لماذا يعتقد الرئيس الروسي أنه يربح الحرب في أوكرانيا؟

آية سيد
بوتين يريد إشعال حرب في البلقان.. كيف يرد الغرب؟

تتكون خطة بوتين العسكرية من 3 أبعاد رئيسة في ما يشبه نوعًا من الدمية الروسية الاستراتيجية، وكل جانب فيها يتلائم مع الآخر، في ما يرتقي إلى مخطط كبير يتجاوز أوكرانيا، لكنه يرتكز عليها.


تستمر الحرب الروسية الأوكرانية في شهرها الخامس، دون وجود نهاية واضحة في الأفق. لكن كبار مسؤولي الكرملين يقولون إن “كل شيء يسير حسب الخطة”.

وفي هذا الشأن، ترى الباحثة غير المقيمة بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، تاتيانا ستانوفايا، أنه منذ أواخر مايو الماضي، أصبح لدى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خطة واضحة “حتى لو بدت خيالية”. وحثت الغرب على فهم ما يتعامل معه حقًا لتجنب “صدامًا كارثيًّا.

الدمية الروسية

في مقال لصحيفة “نيويورك تايمز“، في 18 يوليو 2022، قالت ستانوفايا إنها تابعت تصريحات بوتين وسلوكياته على مدار عقدين، لرسم صورة شاملة لحسابات الرئيس الروسي.

أضافت أن خطة بوتين تتكون من 3 أبعاد رئيسة، في ما يشبه نوعًا من الدمية الروسية الاستراتيجية. وكل جانب فيها يتلائم مع الآخر، في ما يرتقي إلى مخطط كبير يتجاوز أوكرانيا، لكنه يرتكز عليها. وتلفت الكاتبة إلى أنه من المهم للغرب، الذي تذبذب ردّه بين المواجهة والإذعان، أن يفهم النطاق الكامل لآمال بوتين، عندما يواصل تقييم دوره في الدفاع عن أوكرانيا.

طموحات بوتين في أوكرانيا

يتعلق الهدف الأصغر والأكثر براجماتية وقابلية للتحقيق في طموحات روسيا الإقليمية بأوكرانيا. وبحسب ستانوفايا، بعد الفشل في تحقيق المزيد من التقدم في الأراضي الأوكرانية بعد الأيام الأولى من الحرب، قلّصت روسيا حجم طموحاتها. وأصبح الهدف الحالي الأكثر واقعية هو السيطرة على إقليمي دونيتسك ولوغانسك، والممر البري الذي يؤمن الوصول إلى شبه جزيرة القرم.

وترى الكاتبة أن بوتين يظن أن الوقت يعمل لصالحه، في تحقيق هذا الهدف ذي الثقل الاستراتيجي الضئيل للكرملين. فالدعم العسكري الغربي أظهر حدوده، في حين أعربت واشنطن عن عدم استعدادها للمجازفة بإثارة غضب بوتين عبر تجاوز أي خطوط حمراء. واليوم، أصبحت الحكمة التقليدية في الغرب هي أن أوكرانيا لن تكون قادرة على استعادة المناطق التي احتلتها القوات الروسية.

إجبار أوكرانيا على الاستسلام

تقول ستانوفايا إن الهدف الثاني للرئيس الروسي يركز على إجبار كييف على الاستسلام، موضحة أن هذا لا يتعلق بالأراضي المحتلة، إنما بمستقبل ما تبقى من أراضي أوكرانيا، وهو شيء يحمل أهمية استراتيجية كبرى. ومن الناحية العملية، يعني الاستسلام قبول كييف بالمطالب الروسية التي يمكن تلخيصها في “إضفاء الطابع الروسي” على البلاد.

وبحسب الباحثة، في غضون عام إلى عامين، عندما تصبح أوكرانيا منهكة من الحرب وعاجزة عن العمل على نحو طبيعي ومحبطة معنويًا، ستصبح الظروف مواتية للاستسلام. وعند تلك المرحلة، يبدو أن حسابات الكرملين تقوم على انقسام النخبة وتجمع المعارضة للإطاحة بإدارة الرئيس فولوديمير زيلينسكي. وحينها، تقول الكاتبة إنه لا حاجة لاستيلاء روسيا على كييف عسكريًا، لأنها ستسقط من تلقاء نفسها.

الهدف الاستراتيجي الأهم

تشير ستانوفايا إلى أن الهدف الاستراتيجي الثالث لبوتين، والأهم من الناحية الجيوسياسية، هو بناء نظام عالمي جديد. ويظن الكثيرون أن بوتين يرى الغرب قوة معادية تستهدف تدمير روسيا. ولكن الكاتبة تقول إن الغرب ينقسم إلى قسمين، من وجهة نظر بوتين، الغرب الشرير والطيب.

وبحسب بوتين، تمثل النخب السياسية التقليدية التي تحكم الدول الغربية حاليًّا “الغرب الشرير”، في حين يتكون “الغرب الطيب” من الأوروبيين والأمريكيين العاديين الذين يريدون علاقات طبيعية مع روسيا، والأعمال التجارية التي تريد الاستفادة من التعاون الوثيق مع نظيراتها الروسية.

ويرى بوتين أن الغرب الشرير يتراجع ويهلك، في حين يتحدى الغرب الطيب ببطء الوضع الراهن بوجود مجموعة كبيرة من القادة ذوي التوجه القومي، مثل فيكتور أوربان في المجر، ومارين لوبان في فرنسا، ودونالد ترامب في الولايات المتحدة، المستعدين للانفصال عن النظام العالمي القديم، وتشكيل نظام جديد.

رهان بوتين

تقول ستانوفايا إن بوتين يعتقد أن عواقب الحرب في أوكرانيا، مثل ارتفاع التضخم وأسعار الطاقة، تغذي الغرب الطيب وتساعد الناس على النهوض في وجه المؤسسة السياسية التقليدية. ويبدو أن رهانه هو أن التحول السياسي الأساسي في الدول الغربية سيجعلها أكثر ودية تجاه روسيا. وحينها، سيتمكن بوتين من العودة إلى كل المطالب الأمنية التي حددها قبل ديسمبر 2021 للولايات المتحدة والناتو.

وبحسب ستانوفايا، الخبر السار هو حقيقة أن الخطة تبدو واقعية لبوتين يجب أن تمنع أي تصعيد نووي في المدى القريب. ولكن الخبر السيء هو أنه عاجلًا أو آجلًا، سيواجه بوتين الحقيقة. وفي تلك اللحظة، عندما تتعثر خططه ويرتفع إحباطه، من المرجح أن يصبح أكثر خطورة.

ربما يعجبك أيضا