لوبي الإعلام والمال والسياسة يسيطر.. كيف تعمل صناعة الدفاع في أمريكا؟

محمد النحاس
مصنع أسلحة أمريكي

من عام 2003، أنفق الجيش الأمريكي ما لا يقل عن 8 مليارات دولار -وتقول بعض المصادر إن الرقم يمكن أن يصل إلى 20 مليار دولار- لتطوير "نظام القتال المستقبلي" وهو مجموعة من المركبات المدرعة لاستبدال الدبابات وآليات النقل والمدفعية التي تعود إلى فترة الحرب الباردة. ثم ألغى البنتاغون البرنامج في عام 2009 دون أن يكون هناك ما يُذكر عن الجهود والنفقات.


في خطاب وداعه 17 يناير 1961، دعا الرئيس الأمريكي آنذاك، دوايت أيزنهاور، لإنهاء “النفوذ غير المُبرر” للمجمع الصناعي العسكري.  

كان هدف هذه الدعوة تحذير الأمريكيين من مغبة التحالف بين الجيش الأمريكي من جهة، وكبار مقاولي وصناع الأسلحة في الولايات المتحدة من جهة أخرى، وبصفته جنرالًا، كان أيزنهاور يعرف جيدًا طبيعة العلاقة التي تخدم مصالح الجانبين.

مسمى آخر

لم يذكر أيزنهاور دور الكونجرس في هذا العلاقة، وربما لم يتوقع مستقبلًا الطرق التي ستتشابك بها المصالح التجارية مع مختلف الجهات البيروقراطية في الولايات المتحدة، وليس مصطلح “المجمع الصناعي العسكري” دقيقًا، وذلك لأن هذه الشبكة من المصالح لا تربط الجيش الأمريكي بكبار المقاولين العسكريين وصناع السلاح فحسب.

عبارة “المجمع العسكري الصناعي – الإعلامي – الكونجرسي” قد تكون أكثر دقة، والذي يتكون كما يوضح الاسم من البنتاجون، والكونجرس، ومُصنعي الدفاع، ومراكز الأبحاث، واللوبيات، ووسائل الإعلام التي تمولها الصناعات، ويطلق على هذا التحالف مجازًا “المؤسسة الأمنية القومية”.

تلك ليست نظرية مؤامرة بل حقيقة واقعية، كما يسوق مقال لمجلة “ريسبنسبول ستيت كرافت” الأمريكية، نشرته الخميس 25 يوليو 2024.

أمثلة على لوبي صناعة السلاح

هذه الجهات مجتمعة  تشكل ما يُعرف بـ”المؤسسة الأمنية القومية”، والتي تمثل الفواعل الأساسية في عالم السياسة الأمريكية. 

يورد المقال العديد من الأمثلة على ذلك: يتجلى الأمر عندما يظهر جنرال متقاعد على التلفزيون ليشرح كيف يمكن للجيش الأوكراني هزيمة الروس، فقط إذا مرر الكونجرس حزمة المساعدات الجديدة التي تبلغ مليار دولار، هنا لا يُذكر حقيقة أن مركز الأبحاث الذي يعمل فيه الجنرال ممول من مقاولي الدفاع الذين سيستفيدون من حزمة المساعدات التي يدعو إليها.

3000 scaled

وحينما يتقاعد جنرال آخر من منصبه ويظهر بعد 6 أشهر في مجلس إدارة أحد مقاولي الدفاع الرئيسيين، والمفارقة، أن نفس المقاول الدفاعي احتفل بعدها بالفوز بعقد بقيمة 21.4 مليار دولار لبناء أسطول من القاذفات.

الترويج لبرامج الأسلحة

لا يقف الأمر عند هذا الحد، حيث قام أكبر مقاول دفاعي في الولايات المتحدة، بتشغيل إعلانات خلال حفل توزيع جوائز الأوسكار، ونشر خريطة تفاعلية على موقع الشركة توضح الفوائد الاقتصادية لبرنامج الأسلحة الخاص بها. 

وتريد الشركة أن يعرف الجميع عدد الوظائف التي يمكن أن تُفقد إذا صوت الكونجرس على تعطيل البرنامج بأي شكل من الأشكال، ويتابع المقال: “نرى إنفاق عشرات المليارات على طائرة مقاتلة يمكنها أن تكون جاهزة للقتال في ثلث الوقت فقط”.

وأردف: “يظهر أيضًا إنفاق أكثر من 60 مليار دولار على تصميم وبناء سفن حربية كانت معيبة لدرجة أن مسؤولي البحرية كانوا يأملون في التخلص منها بسرعة. وألغت البحرية إحدى هذه السفن أقل من 5 سنوات بعد مراسم تدشينها، أي قبل نحو عقدين من العمر المفترض للسفينة”.

إنفاق بلا حساب

ابتداءًا من 2003، أنفق الجيش الأمريكي ما لا يقل عن 8 مليارات دولار، وتقول بعض المصادر إن الرقم يمكن أن يصل إلى 20 مليارًا، لتطوير “نظام القتال المستقبلي” وهو مجموعة من المركبات المدرعة لاستبدال الدبابات وآليات النقل والمدفعية التي تعود إلى فترة الحرب الباردة، ثم ألغى البنتاجون البرنامج في 2009 دون ذكر الجهود والنفقات، وتوجد العديد من الأمثلة الأخرى على جهود الاستحواذ الفاشلة من السنوات الـ25 الماضية، التي تفسر سبب أن الإنفاق الدفاعي السنوي الحالي أعلى بنسبة 48% عن عام 2000. 

وبالإضافة إلى ذلك، باتت وزارة الدفاع الأمريكية تعتمد على المقاولين من القطاع الخاص، لأداء العديد من الأدوار، التي كانت منوطة بأعضاء الخدمة العسكرية بمقابل مالي أقل، ودرست وزارة الدفاع نفسها حالة بيّنت أن كلفة توظيف مجموعة من المقاولين أكثر بنسبة 316% من الموظفين الحكوميين المُكلفين بأعمال مماثلة.

حسب المقال فإن المؤسسة الأمنية القومية ليست متعلقة بحزب معين، ويتبرع مقاولو الدفاع بالأموال للمرشحين واللوبيات من كلا الجانبين، ويصوت هؤلاء المرشحون لزيادة ميزانيات البنتاجون وتمويل برامج الأسلحة بعد أن أصبحت إخفاقاتها معروفة على نطاق واسع، وتولد مجموعات اللوبي ووسائل الإعلام المدعومة من الشركات الدعم العام لتلك البرامج.

دور الأجيال القادمة

دون تغييرات هيكلية هائلة، من المؤكد أن هذا النمط سيستمر إلى الأجيال القادمة،فقد أطلقت المؤسسة الأمنية الوطنية برامج أسلحة كبرى في السنوات الأخيرة التي وإذا استمرت على المسارات الحالية، ستدفع ميزانية البنتاجون إلى مستويات غير مسبوقة، مع تطور برامج مثل B-21، وفرقاطة Constellation-class، وطائرة Next Generation Air Dominance، وغواصة Columbia-class الباليستية، والعديد من برامج المركبات الأرضية، وصاروخ Sentinel النووي، والأنظمة الفضائية والسيبرانية، ستتوسع ميزانية البنتاجون لتغطية التكاليف.

لكن هذا لا يجب أن يكون هو الحال إذا أدى الكونجرس دوره الإشرافي، لأن العديد من هذه البرامج غير مجدية ومكلفة، وقد زادت التكاليف لبرنامج صاروخ Sentinel بنسبة 81% إلى 140.9 مليار دولار من التقدير الأصلي البالغ 77.7 مليار دولار، ولا زالت هناك بضع سنوات قبل أن يتم تثبيت الصاروخ الأول في قاذفاته، ومع ذلك، بالنظر إلى التأثير المالي الهائل، فإن هذه الإخفاقات الصارخة لا تكاد تُذكر في السياق العام، حسب المقال.

ويرى المقال أن الجهات البيروقراطية، وصناع الدفاع، وأعضاء الكونجرس، وأصوات الإعلام المدفوعة التي تروّج لمصالحهم، هم جميعًا “المؤسسة الأمنية القومية” الحقيقية، وختامًا ينصح المقال “الأجيال الأمريكية القادمة” أن يكونوا “يقظين”، ضد “الطبيعة الأنانية لهذه الآلية” التي تسعى إلى ملء جيوبها بدلًا من الحفاظ على سلامة وأمن الأمريكيين.

ربما يعجبك أيضا