أويل” و”غازبروم”، ومؤسسة “روس آتوم” وغيرها.

ربما يعجبك أيضا