كيف أوصلت إسرائيل السلطة الفلسطينية لحافة الإفلاس؟

عبدالمقصود علي
بتسلئيل سموتريش ومحمود عباس

الإجراءات التي اتخذها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش منذ الحرب على قطاع غزة أدت إلى أزمة مالية حادة للسلطة الفلسطينية التي دعا البنك الدولي إلى اتخاذ إجراءات سريعة لمنع انهيارها المالي، لكن ذلك يعتمد إلى حد كبير على إسرائيل.


أزمة مالية تعاني منها السلطة الفلسطينية منذ إعلان وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريش، القومي المتطرف، رفضه تحويل عائدات الضرائب، التي تجمعها سلطات الاحتلال على السلع والخدمات المستوردة بالنيابة، ردًا على اعتراف النرويج وإسبانيا وأيرلندا بدولة فلسطين.

سموتريش لم يكتف بهذا فقط، بل خصم من هذه الإيرادات وهدد بقطع المعاملات بين البنوك الفلسطينية ونظيراتها الإسرائيلية، ومن شأن هذا الإجراء أن يضع حدًا لجميع المعاملات المالية الفلسطينية في الخارج واستيراد العديد من السلع الأساسية للأراضي المحتلة.

انهيار وشيك

بحسب ما ذكر موقع ” The Conversation” في نسخته الفرنسية، فقد أدت هذه التطورات إلى أزمة مالية حادة للسلطة الفلسطينية وهي الهيئة الحكومية التي تمارس سيطرة جزئية على الضفة الغربية المحتلة.

وأكد أنه وفقاً لتقرير أصدره البنك الدولي أواخر شهر مايو الماضي، فإن الوضع المالي للسلطة الفلسطينية “تدهور بشكل كبير” خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مما يزيد من احتمال حدوث “انهيار مالي وشيك”.

ويشهد الاقتصاد الفلسطيني بالفعل انفجارًا في معدلات البطالة والفقر، حيث جرى فقدان ما يقرب من نصف مليون وظيفة في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال الأشهر التسعة الماضية. وفي 10 يوليو الماضي، أعلنت لجنة خبراء مستقلين بمجال حقوق الإنسان مفوضة من قبل الأمم المتحدة، أن المجاعة تنتشر في جميع أنحاء قطاع غزة، وأن الانهيار المالي للسلطة الفلسطينية لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع.

زيادة المخاطر

مارست إسرائيل منذ فترة طويلة سيطرة مالية قوية على السلطة الفلسطينية، وبموجب اتفاقيات السلام التي تم التوصل إليها في 1990، تقوم وزارة المالية الإسرائيلية بجمع الضرائب نيابة عن الفلسطينيين وبتحويلات شهرية إلى السلطة الفلسطينية. لكن إسرائيل توقفت عن إجراء هذه التحويلات بعد وقت قصير من بدء الحرب، وحجبت الأموال التي تمثل ما بين 60 و70% من إجمالي الميزانية العامة الفلسطينية.

سكان الضفة الغربية ليسوا وحدهم المتضررين، فرغم سيطرة حماس على قطاع غزة منذ عام 2007، العديد من موظفي القطاع العام في تلك المنطقة احتفظوا بوظائفهم واستمروا في الحصول على رواتبهم من عائدات الضرائب المحولة. وتجمد إسرائيل الآن الدفعات لهؤلاء الموظفين في قطاع غزة أيضًا، بدعوى أن الأموال قد تقع في أيدي حماس.

في العاشر من مايو، وأيضًا في يونيو أعلن سموتريتش أنه سيخصم 35 مليون دولار و46 مليون دولار، على التوالي، من عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية، ويقول تقرير البنك الدولي إن خصم شهر مايو وحده زاد من “مخاطر الانهيار الشامل المحتمل”.

ابتزاز

يقول الموقع: إن الفجوة بين إيرادات السلطة الفلسطينية والمبلغ اللازم للإنفاق العام الأساسي آخذة بسرعة في الاتساع. وقد وصلت هذه الفجوة التمويلية إلى 682 مليون دولار، ومن المتوقع، بحسب تقرير البنك الدولي، أن تتضاعف خلال الأشهر المقبلة إلى 1.2 مليار دولار.
ولم تتمكن السلطة الفلسطينية، في شهر مايو، من دفع رواتب العاملين في القطاع العام إلا بنسبة 50% إلى 70%، كما أنها غير قادرة على سداد قروضها المقتطعة من بنوكها الوطنية، مما يزيد من اعتمادها على المساعدات الخارجية لسداد ديونها.

وفي 28 يونيو، انتعشت الآمال في نجاة السلطة الفلسطينية من الانهيار. وأعلن سموتريتش أنه سيوافق أخيرًا على تحويل  عائدات ضرائب الأشهر الثلاثة الماضية وتمديد الإعفاء الذي يسمح بالتعاون بين البنوك الإسرائيلية والفلسطينية، شريطة الموافقة بأثر رجعي على خمس مستوطنات إسرائيلية تم بناؤها بالفعل في الضفة الغربية.

إجراءات عقابية

مع العلم أن المستوطنات من هذا النوع، والمعروفة باسم البؤر الاستيطانية، تعتبر غير قانونية في نظر الغالبية العظمى من دول المجتمع الدولي.

وقد أثار هذا القرار الحكومي الجديد انتقادات من الفلسطينيين، وأيضًا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إذ قال متحدث باسم وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية في 30 يونيو: “تعارض المملكة المتحدة بشدة الإعلان عن إضفاء الشرعية على 5 بؤر استيطانية في الضفة الغربية، وكذلك الإجراءات العقابية الجديدة المتخذة ضد السلطة الفلسطينية”.

لكن في الأيام التي تلت ذلك، قالت إسرائيل أيضًا إنها وافقت على الاستيلاء على أكثر من 12 كيلومترًا مربعًا من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة – وهي أكبر عملية استيلاء على الأراضي منذ عام 1993. وتأتي هذه الخطوة في أعقاب سلسلة من عمليات الاستيلاء على أراضٍ مماثلة في الماضي، ففي عام 2023، على سبيل المثال، أنشأت إسرائيل رقما قياسيا بلغ 26 مستوطنة في الضفة الغربية، ما أجبر 21 مجموعة فلسطينية على ترك منازلهم.

منع قيام دولة فلسطين

إلى جانب تشديد الرقابة المالية، التي جعلت السلطة الفلسطينية تجثو على ركبتيها، فلابد وأن يُنظَر إلى عمليات الاستيلاء على الأراضي هذه باعتبارها جزءًا من هدف إسرائيل الأوسع المتمثل في السيطرة على المزيد من أراضي الضفة الغربية ومنع قيام دولة فلسطينية، وفقا  لـ ” The Conversation”

وقد انعكست هذه النية بوضوح في تصريحات سموتريتش، فبعد الإعلان الأخير عن الاستيلاء على الأراضي، قال: “الحمد لله أننا نبني ونوسع المستوطنات وندحر خطر الدولة الفلسطينية”.

ورغم أنه من الممكن أن يشهد الاقتصاد الفلسطيني فترة راحة قصيرة، لا تزال السلطة الفلسطينية، التي تعاني من صعوبات مالية، بعيدة عن الخروج من هذه الأزمة، فقد دعا البنك الدولي إلى اتخاذ إجراءات سريعة لمنع انهيارها المالي، وما يحدث الآن يعتمد إلى حد كبير على إسرائيل.

ربما يعجبك أيضا