ماذا فعل الإسلام السياسي وجماعة الإخوان في أوروبا؟

سحر رمزي

رؤية – سحر رمزي

أمستردام – انتهت، أمس السبت، فعاليات المؤتمر الإسلامي الدولي بإيطاليا “الإسلام والإسلام السياسي في أوروبا”، الذي عُقد بقصر سان جيورجو ماجيوري في مدينة البندقية على مدار يومي الجمعة والسبت الماضيين.

وناقش المؤتمرون من وجهة نظر أوروبية واقع المسلمين في أوروبا وماذا فعل الإخوان المسلمين، والإسلام السياسي في أوروبا، كذلك واقع تيار الإسلام السياسي الأكثر حضورا وقوة في الساحة الأوروبية، وتأثيره على المجال الإسلامي هناك.

أيضا ناقش الحضور موضوع “الإسلام الأوروبي”، وذلك من خلال محاور الإسلام والإسلام السياسي في أوروبا، التاريخ والتغيرات؛ وأيضا التنظيمات، التصورات والاستراتيجيات؛ ومن حيث” المسارات والتحولات والتكيف”؛ وكذا الإسلام السياسي، وإشكالية الاندماج في الدول الأوروبية.

ونظم المؤتمر كل من  معهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الرباط، جامعة بادوفا، مؤسسة تشيني، جامعة بيومنتي أورينتالي والمركز الجامعي للثقافة والقانون والأديان، إيطاليا.

جاء المؤتمر بمشاركة العديد من المفكرين والباحثين المتخصصين في موضوع الإسلام والإسلام السياسي، منهم رضوان السيد من لبنان، وعبد الله السيد ولد أباه من موريتانيا، ومحمد بن صالح ومحمد المعزوز من المغرب، ومحمد لويزي من فرنسا، وماهر فرغلي من مصر، ومجموعة من الباحثين الأوروبيين من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا.

إخوان أوروبا وتبني مشروع حسن البنا بدعم القطري!

تناولت “فاميتا فينر”، باحثة في العلوم السياسية بفرنسا، استراتيجية الإخوان في أوروبا التي تطورت كثيراً، خاصة في العقد الأخير، بمقتضى الدعم  الخارجي الذي توصلت به فروع الجماعة، وبالدرجة الأولى الدعم القادم من قطر مثلاً، بحكم علاقتها مع الجماعة.

وقالت: إنه عندما تم إسقاط الرئيس الأسبق حسني مبارك من الحكم بمصر، تمت معاينة الحضور الإخواني الكبير في المنابر الإعلامية المدافعة عن الثورة، بخلاف مرحلة ما قبل إسقاط مبارك، وكان هذا سببا وراء إطلاق منصة إلكترونية تهم الساحة الفرنسية باسم “إخوان أنفو”.

وأكدت الباحثة الفرنسية قائلة “لدينا متابعة كبيرة لموقع إخوان أنفو، ونشتغل على المشهد الإخواني في فرنسا على الخصوص، وفي أوروبا وأمريكا والمنطقة العربية، مع مشاركة باحثين وإعلاميين”.

وأشارت إلى أنه إضافة إلى الحضور الإخواني النوعي والبارز في فرنسا، هناك حضور نوعي أيضاً في ألمانيا، على اعتبار أن ما يقوم به طارق رمضان اليوم، يصب في تحقيق ما سعى إليه حسن البنا وبعده المودودي، من خلال استحضار تجربة تأسيس دولة إسلامية من الهند.

أسباب عدم الاندماج

في مداخلة لـ”أوغستين موتيا”، أستاذ باحث في القانون العام الدولي بجامعة كارلوس الثالث بمدريد، خلال الجلسة الثالثة من المؤتمر، أكد فيها أن الإسلام هو الديانة الثانية في إسبانيا، وحوالي 80 % من مسلمي إسبانيا أتوا من المغرب، إضافة إلى أن حوالي 6000 إسباني اعتنق الإسلام حسب ما نشر في موقع اسلام مغربي .

وقال: إن اللجنة الإسلامية في إسبانيا تعتبر من أهم مُمثلي المسلمين في هذا البلد أمام السلطات الحكومية، إلى جانب اتحاد المنظمات الإسبانية، مع الإقرار بوجود تناقض بين مضامين الاتفاق الذي يجمع هذه الجمعيات مع الدولة وبين الواقع .

ولفت الباحث الانتباه إلى أن الحكومة السعودية حاولت أن تؤثر على المسلمين في إسبانيا عبر بناء المساجد، ودعم الأئمة، فكانت النتيجة هي التأسيس لمدارس إسلامية وهابية لا تختلف كثيراً عن المدارس السعودية فيما تدرسه من مناهج .

وحاولت الحكومة المغربية -حسب الباحث- التأثير على الإسلام في إسبانيا، خاصة أن أغلب مسلمي إسبانيا من المغرب، وقد نظمت عدة لقاءات رسمية بين المغرب وإسبانيا في إطار دعم وحماية المسلمين الإسبان من التأثيرات الدينية البعيدة عن المذهب المالكي.

وأشار أوغستين موتيا، إلى أن هناك تحديا يتعلق بتوقف التدخل الأجنبي للتأثير على مسلمي إسبانيا، مضيفا أن هذا أمر صعب، لأنه في حالة التصدي للإرهاب مثلاً، فإن أغلب المبادرات النوعية في إسبانيا يكون مصدرها التنسيق الأمني مع المغرب الذي يمد الإسبان بمعطيات هامة في الملف.

طرق صوفية أوروبية

وتحدث فرانشيسكو بيراينو، أستاذ باحث علم الاجتماع الديني والثقافي والسياسي بجامعة لوفان بلجيكا، عن طرق صوفية أوروبية التي تدين بالولاء على الخصوص للشيخ يحيى بالافيتشيني والشيخ خالد بنيونس والشيخ حمزة البودشيشي وشيخ الطريقة النقشبندية.

وتعتبر الطريقة العلوية الصوفية -حسب الباحث- من أهم الطرق الصوفية في الساحة الأوروبية، ويقودها اليوم الشيخ خالد بن يونس، ولديها فروع في المغرب والجزائر وتونس وفرنسا وكندا وغيرها من الدول.

وتضم الطريقة البودشيشية مجموعة من الأسماء البارزة، منها المفكر فوزي الصقلي ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية أحمد التوفيق، وأصبحت طريقة عالمية، حيث يوجد لها العديد من الأتباع في أمريكا وفرنسا وبالطبع في المغرب.

وحسب “فرانشيسكو”، فإن البودشيشية لديها مناهج كثيرة ومؤتمرات، ولكن تركز على خيار التجربة الفردية والذكر الفردي أو الجماعي، فهي تواجه في المنطقة المشروع السلفي، ومنخرطة في الإصلاح الديني، لأنها تدافع عن تدين معتدل ومنفتح، وهي طريقة سنية ومالكية وأشعرية بالدرجة الأولى، ولديها عدة أسماء بحثية ونخبوية، كما أن أداء الطريقة مختلف في أوروبا مختلف، ومن أبرز رموزها شكيبة الخياري (من أصل جزائري) والمغني الفرنسي الشاب مالك.

ويخلص الباحث إلي ان الخطاب الصوفي يدافع عن التعددية والتنوع، كما يرفض الخطاب الديني المنغلق على الطوائف والجماعات، وهكذا فالإصلاح الصوفي، أشبه بحركة استباقية وأشبه بإسلام متقدم على الخطاب الإسلامي المجسد في الجماعات الإسلامية.

الإسلاموفوبيا

من جانبه قال طاهر عباس، أستاذ باحث في الإسلام السياسي بكلية لندن للاقتصاد بالمملكة المتحدة، إنه عندما الحديث عن التطرف لا نقصد به الدين، لكن عندما يتعلق الأمر بالمسلمين، فإنه يتم التركيز تحديداً على الفاعل الديني، ومن هنا يظهر أحد أسباب ظاهرة الإسلاموفوبيا، ومعه التميز العنصري.

وأكد الباحث، خلال الجلسة الثانية التي ترأستها إدا زيليو غراندي، أستاذة باحثة في الدراسات الإسلامية بجامعة فينيزيا كافوسكاري فينيزيا بإيطاليا، أن حقيقة الإسلاموفوبيا تتجلى في أنها تتعرض للاستغلال من طرف كل الأطراف، محلية وإقليمية ودولية، مشيرا إلى أنه على المستوى المحلي، نعاينها خاصة في المناطق الفقيرة التي تواجه المشاكل الاقتصادية، وتتصارع مع بعضها البعض على المستوى الاجتماعي، وهذا أمر يبعث على السخرية في الواقع، حسب قوله.

أما على مستوى التعليم والعدالة والصحة، يضيف طاهر عباس، أن هناك معاناة للمسلمين في بريطانيا، وهذه إحدى أسباب وجود الإسلام السياسي هناك، مستنتجا أن العودة إلى الإسلام الثقافي قد تؤدي إلى مشاركة أكبر للمواطنين المسلمين في المجتمع.

وقال: إن الإسلاموفوبيا هي نتيجة لسياسات معينة، وبالتالي فإن المشكلة ينبغي النظر إليها من عدة أوجه، ومن ذلك استحضار الأسباب الخارجية الدافعة للتطرف، خاصة أنه يتم اختزال التطرف في حقبة ما بعد أحداث 11 سبتمبر، بينما الظاهرة كانت في أوائل التسعينيات، من خلال الحرب الأفغانية الأولى، وحرب البوسنة والهرسك، وكذلك الحرب العراقية.

سلاح الإخوان نفي دين الآخر

وفي سياق آخر نشر موقع مؤمنون بلا حدود الذي شارك في تنظيم المؤتمر دراسة هامة للكاتب محمد برهومة حول  طريقة  التأثير على الشباب المسلم بأوروبا من قبل جماعة الاخوان المسلمين ومحاولة، حظر الاتصال بالمسيحيين، نفي دين الآخر. ثم حظر التواصل مع الجماعات الأصولية الأخرى، وتخطئتها.

وبعد هذا العزل الذهني، يعوم الفرد في محيط الكراهية لكل ما يقع خارج الجماعة، ولا عجب بعد هذا أن تتولد سلسلة من أفعال العنف والتدمير عقدة الشعور بالذنب تقود المسلم إلى التشدد والتديّن الطقوسي.

المشاركة في قناعات بعض الأحزاب والأطراف الدينية لا تكون هي الطموح الأخير، فالطموح والاندفاع إلى فرض تفكير سَلفي وسلوكيات متطرفة على الناس من قبل أصحاب المشاريع الإسلامية – التي كان سبيلها السلاح في بسط تعاليم الدين بالقوة والذين يستندون بها إلى نصوص قرآنية وأحاديث نبوية وسير السَلَف من الصحابة – جعل من طبيعة المشاركة السياسية خطوة تحفها المحاذير من قبل الشركاء السياسيين من الأطراف الأخرى.

إن التوجس من العنف والعنف البديل من جماعة الأحزاب السياسية الإسلامية المتطرفة جعل من علاقة الإسلام السياسي والمتحزبين باسمه بغيرهم من الشركات علاقة اقتتال وتنافر، فلم يعد الوطن والمصالح المشتركة والمصلحة العامة سبباً في تفهم طبيعة العملية السياسية، فلم تكن الأنظمة السياسية القائمة مؤسسة على مبدأ الشراكة ولم تكن تنبع من قيم دينية، فالطابع القومي الشمولي والأنظمة الدكتاتورية ساعدت في تأسيس ميليشيات وعناصر مسلحة وأجنحة عسكرية لكثير من الأحزاب الإسلامية في العالم الإسلامي والعربي.

فبين قول التأسيس الذي استند إليه كثير من الحركات الراديكالية والمتطرفة والسلفية، وبين الممارسات التي تبيح استعمال القوة والعنف والإرهاب مع أعدائه، فشل الإسلامي السياسي في تحقيق تعاليم الدين، وأصبح أعداءُ الإسلام السياسي مجهولين، وذلك من أجل تسويغ كلّ الممارسات الخسيسة مع أي جهة.

فضلاً عن خلق الأعداء من أجل اتساع دائرة الاتهام والسيطرة كيفما شاء أو يصنعه بشكل وهمي أو واقعي وتزيد من عمق الهوة بينها وبين الآخر بما يحقق مصالحه الخاصة التي يُفهم بها الإسلام وتطبيقه والذي يتعارض وعلى وفق أجندتها مع كثير ممن يفهمون الإسلام وفاعليته بطريقة عقلانية تؤسس من خلاله على الحوار والتسامح واللاعنف، والتي تتفق مع قيم المدنية ومفهوم الدولة الحديث.

ربما يعجبك أيضا