لوكاشينكو والولاية السادسة.. أزمة مصير لـ”بيلاروسيا”!

كتب – حسام عيد

منذ ربع قرن، لا يزال ألكسندر لوكاشينكو على رأس الهرم الحاكم في بيلاروسيا “روسيا البيضاء”، فحتى اليوم يراهن على البقاء في السلطة، وبالفعل حدث ما كان يتمناه، ويكمل حكم البلاد لولاية سادسة.

لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي سفن “آخر ديكتاتور” في أوروبا، كما يوصف في القارة العجوز، فهو يواجه اتهامات من خصومه بالتضييق على الحريات والتلاعب بالنتائج. فهل تسطر الولاية السادسة الفصل الأخير في حقبة لوكاشينكو، أم سيمضي متجاهلًا المجتمع الدولي، باعتباره “رئيسًا شرعيًا” -بحسب قوله- جاء عبر صناديق الاقتراع؟!.

ولاية رئاسية سادسة

في يوم 9 أغسطس 2020، جرت انتخابات رئاسية في دولة بيلاروسيا، تنافس خلالها الرئيس الحالي ألكسندر لوكاشينكو مع سفيتلانا تيخانوفسكايا، أندريه ديميترييف، آنا كانوباتسكايا، وسيرجي تشيرتشن، تخللتها أعمال عنف واتهامات بالتزوير.

وفي اليوم التالي، أعلنت وكالة أنباء “بيلتا” الرسمية نتائج أولية تشير إلى فوز ألكسندر لوكاشينكو بــ80.23% من الأصوات، فيما حصلت المنافسة الرئيسية لـ”لوكاشينكو”، تيخانوفسكايا على 9.9% من الأصوات.

إلى أن حسمت لجنة الانتخابات المركزية ما سيؤول إليه المشهد السياسي في بيلاروسيا، بإعلانها فوز الرئيس الحالي ألكسندر لوكاشينكو بولاية رئاسية سادسة، بنسبة 80.1% من الأصوات، مقابل 10.12% من الناخبين لصالح منافسته الرئيسية، سفيتلانا تيخانوفسكايا، وجاء في البيان المرفق للجنة الانتخابات على موقعها الإلكتروني “بقرار من اللجنة تمت الموافقة على نتائج الانتخابات”.

لكن سرعان ما رفضت سفيتلانا تيخانوفسكايا الاعتراف بالهزيمة، في وقت كانت تشير فيه استطلاعات مستقلة إلى أن تيخانوفسكايا كانت متقدمة في النتائج.

وفي يوم 23 سبتمبر، أدى لوكاشينكو رسميًا اليمين الدستورية لولاية سابعة رئيسا لبيلاروسيا، رغم الجدل المثار حول نتائج الانتخابات.

احتجاجات وقمع

– بدأت الاحتجاجات بعد إعلان لوكاشينكو الذي يحكم البلاد منذ 1994 فوزه بالانتخابات، فيما اتهم مرشحو المعارضة الحكومة بتزوير الانتخابات، وقُتل شخص وأصيب العشرات في مينسك خلال تظاهرات ليل الأحد 9 أغسطس، نُظمت للاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا، وفق منظمة فياسنا غير الحكومية.

وخرج عشرات الآلاف فور إعلان نتائج الانتخابات، في العاصمة مينسك ومدن أخرى للتظاهر احتجاجًا على فوز لوكاشينكو بولاية سادسة.

فيما حشدت تيخانوفسكايا، وهي أم وربة منزل ومعلمة لغة إنجليزية سابقة تبلغ من العمر 38 عامًا، المعارضة خلال الحملة الانتخابية وجذبت عشرات آلاف المؤيدين إلى أكبر تظاهرات في الدولة السوفياتية السابقة منذ سنوات، والتي لجأت إلى ليتوانيا بعد توتر الأوضاع، حيث أعلن وزير الخارجية الليتواني ليناس لينكيفيسيوس، “لقد وصلت إلى ليتوانيا وهي بأمان”.

وشن الزعيم البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو حملة قمع قاسية ضد المتظاهرين، ما استدعى إدانة واسعة من الغرب، لكن أيضًا دعمًا من موسكو والصين له.

وفي 4 سبتمبر، دعت زعيمة المعارضة في بيلاروسيا سفيتلانا تيخانوفسكايا الأمم المتحدة إلى تقديم المساعدة، وفرض عقوبات على المتورطين في “تزوير الانتخابات” في بلادها وانتهاكات حقوق الإنسان في الدولة السوفيتية السابقة. كما دعت تيخانوفسكايا إلى إيفاد بعثة مراقبة أممية إلى بلادها “لتوثيق الوضع على الأرض”.

أما في 7 سبتمبر، اختطف رجال مجهولون يرتدون أقنعة زعيمة الاحتجاجات البيلاروسية ماريا كوليسنيكوفا من أحد شوارع وسط مينسك ونقلوها في شاحنة صغيرة.

وقد أعلنت وزارة الداخلية البيلاروسية يوم 24 سبتمبر أنه تم القبض على أكثر من 360 متظاهرًا بعد تنصيب ألكسندر لوكاشينكو رئيساً للبلاد لولاية جديدة.

ولم يوافق ممثلو المعارضة البيلاروسية، على نتائج الانتخابات الرئاسية، ليعلنوا بدورهم عن إنشاء مجلس تنسيقي لتداول السلطة.

وفي يوم 26 سبتمبر، حمل بعض المتظاهرين صور تيخانوفسكايا فيما هتف آخرون بعبارة “سفيتا رئيسة”، اختصاراً للاسم الأول لمنافسة لوكاشينكو.

وفي يوم 27 سبتمبر، أكدت المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكايا، في رسالة نشرتها على وسائل التواصل الاجتماعي دعمًا للمتظاهرين “إننا ملايين” مضيفة “سنفوز”.

تنديد أوروبي وعقوبات

ويلقب لوكاشينكو بآخر دكتاتور في أوروبا، ويحكم البلاد منذ أكثر من ربع قرن، وهذا ما دفع الاتحاد الأوروبي للتنديد بإعلان فوزه في الانتخابات الأخيرة، ووصفها بأنها “غير حرة ولا نزيهة”، كما أدان مرارًا بعنف الشرطة ضد المتظاهرين.

وفي يوم 14 أغسطس، دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الاتحاد الأوروبي، إلى فرض عقوبات ضد من ينتهكون القيم الديمقراطية في بيلاروسيا.

وفي 31 أغسطس الماضي فرضت دول البلطيق عقوبات على 30 مسؤولًا من بيلاروسيا، وفُرض حظر دخول لمدة خمس سنوات على الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو ووزراء الداخلية والعدل والمدعي العام وكذلك ممثلين عن الإدارة الرئاسية واللجنة المركزية للانتخابات ووكالات الأمن القومي.

كما أعد الاتحاد الأوروبي لائحة بنحو 40 شخصًا ينوي فرض عقوبات عليهم لدورهم في تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا في 9 أغسطس، وفي قمع التظاهرات ضد نظام الرئيس ألكسندر لوكاشينكو.

وفي يوم 23 سبتمبر، أعلن الاتحاد الأوروبي عدم اعترافه بشرعية الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، ولا بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في البلاد.

ورأت الحكومة الألمانية أن “السرية” التي أحيطت بحفل التنصيب “تكشف” عن نقاط ضعف النظام، وأنه بسبب الافتقار إلى “الشرعية الديمقراطية”، فإن برلين لا تعترف بإعادة انتخاب لوكاشينكو.

وفي 25 سبتمبر الجاري وسعت دول البلطيق تلك القائمة لتشمل 100 مسؤول بيلاروسي.

وفي 28 سبتمبر، أعلن رئيس المجلس الأوروبي الذي يمثل دول الاتحاد الأوروبي الـ27، شارل ميشال أنه يأمل التوصل لاتفاق بشأن فرض عقوبات على السلطة في بيلاروسيا، خلال قمة مقررة 1 و2 أكتوبر.

مشاحنات بين لوكاشينكو وماكرون

فوز لوكاشينكو بولاية رئاسية سادسة في بيلاروسيا، دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وصف ما يحدث بأنه “أزمة سلطة استبدادية”.

وفي يوم 27 سبتمبر، طالب رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتعامل مع أزمات بلاده الداخلية، وذلك ردا على دعوة ماكرون له بالتنحي.

وفي يوم 28 سبتمبر، دعت زعيمة المعارضة البيلاروسية سفيتلانا تيخانوفسكايا، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “لأن يكون الوسيط الذي نحتاج إليه بشدة” لتسوية الأزمة في بيلاروسيا.

رفض أمريكي وتهديد بعقوبات إضافية

ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فرضت عقوبات على لوكاشينكو في أعقاب الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا عام 2006 بدعوى تورطه في “انتهاكات لحقوق الإنسان مرتبطة بالقمع السياسي”، وفي عام 2008، طردت بيلاروسيا السفير الأمريكي، بعد تشديد العقوبات الأمريكية؛ إلا وكأن لوكاشينكو يمارس سياسة غض الطرف عن رد فعل واشنطن وعقوباتها تجاهه وتجاه نظامه ومسؤوليه.

وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يوم 9 سبتمبر، إن الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات جديدة ضد بيلاروسيا، على خلفية الوضع المتعلق بإحدى قادة الاحتجاجات في بيلاروسيا ماريا كوليسنيكوفا.

وفي يوم 23 سبتمبر، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، عدم اعترافها بشرعية رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، بعد ساعات من أدائه اليمين الدستورية.

وقالت مورجان أورتاجوس، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، في بيان: “انتخابات 9 أغسطس(في بيلاروسيا) لم تكن حرة ولا عادلة.

والنتائج المعلنة زائفة ولا تضفي أية شرعية”، وشددت على “ضرورة أن تشهد بيلاروسيا حوارًا وطنيًا يمنح الشعب الحق في اختيار قادتهم من خلال انتخابات نزيهة تخضع للرقابة”.

دعم روسي وصيني لـ”لوكاشينكو”

وعلى عكس الرفض الأوروبي والأمريكي لما يحدث في بيلاروسيا وتنصيب لوكاشينكو رئيسًا لفترة سادسة، شدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ون بين، يوم 24 سبتمبر، على أن “الصين تدعم جهود بيلاروسيا لضمان استقلال الدولة وسيادتها وأمنها القومي وتنميتها، وتعارض القوى الخارجية التي تؤدي إلى الانقسام والاضطراب في المجتمع البيلاروسي”.

وفي 29 سبتمبر، أكد الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​، أنه في ظل ظروف الضغط الخارجي غير المسبوق على بيلا​روسيا​ بعد ​الانتخابات الرئاسية​، فإن العلاقات بين البلدين ليست خاضعة للظروف ولديها أساس متين، مؤكدا أن “البلدين يعملان بشكل مشترك على حل قضايا بناء الدفاع، ومواجهة التحديات والتهديدات الحديثة الحادة”.
 

ربما يعجبك أيضا