كيف كشفت حرب غزة التمرد العالمي على ازدواجية الغرب؟

هل كشفت حرب غزة واشنطن على حقيقتها أمام العالم؟

شروق صبري
نتنياهو وبايدن

منذ بداية الغزو الإسرائيلي لغزة، شعر الغرباء، وحتى بعض الأمريكيين، بالحيرة إزاء المدى الذي يمكن أن تذهب إليه واشنطن لدعم إسرائيل.


مهما كانت العلاقة وثيقة بين واشنطن وتل أبيب، فإنها تبدو وكأنها تتحدى الاعتقاد بأن الطرف الأكبر والأقوى مستعد للوقوف في صف الشريك الأصغر في مواجهة الإدانة العالمية.

إسرائيل بتصرفاتها تحدت مصالح الولايات المتحدة، إن لم يكن الأمن القومي، ففي حربها على قطاع غزة انهارت الجهود الدبلوماسية التي كانت الولايات المتحدة في طور الإعداد لها منذ سنوات، والتي كانت تهدف إلى التعاون مع الدول العربية الكبرى دبلوماسيًا؛ فضلًا عن تقويض قدرة واشنطن على دعم أوكرانيا في حربها لدحر الحرب الروسية؛ كما انعزلت الولايات المتحدة عن العالم.

مطالب إسرائيلية

طلب الجيش الإسرائيلي طائرات هليكوبتر هجومية من طراز أباتشي من الولايات المتحدة، ولكن قوبل طلبه بالرفض حتى الآن.

وقُدم الطلب إلى البنتاجون في الأسابيع الأخيرة، كما أثاره وزير الجيش يوآف غالانت خلال اجتماعاته مع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خلال زيارته لإسرائيل الأسبوع الماضي. وتشير مصادر أمنية إلى أنه عدم اتخاذ  قرار نهائي بشأن عملية الاستحواذ المحتملة، وأن تل أبيب تواصل ممارسة الضغوط.

ووفق صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء، 27 ديسمبر 2023، ذكر الجيش أن المروحيات مطلوبة لتعزيز عملياته الجوية. ونشر الجيش الإسرائيلي مروحياته الهجومية من طراز أباتشي في غزة للقيام بعمليات ضد أهداف حزب الله في جنوب لبنان وضرب أهداف في الضفة الغربية.

التشابه بين غزة وأوكرانيا

يمكن القول إن قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بالدفاع عن الأساليب الإسرائيلية في غزة بعد فترة وجيزة من إدانة الأساليب الروسية في أوكرانيا كان له تأثيره على العلاقات بين الدول. وقد أصبح لها بالفعل تأثيرًا حقيقيًا على العلاقات بين الشمال والجنوب العالمي، والغرب والشرق، ما يخلق عواقب قد يتردد صداها لعقود من الزمن.

وقالت صحيفة الجارديان البريطانية، اليوم الثلاثاء، 26 ديسمبر 2023 إن إدارة بايدن، ترى أن أوجه التشابه بين غزة وأوكرانيا بعيدة كل البعد عن الدقة، ولكن يبدو أنها تعرف أيضًا أنها تفقد الدعم الدبلوماسي تدريجيًا. وعندما رفضت الولايات المتحدة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في غزة في ديسمبر الجاري، بات من الصعب القول بأن أمريكا ستظل الأمة التي لا غنى عنها.

سياسة جديدة للكونجرس

وفقًا للمسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية المتخصصة في الشؤون الروسية، فيونا هيل، فإنه على النقيض من ذلك، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد فترة من عزلته العالمية، يشعر أن كل شيء في هذه المرحلة يتجه لصالحه.

وترى هيل أن خطاب بايدن في أكتوبر الذي ربط بين أوكرانيا وإسرائيل معًا في إطار جهوده لإقناع الكونجرس بالإفراج عن الأموال المخصصة لكييف “ربما كان بمثابة سياسة جيدة للكونجرس، ولكنه ربما لم يكن سياسة عالمية جيدة”.

مكانة فلسطين

انتقائية أمريكا، كما ينظر إليها في قسم كبير من الجنوب العالمي، من المرجح أن تؤدي إلى حسابات أوسع نطاقًا، ففي كثير من الأحيان، تم التعامل مع فلسطين في الماضي باعتبارها حالة تاريخية خاصة في السياسة العالمية، لكن الآن، بحسب الخبير الإسرائيلي دانييل ليفي، وصلت القضية إلى “قلب ما أطلق عليه البعض الأزمة المتعددة”.

يقول ليفي: “إن الممارسة الاحتكارية الأمريكية، فيما يتعلق بمصير غزة، لا تتوافق مع العالم الذي نعيش فيه اليوم ومع الجغرافيا السياسية المعاصرة. وفي هذا الصدد، حدث شيء مهم ومثير للاهتمام، وربما حتى مصدر لبعض الأمل، وهو أنه بالنسبة لجزء كبير مما يسمى بالجنوب العالمي وفي العديد من المدن في الغرب، تحتل فلسطين الآن هذا النوع من الاهتمام. إنه نوع من تجسيد التمرد ضد النفاق الغربي، وضد هذا النظام العالمي غير المقبول، وضد نظام ما بعد الاستعمار.

قطاع غزة

قطاع غزة

تحالفات أخرى

إن استمرار دفاع الولايات المتحدة عن إسرائيل في ارتكاب الأخطاء، من المرجح أن تكون عواقبه وخيمة، وقد تجد أمريكا نفسها في مواجهة كتل بديلة أكبر وأكثر حزمًا، سواء كانت مجموعة البريكس الموسعة، التي يقودها بوتين هذا العام، أو التحالفات الأخرى التي تقودها الصين. بعد فترة مما يسمى بالابتعاد عن الغرب، وهو رمز للانقسام والضيق الذي غذته رئاسة ترامب، فيما أعاد الغرب في عام 2022 اكتشاف نفسه في موقفه من الحرب الروسية على أوكرانيا.

لم يتم صد الجيش الروسي على أبواب كييف فحسب، بل لقد انكشف أمره باعتباره قوة مفلسة أخلاقيًا ومذنبة بارتكاب أعمال بربرية شنيعة في بوتشا وأماكن أخرى. أصبحت أوكرانيا القلب النابض للقيم الأوروبية اليوم، كما قالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية. فالنظام الليبرالي، الذي مزقته الحرب في العراق وهزم في أفغانستان، عاد إلى الحياة من جديد. وأدانت 140 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة الحرب الروسية.

صراع عالمي

نظم بايدن مؤتمرات قمة حول الديمقراطية، وأطلق خطط البنية التحتية لفقراء العالم لمنافسة تلك الموجودة في الصين. وقيل إن بايدن كان يتوجه إلى الجنوب العالمي لتحقيق التقارب ومع ذلك، كان هناك سؤالًا مزعجًا حول السبب الذي يجعل العديد من الشركاء الطبيعيين للحرب ينظرون إلى أوكرانيا بشكل مختلف. على سبيل المثال، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما طلب القيام بشيء عملي لدعم أوكرانيا، مثل فرض عقوبات، انخفض عدد الدول التي تدعم كييف إلى ما يقرب من 90 دولة.

ومن الواضح أن أجزاء كبيرة من العالم لم تنظر إلى أوكرانيا باعتبارها صراعًا عالميًا مناهضًا للإمبريالية، بل كانت تنظر إليها باعتبارها صراعًا إقليميًا داخل أوروبا، ولم يكن يجلب لها سوى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

ربما يعجبك أيضا