كيف تستغل الصين وإيران محققين أمريكيين لملاحقة المعارضين؟

محمد النحاس

منظمة "فريدم هاوس" الحقوقية قالت إن دولًا مثل الصين وإيران وروسيا تجاهلت القوانين الأمريكية، وهددت مواطنين داخل الولايات المتحدة وحاولت إيذاءهم.


كشف تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” عن تورط الصين وإيران في توظيف محققين أمريكيين للتجسس على معارضين داخل الولايات المتحدة.

وتلقى مكتب التحقيقات الفيدرالي، على مدار العامين الماضيين، العديد من الشكاوى من محققين سابقين، حاولت “حكومات أجنبية” تجنيدهم بذرائع مختلفة، للتعاون معها في مراقبة معارضين، وفق التقرير.

التجسس على المعارضين.. إرهاب ترعاه الدولة

قال الباحث في شؤون الإرهاب بمجلس العلاقات الخارجية، بروس هوفمان، لـ”نيويورك تايمز”، إن الحكومة الأمريكية توظف عملاء سابقين مؤقتًا لأداء بعض الأعمال الروتينية، مثل جمع بيانات شخصية عن مواطنين لأغراض قانونية، وتزويد الأجهزة المختصة بها.

ونقل التقرير المنشور، أمس الأحد 13 نوفمبر 2022، عن مسؤولين أن بعض “الحكومات الاستبدادية” تستغل هذه العمليات في تجنيد عملاء أمريكيين بغرض التجسس وجمع معلومات عن معارضين، ومحاولة إعادتهم لبلادهم، في بعض الأحيان، ووصف هوفمان تلك الأعمال بـ”الإرهاب منخفض التكلفة، وقليل المخاطرة”، مستنكرًا أن يحدث ذلك تحت مراقبة الدولة.

تعاون غير مقصود

جاء في التقرير أن مكتب التحقيقات الفيدرالي لاحظ تزايدات عمليات المراقبة من المخابرات الأجنبية ووكلائها، خلال العامين الماضيين، على جميع الأراضي الأمريكية، لا سيما ولايات نيويورك وكاليفورنيا وإنديانا، في ظل زيادة قمع الأنظمة الاستبدادية حول العالم.

وقال مسؤولون بالمكتب إن معظم الحالات، التي رصدها، كانت “تعاونًا غير مقصود”، ولم يعلم العملاء الأمريكيون أن هذه المعلومات تُجمع لصالح حكومات أجنبية، في حين وجه لعدد قليل منهم اتهامات بالتعاون مع جهات خارجية، وكذلك حذر مكتب التحقيقات العملاء من هذه العمليات.

محاولة اختطاف صحفية إيرانية

ذكرت “نيويورك تايمز” أن أحد المحققين المستقلين، الذي يقدم خدماته عبر الإنترنت، تلقى عرضًا من عميل دولي لجمع المعلومات عن “أحد المتهربين ماليًّا”، ووافق المحقق على المهمة و”بدا كل شيء طبيعيًّا”، إلا أنه تلقى تحذيرات من مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه قد يكون متورطًا في عملية تجسس لصالح حكومة أجنبية.

وحسب الصحيفة، كانت هذه محاولة اختطاف فاشلة للصحفيّة الأمريكية من أصل إيراني، مسيح علي نجاد، وهي ناشطة سياسية ومدافعة عن حقوق الإنسان، تنتقد ممارسات تعذيب المعارضين والتمييز ضد المرأة، وتعاون العميل مع المكتب وأعطاهم كل المعلومات المطلوبة وأتاح لهم الوصول لبريده الإلكتروني.

اتهام الاستخبارات الإيرانية

اتهمت محكمة اتحادية في مانهاتن، يوليو الماضي، 4 إيرانيين على صلة بالاستخبارات، بالوقوف وراء محاولة الاختطاف الفاشلة عن طريق “إجلاء بحري” من فنزويلا إلى إيران، ويزعم مسؤولون أمريكيون أن طهران حاولت استدراج أقارب الصحفيّة لدولة قريبة بغرض اعتقالهم، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل، حسب ما أوردته “واشنطن بوست“.

ونفت وزارة الخارجية الإيرانية هذه الاتهامات، واصفة إياها بـ”السيناريو الهوليودي الذي لا يستحق الرد”، وشكرت الصحفيّة الإيرانية، في تغريدة على “تويتر”، جهود مكتب التحقيقات الفيدرالي، مشيرة إلى تدبير هذه “المؤامرة” في عهد الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني.

الصين على الخط

في أكتوبر 2020، تفاجئ رقيب الشرطة المتقاعد، مايكل ماكماهون، بضباط مكتب التحقيقات الفيدرالي يطرقون باب منزله، ليجد نفسه متهمًا بأنه عميل غير مسجل لصالح الحكومة الصينية، والضلوع في محاولة إجبار مواطن صيني يقيم في نيوجرسي على العودة لبلاده.

ويقول ماكماهون إنه تلقى عام 2016 عرضًا من سيدة زعمت أنها تبحث عن شخص سرق أموالًا من شركة صينية، فقبل العرض، مستدلًا على براءته بعدم درايته أنه كان يعمل لصالح بكين، وأنه كان يخطر إدارات الشرطة المحلية بتحركاته، في حين يقول مسؤولون بوزارة العدل إن المتهم كان جزءًا من حملة صينية ضد المعارضين تسمى “صيد الثعالب”.

صعوبة الاكتشاف

نقلت “نيويورك تايمز” عن المحقق وضابط الشرطة، ويس بيردن، أنه من الصعب اكتشاف أكاذيب محترفي الاستخبارات الأجانب، مشددًا على أن كثيرًا من عمليات التجسس تنفّذ من خلال وسطاء عبر الإنترنت، ودون لقاء مباشر، وعن طريق شركات المحاماة وشركات تأمين ما يصعب اكتشافهم، ويوفر لهم غطاء آمنًا لتنفيذ عملياتهم بمعزل عن المساءلة.

وشدد مسؤول مكافحة التجسس بمكتب التحقيقات الفيدرالي في نيويورك، رومان روزهافسكي، على محاولات المكتب للفت انتباه المحققين لإشارات الخطر، آملًا أن يتمكنوا مستقبلًا من اكتشاف المخاطر.

مناهضة حقوقية

قالت منظمة “فريدم هاوس” الحقوقية، في تقرير لها العام الماضي، إن إجمالي حوادث “القمع العابر للحدود”، التي تمكنت من توثيقها بين عامي 2014 و2021، وصلت إلى 735 حادثًا، مشددة على أن دولًا مثل “الصين وإيران وروسيا تجاهلت القوانين الأمريكية، وهددت المواطنين على أراضيها، وراقبتهم وحاولت إيذاءهم جسديًّا”.

ودعت المنظمة الولايات المتحدة والحكومات “ذات التفكير المماثل” للتعاون مع المؤسسات والهيئات الدولية، للحدّ من تأثير عمليات “القمع العابر للحدود”، مشيدة بسن الكونجرس، أواخر العام الماضي، قانونًا للحدّ من سلطات “الإنتربول”، الذي قالت إن “الدول الاستبدادية” تستغله لمطاردة المعارضين.

عمليات استخبارية عابرة للحدود

حسب تحليل لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن نشاط الاستخبارات الإيرانية ليس جديدًا، بل مستمر منذ قرابة 4 عقود، أي منذ نجاح “الثورة الإسلامية”، وتتركز أعمالها في جمع معلومات عن المعارضين والصحفيين خارج إيران، وتجري أعمالًا تجسسية ضد باحثين وناشطين ومنشقين عن النظام.

ونقلت صحيفة “ذا ديبلومات“، المتخصصة في الشأن الآسيوي، عن مساعد مدير قسم مكافحة التجسس بمكتب التحقيقات الفيدرالي، آلان كوهلر جونيور، أن وزارة أمن الدولة الصينية يتجاوز دورها جمع المعلومات الاستخبارية، وتنفذ عمليات لاستهداف معارضين ومنشقين خارج الصين.

ولا تقتصر المهام التجسسية على أجهزة الاستخبارات الرسمية، وكشف تقرير منفصل بذات الصحيفة عن تزايد النشاط الاستخباري الخارجي للشركات التابعة للحكومة الصينية، خلال السنوات الماضية.

ربما يعجبك أيضا