لماذا أسقط برلمان الاحتلال القانون الأكثر عنصرية؟

محمود
الكنيست الإسرائيلي

رؤية – محمد عبد الكريم

القدس المحتلة – سقط قانون لم الشمل أو ما يعرف بقانون “المواطنة” الإسرائيلي الذي يمنع لمّ شمل عائلات فلسطينية، بعد التصويت عليه إثر مداولات استمرت حتى فجر اليوم الأربعاء في برلمان الاحتلال الإسرائيلي “الكنيست”، وجاءت نتيجة التصويت متعادلة، حيث صوّت 59 عضواً مع التمديد للقانون الذي تنتهي فعاليته الليلة، و59 عضواً ضده، فيما امتنع نائبين عن التصويت، وبذلك سقط القانون.

مراقبون للشأن الإسرائيلي أكدوا أن القانون لم يسقط إلا بسبب الأزمة السياسية الإسرائيلية الداخلية القائمة، وليس بسبب «صحوة ضمير» نواب الكنيست، الذين هم أنفسهم من سنّوا قانون «المواطنة» العنصري، فالأغلبية التي صوّتت ضد القانون تتشكل من حزب «الليكود» والأحزاب الدينية الحريدية، وقد اعتبرت في تصويتها حجباً للثقة عن حكومة بينيت، ولكنه لم يصل إلى 61 معارضاً في نهاية الأمر لكي تسقط الحكومة.

 حيث اُسقطت «التسوية» التي اتفق عليها رئيس الوزراء نفتالي بينيت، ووزيرة الداخلية أييلت شاكيد من جهة، ورئيس «القائمة العربية الموحدة»،منصور عباس من جهة أخرى. وكانت التسوية تقتضي تمديد القانون لمدة ستة أشهر.

واعتبرت «القائمة المشتركة» التي صوّت كافة نوابها في الكنيست ضد تمديد القانون، أن إسقاطه بتعادل الأصوات «يعدّ سابقة منذ إقرار هذا القانون العنصري، الذي يمنع عائلات فلسطينية من طرفيْ الخط الأخضر بالعيش معاً مع حقوق أساسية».

واستهجنت القائمة «تصويت النائبين منصور عباس ووليد طه مع استمرار هذا القانون الذي يسيء يومياً لعشرات آلاف العائلات والأطفال».

وأضاف البيان: «صوتت القائمة المشتركة بكل أعضائها ضد القانون. وكان نواب المشتركة قد تحدّثوا من على منصة الكنيست داعين أعضاء الموحدة إلى معارضة القانون، ولكن منصور عباس ووليد طه رفضا وأصرّا على تمديد منع لم شمل العائلات الفلسطينية».

وتسبّب هذا القانون  الذي اقر عام 2003، والذي يُعتبر من الأكثر عنصرية في إسرائيل بمشاكل كبيرة لآلاف العائلات الفلسطينية، وحرمها من العيش منفصلة أو أجبرها على الانتقال إلى الخارج، ليتحوّل إلى ما يشبه العقاب الجماعي خلال نحو 18 عاماً.

فالمعروف أن «قانون لمّ الشمل» المذكور قانون احتلالي عنصري، تقف وراءه مؤسسة المخابرات الإسرائيلية من جهة واليمين بكل عناصره وحتى أحزاب الوسط من جهة ثانية. ومن شدة الإجحاف فيه، لم تحتمله محكمة العدل العليا في إسرائيل، ولذلك، فهو لم يتحول إلى قانون متكامل وبقي فيه بند مؤقت تجري المصادقة عليه كل سنة منذ عام 2003؛ فهو يمنع منح إقامة دائمة لعرب متزوجين من فلسطينيين مواطنين في إسرائيل، إلا في حالات إنسانية نادرة، وبسببه يعاني نحو 17 ألف عائلة فلسطينية من التشتت.

في العادة، كانت الحكومة؛ أياً كان انتماؤها، تجلب القانون فيتم تمريره في الكنيست خلال دقائق؛ إذ تصوت له أكثرية ساحقة وتصوت ضده فقط الأحزاب العربية ونائب أو نائبان من حزب «ميرتس»، لأنه قانون أمني تؤيده المخابرات ويفضل العرق اليهودي، فيؤيده معظم النواب اليهود.

والجديد هذه المرة يكمن في أمرين: الأول أن المعارضة اليمينية بقيادة نتنياهو، قررت الخروج عن المألوف والتصويت ضد القانون لأغراض حزبية ضيقة. وقد أزعج هذا الموقف ليس فقط المخابرات الإسرائيلية؛ بل قوى في اليمين نفسه. على سبيل المثال، خرجت مايا أوحانا مورانو، وهي أرملة أحد كبار ضباط الكوماندوز الإسرائيلي الذي قتل في لبنان، وتعدّ من قادة معسكر اليمين المتدين، بحملة ضد نتنياهو، بسبب هذا التصويت، فقالت إنه «يضع أسساً جديدة للعمل السياسي تنعدم فيها الأخلاق والقيم». وتضيف: «ممكن أن نختلف، ومسموح أن نغضب، ومفهوم إذا شعرنا بالظلم، لكن أن نتخذ قرارات مضرة بأمن الدولة وبيهودية الدولة؛ فهذا لا يجوز. أنا أطلب من نتنياهو والمعارضة بأن تكف عن هذا الانفلات وتعود إلى رشدها». وحسب مؤشرات عدة؛ فإن صوت مايا ليس يتيماً في اليمين، وهناك من يحذر بأن «نتنياهو لا يكتفي بما حققه من فشل لمعسكر اليمين، بل يريد أن يقودنا إلى الحضيض حتى النهاية في سبيل معاركه الشخصية».

أما الأمر الثاني؛ فيتعلق بالنواب الذين يمثلون المواطنين العرب (فلسطينيو 48)، وعددهم اليوم 15 نائباً؛ 5 نواب أعضاء في أحزاب يهودية، و10 في أحزاب عربية. 4 من نواب الأحزاب اليهودية هم جزء من الائتلاف الحكومي: (عيساوي فريج وغيداء زعبي ريناوي في «ميريتس»، وابتسام مراعنة من حزب «العمل»، وحمد عمار من حزب ليبرمان)، وقد صوتوا إلى جانب القانون. وهناك 4 نواب من «الحركة الإسلامية»، بقيادة النائب منصور عباس، موجودون لأول مرة داخل الائتلاف الحكومي.

قدم فريج؛ الذي صار الوزير العربي الوحيد في الحكومة، اقتراحاً للحكومة بأن يتم إقرار القانون لمدة نصف سنة، بشرط منح الإقامة الدائمة فوراً لنحو 1800 شخص من تلك العائلات، والتداول خلال هذه المدة لأجل منح الإقامة لعدد مماثل، ومنح تسهيلات في التنقل وفي الخدمات الطبية ورخص القيادة للآخرين. بناء عليه؛ صوت اثنان من «الإسلامية» مع القانون، فيما امتنع اثنان آخران عن التصويت بالتنسيق مع رئيس الحكومة. في المقابل، صوت نواب «القائمة المشتركة» الستة ضد القانون، ونظموا مظاهرة أمام الكنيست احتجاجاً عليه، وصفقوا عند سقوط القانون، مثلما صفق نتنياهو ورفاقه. وأعرب فريج عن غضبه من سقوط القانون وقال: «لقد أضعنا فرصة بالغة الأهمية للتخفيف من معاناة تلك العائلات. فلو تم تمرير القانون، وفقاً للتعديلات التي حققناها، لكنا أحرزنا مكسباً كبيراً ضد سياسة المخابرات واليمين». وهكذا، خرج العرب من التصويت باتجاهين، أحدهما واصل سياسة الكفاح ضد السياسة العنصرية، والثاني يحاول التغيير من الداخل؛ إذ إن سقوط القانون لا يعني إلغاءه؛ بل سيتحول إلى وزيرة الداخلية، وهي ستبحث كل طلب فلسطيني على حدة. وحسب الوزير فريج؛ «لن تستطيع تجاهل ما كنا اتفقنا عليه، وستكون ملزمة بمنح تصاريح إقامة أكثر من الماضي».

ويقول المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل “عدالة” إن القانون “يمنع لم شمل العائلات بين الفلسطينيين (مواطني اسرائيل) والفلسطينيين مواطني الضفة الغربية وغزة بالإضافة الى الدول التي تعتبرها اسرائيل (دولة عدو) وهي سوريا ولبنان والعراق وإيران”.

ويعاني آلاف الفلسطينيين نتيجة هذا القانون، الذي تقول الحكومة الإسرائيلية إنه جاء لاعتبارات أمنية؛ أما الفلسطينيون فيقولون إنه قانون عنصري.

وقالت “عدالة” في تصريح مكتوب سابق، حصلت الأناضول على نسخة منه “يعتبر هذا القانون من القوانين الأكثر عنصرية على مستوى العالم لذلك يتوجب حذفه فورًا”.

وتابعت “لا يوجد دولة واحدة في العالم تختار توطين ولم شمل أزواج وزوجات مواطنيها وفق انتمائهم القومي والإثني، ومن خلال تصنيفهم كعدو”.

ربما يعجبك أيضا