قناة سرية.. كيف تدير واشنطن وبكين علاقاتهما المتوترة؟

كيف نجحت القناة السرية في تخفيف توترات العلاقات الأمريكية الصينية؟

شروق صبري
الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ

أطلقت محادثات سرية بين الولايات المتحدة والصين بعد أزمة البالون الصيني لتحسين العلاقات وتخفيف التوترات. فهل نجحت هذه المحادثات؟


في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، بعد أزمة بالون التجسس الصيني، في يناير 2023، بدأت الاتصالات السرية تلعب  دورًا حاسمًا في إدارة العلاقة المتوترة بين البلدين.

في ذلك الحين، سافر مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، إلى فيينا لإطلاق سلسلة من المحادثات السرية مع الدبلوماسي الصيني وانغ يي، تهدف إلى تهدئة الأوضاع وتحسين التفاهم بين الطرفين. هذه اللقاءات، التي بدأت في فيينا، سعت إلى تخفيف التوترات وتعزيز التواصل بين القوتين العظميين.

اجتماع في فيينا

بعد 3 أشهر من تحليق بالون تجسس صيني فوق الولايات المتحدة، تدهورت العلاقات بين واشنطن وبكين ووصلت إلى أدنى مستوى لها منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في 1979، لذلك بدأ مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، مهمة سرية خاصة.

في 10 مايو 2023، سافر سوليفان إلى فيينا لعقد اجتماع حاسم في العاصمة النمساوية ذات السمعة التاريخية في مجال الدبلوماسية السرية. التقى الدبلوماسي الصيني المخضرم وانغ يي، الذي تولى منصب وزير الخارجية في يناير 2023.

وذكرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أمس الأحد 25 أغسطس 2024، أنه بعد تبادل المصافحات والتقاط صورة جماعية، بدأت الفرق من الجانبين سلسلة من المحادثات التي استمرت لأكثر من 8 ساعات على مدى يومين في فندق إمبريال.

سوليفان مع وانغ في مالطا في سبتمبر 2023 من العام الماضي

سوليفان مع وانغ في مالطا في سبتمبر 2023 من العام الماضي

القناة الاستراتيجية

كان هذا الاجتماع الأول من عدة لقاءات سرية حول العالم، بما في ذلك مالطا وتايلاند، والتي تعرف الآن بـ”القناة الاستراتيجية”. وسوف يصل سوليفان إلى بكين غدًا الثلاثاء لإجراء جولة جديدة من المحادثات مع وانغ، في زيارته الأولى للصين كمستشار للأمن القومي الأمريكي.

لعبت القناة الاستراتيجية دورًا حيويًا في إدارة العلاقات بين القوتين العظميين خلال فترة مليئة بالتوترات. مع تزايد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين ومرور بكين بتقلبات بين الثقة المطلقة والشك في مكانتها العالمية، ساعدت القناة على تقليل مخاطر الحسابات الخاطئة من كلا الجانبين.

ردود الفعل على التوترات

رغم أن القناة لم تحل القضايا الجوهرية بين القوتين العظميين، إلا أنها ساعدت في تحسين فهم كل جانب للآخر. وفقًا لما تقوله خبيرة الصين في معهد سياسة آسيا، روري دانيلز، فقد كانت القناة ناجحة في استقرار الوضع على المدى القصير، وشرح الحدود الحمراء، واستعراض الإجراءات التي قد تضر بالجانب الآخر.

كانت التوترات عالية خلال اجتماع فيينا، حيث كانت أزمة البالون واحدة من العديد من الأحداث التي تسببت في تدهور العلاقات. وكانت الصين غاضبة من القيود الأمريكية على تصدير أشباه الموصلات، بينما كانت واشنطن غاضبة من دعم الصين المزعوم لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.

وانغ يعقد جولة جديدة من المحادثات مع سوليفان في بانكوك

وانغ يعقد جولة جديدة من المحادثات مع سوليفان في بانكوك

أزمة تايوان

كانت القضايا تضاف إلى خلفية حساسة للغاية في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين و تايوان. ففي السنوات الأخيرة، زادت الصين من نشاطها العسكري حول الجزيرة التي تعتبرها أراضيها السيادية، مما أثار القلق في الولايات المتحدة.

في أغسطس 2022، زارت رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، نانسي بيلوسي تايوان، مما أدى إلى تدريبات عسكرية ضخمة من الصين.

نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي آنذاك، تحصل على أعلى وسام مدني في تايوان من الرئيس تساي إنغ وين

نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي آنذاك، تحصل على أعلى وسام مدني في تايوان من الرئيس تساي إنغ وين

التفاصيل الدقيقة للقناة

كان سوليفان على دراية بالأحداث الأخيرة أثناء تحضيره للاجتماع، الذي شمل عشاء في فندق زاخر، المعروف باستقبال ضيوف مثل الرئيس الأمريكي السابق جون ف. كينيدي والملكة إليزابيث الثانية.

والهدف من الاجتماع هو وضع مسار مستقر للعلاقة بين الدولتين مع الحفاظ على المصالح الأمريكية. كانت فيينا خيارًا ممتازًا لأنها تقع على مسافة متساوية بين واشنطن وبكين وتجنب لفت الانتباه.

المفاوضات والنتائج

اجتمع سوليفان ووانغ في مالطا في سبتمبر 2023، وهي موقع منخفض الظهور ومعروفة تاريخيًا بمناسبات دبلوماسية كبرى. تم التركيز في مالطا على المفاوضات المتعلقة بالاجتماع المحتمل بين بايدن وشي إذا قرر الرئيس الصيني حضور منتدى إبيك في سان فرانسيسكو في نوفمبر.

تم بحث مجموعة من القضايا بما في ذلك رفع العقوبات على معهد العلوم الجنائي الصيني مقابل قيام الصين بالحد من تصدير المواد الكيميائية المستخدمة في صناعة الفنتانيل، واستعادة قنوات الاتصال العسكرية بين البلدين، وإنشاء حوار حول الذكاء الاصطناعي.

الرئيس جو بايدن والرئيس شي جين بينغ

الرئيس جو بايدن والرئيس شي جين بينغ

القناة السرية والمستقبل

في سبتمبر 2023، التقى سوليفان ووانغ في بانكوك حيث تم مناقشة القضايا الاقتصادية والتكنولوجية والأمنية وتايوان.
وشدد سوليفان على أن واشنطن لا تسعى لإشعال حرب وأن القناة الاستراتيجية تساعد في فهم كل جانب لوجهة نظر الآخر. بينما لم يكن وانغ مقتنعًا تمامًا، فقد مهدت فيينا الطريق لإعادة بناء العلاقة بين الولايات المتحدة والصين.

رغم العديد من الخلافات، يعتبر الجانبان أن القناة مفيدة. لقد ساعدت في تهدئة التوترات حول تايوان وأثارت تنفس الصعداء من الحلفاء الأمريكيين في أوروبا وآسيا. ومع ذلك، يظل هناك تحديات كبيرة أمام العلاقات بين القوتين العظميين.

ربما يعجبك أيضا