كيف تستغل الصين وروسيا انشغال الغرب عن الصراع بميانمار؟

محمد النحاس

تراجع الدعم الغربي للمعارضة المؤيدة للديمقراطية في ميانمار بقدر كبير، في ظل ازدحام جدول أعمال الأمريكيين والأوربيين المنشغلين بالحرب الروسية الأوكرانية.


أفرجت ميانمار عن قرابة 6 آلاف سجين معارض، وبدا بوادر انفراجة للأزمة السياسية، لكن المحللين شككوا في جدية المجلس العسكري الحاكم.

واتهم خبير الشؤون الدولية، دوج باندو، المجلس العسكري بأنه ما زال يمارس ما وصفه بالفظائع التي يُغذيها الدعم المتزايد، من موسكو وبكين، لافتًا إلى ضرورة تضافر الجهود الغربية لدعم الديمقراطية بالبلد، الذي يشهد صراعًا محمومًا.

تصاعد الصراع

قال باندو، في مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي“، يوم الجمعة 18 نوفمبر 2022، إن قمع المجلس العسكري الحاكم في ميانمار تزايد، مؤخرًا، مشيرًا إلى إعدام 4 نشطاء معارضين ومدافعين عن الديمقراطية، في يوليو الماضي، ما رأه تعبيرًا عن تزايد الإحباط لدى الحُكام الجدد، في ظل اقتراب الذكرى السنوية لسيطرة الجيش على السلطة.

وعلى الرغم من تزايد القمع، وشن الجيش “حملات وحشية”، حسب الخبير الأمريكي، تزايد نشاط ما وصفه بـ”المقاومة” شمالي البلاد وشرقها بقدر ملفت، معتبرًا أن تصاعد القمع يعبر عن عجز النظام “غير الشرعي”، الذي يهدف إلى تخويف المواطنين.

دعم صيني

حسب الخبير الأمريكي، الذي كان مساعد الرئيس الأمريكي الأسبق، رونالد ريجان، تراجع الدعم الغربي للمعارضة المؤيدة للديمقراطية في ميانمار بقدر كبير، في ظل ازدحام جدول أعمال الأمريكيين والأوربيين المنشغلين بالحرب الروسية الأوكرانية، وما تلها من أزمات اقتصادية هزت العالم.

ورأى الخبير الأمريكي إنه ليس من الفطنة غياب الدعم الغربي في هذا التوقيت، مشيرًا إلى أن الصين استغلت تراجع الدور الغربي في تعزيز دعمها العسكري للنظام الحاكم، على أمل تأييد ميانمار لمواقف بكين الإقليمية، بمنطقة جنوب شرق آسيا، في ظل تصاعد الخلافات بين الصين وجيرانها الآسيويين.

الروس والمساعدات العسكرية

لفت المقال إلى أن الروس لم يتوانوا في دعم نظام نايبيداو، وفي سبتمبر الماضي، زار زعيم المجلس العسكري، مين أونج هلاينج، مدينة فلاديفوستوك الروسية، والتقى الرئيس، فلاديمير بوتين، الذي وصف العلاقة بميانمار بـ”الشراكة الوثيقة طويلة الأمد”، وتركز هذه الشراكة بنحو رئيس على 3 مجالات، الدعم السياسي والجانب العسكري والطاقة.

وسعى الروس، في ظل انخفاض مبيعات الأسلحة الروسية، على إثر الحرب في أوكرانيا، لزيادة مبيعات الأسلحة إلى ميانمار، في حين يحاول المجلس العسكري استيراد المزيد من المعدات العسكرية، خاصةً الطائرات المقاتلة والمروحية، ليحافظ على سيطرته الجوية في زيادة المقاومة المسلحة، وفق تقرير لموقع “فلكروم“، المتخصص بشؤون جنوب شرق آسيا.

أرقام صادمة

نقل مقال “فورين بوليسي” عن مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، إنه في تصاعد حملات القمع التي يشنها “النظام غير الشرعي” بميانمار، قتلت الحملات ما لا يقل عن ألفي شخص، واعتقلت ما يزيد على 15 ألفًا، وتوفي منهم 273 شخصًا، واضطر عشرات الآلاف للنزوح، ويعيش أكثرهم ظروفًا صعبة مع نقص الغذاء والمساعدات الإنسانية.

وحذر باندو من تجاوز القتال المناطق التي تحوي أعراقًا مختلفة، ليصل لذات الأغلبية البورمية، خوفًا من اندلاع حرب أهلية شاملة، وأشار تقرير إلى المجلس أن الجيش قتل 11 طفلًا بعد قصف مدرسة، وأن قتل وتعذيب الأطفال أصبح شائعًا، في حين ذكر تقرير منفصل  أن شرد أكثر من نصف مليون طفل على إثر الصراع المحتدم بالبلاد.

تزايد المعارضة

على الرغم من القمع المتزايد، يعتقد الخبير الأمريكي أنّ قطاعات واسعة من السكان انضمت للمعارضة، لافتًا إلى ازدهار نوع جديد من “المقاومة غير العنفية”، وأن جيل الشباب، الذي نشأ في بيئة ديمقراطية، لن ينصاع بسهولة لما أسماه “الديكتاتورية العسكرية”.

ورغم مبالغة باندو بأن داعمي الديمقراطية ينتصرون، فإنه يشير إلى أن “النظام غير الشرعي” لا يملك أيضًا سببًا للتفاؤل. بسبب استعدائه قطاعات واسعة من السكان، واتخاذه العنف وسيلة لبسط نفوذه، ما يزيد من خصومه، ولفت لانخراط كثير من الشباب في صفوف المعارضة المسلحة، بالمناطق الحضرية والريفية.

دور غربي منشود

يحث الخبير الأمريكي الغرب على دعم الديمقراطية بميانمار، وتقويض الجهود الصينية والروسية للاستفادة من الصراع، داعيًا واشنطن وبروكسل إلى البحث عن طرق جديدة لمعاقبة المجلس العسكري، ودعم الحكومة المدنية المعزولة، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين من ضحايا الصراع الدائر.

ودعا باندو دولاً آسيوية، مثل أستراليا واليابان والهند وسنغافورة، إلى الانضمام للغرب في ممارسة الضغط المالي والدبلوماسي على النظام الحاكم، حاثًا الدول على التشاور مع المعارضة والحكومة المعزولة، لتعزيز سبل مواجهة “النظام غير الشرعي”، وشجع على فرض عقوبات ضد شركة “ميانما” للغاز والنفط، ذات الأهمية الاقتصادية الكبيرة.

خيبة أمل

نقل المقال عن مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ميانمار، توم أندروز، قوله إن داعمي الديمقراطية يشعرون بخيبة أمل كبيرة، إزاء الدول التي وعدت بتقديم الدعم، لكنها لم تفِ باستحقاقاتها والتزاماتها، محذرًا من أن الوضع يتجه من سيئ إلى أسوأ وضرورة تضافر الجهود الدولية لتقديم الدعم اللازم للمعارضة.

ويشير الخبير الأمريكي إلى أن النظام العسكري، الذي حكم سابقًا قرابة 6 عقود، دفع ميانمار لمزيد من الفقر والعنف، ما زاد من تدفق اللاجئين إلى الدول المجاورة، التي يعاني بعضها اضطرابات داخلية، علاوةً على تحقيق الصين وروسيا مكاسب كثيرة من النزاع الدائر، ما يفرض على الدول الغربية دعم الديمقراطية بالبلد، الذي مزقته الصراعات.

ربما يعجبك أيضا