لماذا لا يثق الرئيس الصيني في قيادات جيشه؟

آية سيد
بعد حملة التطهير.. الجاهزية القتالية للجيش الصيني موضع شك

تثير خسارة الثقة الواضحة في قيادات الجيش الصيني تساؤلات جديدة بشأن قدرة شي على القيادة.


على مدار الشهرين الماضيين، اختفى عدد من جنرالات الجيش الشعبي الصيني رفيعي المستوى عن الظهور العلني.

ورأى الباحث بمعهد الدراسات الاستراتيجية الوطنية بجامعة الدفاع الوطني بواشنطن، جويل وثنو، أن حقيقة استمرار هذه الحوادث وتأثيرها في أجزاء حساسة من الجيش الصيني، تبرز حدود سلطة الرئيس شي جين بينج، وتعكس غياب الثقة في كبار ضباطه.

سلسلة اختفاءات

في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية، اليوم الثلاثاء 26 سبتمبر 2023، أشار وثنو إلى بدء سلسلة الاختفاءات الأخيرة في أغسطس الماضي، عندما جرى تعيين قادة من البحرية والقوة الجوية محل القائد والمفوض السياسي بقوة الصواريخ، في خطوة غير عادية تجاوزت الضباط الأقل رتبة في قوة الصواريخ.

وتزامن هذا مع انتشار إشاعات بشأن الفساد وبيع الأسرار العسكرية، ضمن المستويات العليا في ذلك الفرع من الجيش، واستمرت عندما استبعد مجلس الشعب الصيني رئيس المحكمة العسكرية. وفي سبتمبر الحالي، لاحظ المراقبون اختفاء وزير الدفاع، لي شانج فو، ما يعزز إشاعات خضوعه للتحقيق بتهمة الكسب غير المشروع.

حملة تطهير

تفاجأ الكثير من المراقبين بهذه الاختفاءات، بسبب تصوير شي على أنه أقوى قائد للجيش الصيني منذ عهد دينج شياو بينج كرئيس للجنة العسكرية المركزية في الثمانينات.

وحسب الباحث الأمريكي، كان استبعاد كبار الضباط الفاسدين أو المشكوك في ولائهم السياسي مهمة أساسية لشي، في بداية توليه منصب رئيس اللجنة العسكرية المركزية في 2012. وأسفرت حملته لمكافحة الفساد عن استبعاد نحو 45 مسؤولًا رفيع المستوى، إلى جانب قادة متقاعدين.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت تحقيقات مكافحة الفساد أقل شيوعًا، وظل الرئيس الصيني مشاركًا من كثب في التعيينات العسكرية. وفي المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي، اختار مجموعة جديدة من الضباط للجنة العسكرية المركزية، منهم وزير الدفاع لي.

مناصب حساسة

لفت وثنو إلى أن حساسية المناصب، التي تولاها الضباط الذين جرى استبعادهم مؤخرًا، موضحًا أن قوة الصواريخ مسؤولة عن ترسانة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والمحكمة العسكرية جزء من جهاز الرقابة الداخلية، ويجب أن تكون قيادتها بمنأى عن الفضيحة لتؤدي واجباتها.

10 معلومات عن وزير الدفاع الصيني

10 معلومات عن وزير الدفاع الصيني

وأضاف الباحث أن وزير الدفاع واحد من 6 ضباط نظاميين انضموا إلى اللجنة العسكرية المركزية، وأكبر دبلوماسي عسكري في الصين، الذي يدير العلاقات مع الجيش الروسي والقوات الأخرى.

ومن المفترض أن المرشحين لكل واحد من هذه المناصب خضع لعمليات تحر صارمة، وحصل على موافقة شخصية من شي. وهكذا، فإن فشله في ضمان الامتثال في هذه المناصب الحيوية يثير التساؤلات بشأن نجاحه في إدارة الجيش بنحو عام.

اقرأ أيضًا| الصين تستعد للحرب.. حملة تطهير واسعة في الجيش

صفقات فاسدة

على الرغم من أن شي أثبت نفسه كرئيس قوي للجنة العسكرية المركزية، لا يزال الجيش الصيني في جوهره مؤسسة ذاتية الحكم. وفي عصر ماو تسي تونج، كان الجيش يتدخل بشدة في حكم البلاد. لكن في الثمانينات، فضّل دينج شياو بينج حكم التكنوقراط المدنيين، وأمر الجيش بالعودة إلى ثكناته.

ووفق وثنو، كانت الصفقة الضمنية هي أن الجيش حر للعمل بالنحو الذي يراه مناسبًا، إذا قبل حكم الحزب ولم يصبح تهديدًا. وسمح دينج للجيش بإدارة إمبراطوريات تجارية ضخمة. وواجه خليفتا دينج، جيانج زيمين وهو جينتاو، صعوبة كبيرة في إقناع الجيش بإخراج نفسه من هذه المشروعات.

كسب الدعم

واصل شي نهج سلفيه، مشجعًا الجيش الصيني على أن يصبح أكثر مهنية. وإلى جانب حملة مكافحة الفساد، أعاد تنظيم البيروقراطية لتعزيز الإدارة الأفضل. إلا أنه لم يغير الصفقة التي قدمها دينج للجيش، وسمح باستمرار الحكم الذاتي، بقليل من التدخل من السلطات الخارجية.

وأشار وثنو إلى أن السبب الرئيس وراء هذا الاستقلال الذاتي، هو أن شي أراد كسب دعم الجيش لتعزيز سلطته، وتطبيق ما سيصبح أكبر إعادة هيكلة للجيش منذ الخمسينات. وكانت الرقابة الفضفاضة على الجيش الصيني مصحوبة بزيادات مستمرة في الميزانيات العسكرية.

ومن 2012 حتى 2022، تضاعف الإنفاق الدفاعي الرسمي للصين من 106 مليارات دولار إلى 230 مليار دولار، وكان 40% منه مخصص لميزانية المشتريات. وهكذا، أصبح أفراد، مثل قادة قوة الصواريخ، في موقف يسمح لهم بالتربح، وفق الباحث.

الاستقلال الذاتي

لماذا لا يثق الرئيس الصيني في قيادات جيشه؟

الجيش الصيني

رأى وثنو أن فهم عمليات التطهير الأخيرة من خلال عدسة العلاقات المدنية العسكرية الفريدة في الصين يؤدي إلى تراجع النظرة لقدرة شي على تطويق البيروقراطية العسكرية. ويساعد في فهم سبب استمرار هؤلاء لمدة عقد تحت حكمه، وفي مناصب حساسة.

وكذلك فإن حاجة شي السياسية لمنح الجيش درجة أعلى من الاستقلالية قد تساعد في تفسير حالات مفاجئة أخرى، بدا فيها أن الجيش يعمل خارج حدود الرقابة المدنية، مثل خطط إنشاء بنية تحتية في منطقة دوكلام بإقليم بوتان، التي أثارت أزمة دبلوماسية مع الهند في 2017، وحادثة منطاد التجسس في فبراير من العام الحالي.

اقرأ أيضًا| واشنطن تكشف المستور عن مصير وزير الدفاع الصيني المفقود

أزمة ثقة

تثير خسارة الثقة الواضحة في قيادات الجيش تساؤلات جديدة بشأن كم الفساد المتبقي في نظام المشتريات، وما يخبئه الجيش بشأن نفقاته وعملياته. ومن المرجح أيضًا أن يكون لغياب الثقة تداعيات على اعتبارات الحزب بشأن استخدام القوة في السنوات المقبلة، لأن الحالات الأخيرة تثير الشكوك في أن الجيش قد يخفي أوجه قصور أخرى.

وختامًا، قال وثنو إن معرفة شي للسرية وسوء الإدارة المتغلغلين داخل بنية الجيش قد تدفعه إلى التشكك في كفائته التشغيلية في الأزمات والصراعات. وفي حين تقلق الولايات المتحدة بشأن أفضل طريقة لردع العدوان الصيني على تايوان، قد يأتي العائق الأساسي من الداخل.

ربما يعجبك أيضا