كيف لعبت دبلوماسية الهاتف دورًا في الأزمات الدولية؟

أحمد ليثي

خطوط الاتصالات الحمراء مثلت فرصة لنزع فتيل الحروب بين الدول وبعضها


لعبت دبلوماسية الهاتف دورًا مهمًّا في الأزمات السياسية بين الدول التي لا يريد مسؤولوها الالتقاء وجهًا لوجه، فأتاح الهاتف الاتصال الوثيق بين رؤساء الدول.

ووفقًا لموقع ناشونال بابليك راديو فإنه في الوقت الذي يحتشد فيه آلاف الجنود الروس على طول الحدود الشرقية لأوكرانيا، يخوض الرئيس الأمريكي جو بايدن جولة جديدة من دبلوماسية الهاتف، بدأت يوم الثلاثاء الماضي بمكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ثم تحدث إلى نظيره الأوكراني في وقت سابق من اليوم.

ما دبلوماسية الهاتف؟

الهاتف والراديو والتلغراف أهم ثلاثة اختراعات في عالم الاتصالات حتى يومنا هذا، فمن الطبيعي أن تؤثر وسائل الاتصال تلك بشدة في الدبلوماسية، وأتاح الهاتف الاتصال الوثيق بين رؤساء الدول، بما في ذلك عبر الخطوط الساخنة، أو ما عُرف بالخطوط الحمراء المختلفة. ولفترة طويلة كان الاستخدام الواسع للهاتف محدودًا، لأنه من الصعب الحفاظ على قوة الإشارة عبر مسافات أطول.

ولذلك استغرق الأمر بضعة عقود لتثبيت أول خط هاتف مباشر بين نيويورك وسان فرانسيسكو 1914 ومدة أطول لتثبيت خطوط الهاتف عبر المحيط الأطلسي بين الولايات المتحدة وأوروبا 1956. وبالإضافة إلى التأثير الاجتماعي الهائل فإنه صار جزءًا لا يتجزأ من الحياة الخاصة والمهنية والرسمية في معظم المجتمعات، وظهرت أهميته البالغة في العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، فبدأ ما يُعرف بدبلوماسية الهاتف.

دبلوماسية الهاتف والأزمة الأوكرانية

في أحدث ظهور لدبلوماسية الهاتف تحدَّث جو بايدن وفلاديمير بوتين عبر الهاتف لأكثر من ساعة يوم السبت الماضي، في محاولة يُنظر إليها على أنها الأخيرة لدرء الغزو الروسي لأوكرانيا الذي حذرت الولايات المتحدة من أنه قد يبدأ في وقت مبكر من يوم غد الأربعاء. وقال مسؤول أمريكي كبير  لجريدة الجارديان البريطانية إن الاتصال لم يأت بأي تغيير جوهري للأزمة المتفاقمة، وروسيا قد تقرر المضيَّ في العمل العسكري.

وأضاف أنه لا يوجد دليل على خفض التصعيد على الحدود الأوكرانية، كما ذكر بيان للبيت الأبيض أن بايدن أوضح خلال المكالمة أنه إذا قامت روسيا بغزو أوكرانيا فإن الولايات المتحدة وحلفاءها سيردون بشكل حاسم ويفرضون عقوبات شديدة على روسيا، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة مستعدة للانخراط في الحلول الدبلوماسية، لكنها مستعدة لسيناريوهات أخرى في الوقت نفسه.

 تحريك المياه الراكدة بين أمريكا والصين

وفقًا لموقع يو إس – تشينا بيرسبشن مونيتور، بدت المكالمة الهاتفية التي جرت عشية رأس السنة الصينية عام 2021، بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينج جولة جديدة من دبلوماسية الهاتف بين البلدين، لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، لدرجة أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنكن اتصل بنظيره الصيني وانج يي ثلاث مرات على الأقل، نظرًا لعدم رغبة الطرفين في عقد اجتماع شخصي.

تصادفت المكالمة التي جرت بين الرئيسين مع الذكرى الخمسين لما يطلق عليه دبلوماسية كرة الطاولة، والتي يُنسب لها الفضل في إذابة الجمود في العلاقات الأمريكية الصينية، لدرجة أن العلاقات بين البلدين كانت تعتمد على وسائل اتصال سرية لا يعرفها الرأي العام، وعن طريقها رُتِّب اجتماع بين الرئيس الأمريكي نيكسون والرئيس الصيني ماو عام 1972.

نزع فتيل حرب نووية كبرى؟

في عام 1961، كان العالم على شفا حرب نووية حينما اكتشفت طائرات التجسس الأمريكية أن روسيا تنصّب خطوط صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية في كوبا على بعد كيلومترات قليلة من الولايات المتحدة، لكن طرق التواصل في هذه الفترة بين واشنطن وموسكو كانت بطيئة للغاية، ما جعل الاتصالات بين البلدين تستغرق قرابة 12 ساعة لتلقِّي وفكِّ شفرة الرسالة الأولى للرئيس الروسي نيكيتا خروتشوف التي احتوت 3 آلاف كلمة.

وبعدما انتهت أزمة الصواريخ الكوبية بالاتفاق على نزع الصواريخ على سواحل كوبا، اتفق البلدان على وضع خط اتصال مباشر بين روسيا والولايات المتحدة، يجعل من السهل التواصل بينهما، في عملية استغرقت تسعة أشهر لتثبيت أول خط آلات مبرقة لفك وتشفير الترجمة، وفي عام 1963، أصبح نظام الاتصال بين البلدين جاهزًا.

فشل إيقاف أزمة جزيرة القرم

في مساء الأول من مارس عام 2014، سجَّل الرئيس الأمريكي السابق أوباما رقمًا قياسيًّا عندما أمضى 90 دقيقة في محادثة هاتفية متوترة مع فلاديمير بوتين قبل ضمِّ روسيا لشبه جزيرة القرم، في ما يعتبر أكثر الأزمات تعقيدًا منذ نهاية الحرب الباردة.

ومن جهته، قال مستشار البيت الأبيض السابق وليام جالستون، إنه نظرًا لدقة المكالمة، فقد استعان البيت الأبيض بخبير روسي من مكتب الخدمات اللغوية بوزارة الخارجية لترجمة كل من تصريحات أوباما وبوتين بعد التصريح بها، على الرغم من أنه غالبًا ما تترجم هذه المكالمات فوريًّا في مكالمة يعتقد أنها الأطول بين الرجلين.

 بايدن يعترف بمذبحة الأرمن

في بيان صدر عن البيت الأبيض بعد أول مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اعترفت الولايات المتحدة بالإبادة الجماعية التي جرت للأرمن عام 1915 على يد القوات التركية، في حين نفت تركيا قطعيًّا أن أحداث عام 1915 يمكن أن تمثل إبادة جماعية.

لكن يبدو أن جولات دبلوماسية الهاتف بين الرئيس الأمريكي ونظيره التركي فشلت في تحقيق مساعيها بوقف اعتراف الولايات المتحدة بالإبادة الجماعية للأرمن، الأمر الذي دفع أردوغان ليعلن أن تصريح البيت الأبيض “لا أساس له وغير عادل” واصفًا إياه بأنه تشويه صارخ للتاريخ.

ربما يعجبك أيضا