مثقفو الغرب يرفضون قرار ترامب بشأن القدس

شيرين صبحي

رؤية
واشنطن – حالة من التشاؤم بين المثقفين الغربيين جراء تصاعد اليمين المتطرف وتزايد خشونة السرد السياسي الشعبوي، فالرأي العام الثقافي في الغرب يرفض ويعارض في أغلبه قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
 
واعتبرت مثقفة أمريكية بارزة مثل الكاتبة والباحثة روبين رايت -في طرح بمجلة “نيويوركر” ذات المضمون الثقافي الرفيع المستوى- أن “الخطوة التي أقدم عليها ترامب مؤخرا إنما تخرب ما يتبناه من أفكار بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط”.
 
وأضافت “رايت” وهي صاحبة عدة كتب عن منطقة الشرق الأوسط وقضايا العالم الإسلامي أن ترامب بإعلانه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل واعتزامه نقل السفارة الأمريكية للمدينة “خرج على كل ما التزمت به الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين على مدى نحو 70 عاما”، وفقا لوكالة أنباء الشرق الأوسط “أ ش أ”.
 
وبذلك يشكل قرار ترامب خروجا سافرا على قواعد استقرت في الثقافة السياسية الأمريكية، بقدر ما ضرب عرض الحائط بنداءات وجهتها شخصيات تنتمي للديانات السماوية الثلاث لعدم الإقدام على هذه الخطوة ومن بينها –كما توضح روبين رايت- مجموعات أمريكية يهودية.
 
ويبلغ التشاؤم مبلغه مع ما كتبه الروائي الأمريكى الكبير جوناثان فرانزن في معرض تقييمه لدونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة بعد نحو عام واحد من انتخابه حيث رأى أن “الوقت بات متأخرا جدا لإنقاذ العالم”.
 
وبشدة انتقد صاحب روايات شهيرة في الأدب الأمريكي والعالمي مثل “التصحيحات” و”حرية” و”نقاء”، مواقف دونالد ترامب حيال قضايا تهدد الكوكب الأرضي مثل تغير المناخ والاحتباس الحراري فيما يحظى ما يكتبه جوناثان فرانزن بإشادة المعلقين في الصحافة الثقافية الغربية معتبرين أنه “يعبر عن دور المثقف في أوقات الأزمات والشدائد”.
 
ولئن كانت مثقفة فلسطينية بارزة هي الدكتورة حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية قد رأت أيضا في طرح بصحيفة “نيويورك تايمز” أن الرئيس الأمريكي يرتكب خطأ كبيرا في حق القدس ويخرج على ما درجت عليه سياسات الولايات المتحدة واستقرت عليه لقرابة الـ70 عاما حيال هذه المدينة بكل رمزيتها، فإن هناك من المثقفين في الغرب من يحاول تفسير مثل هذا الخروج في كتب جديدة.
 
وفي كتاب جديد صدر بالإنجليزية بعنوان “أمريكا البديلة: صعود اليمين المتطرف في عصر ترامب”، يعيد المؤلف ديفيد نيويرت للأذهان أن أحد أسباب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية التي جعلت منه “الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة”، يتمثل في تأييد ما يعرف “بالتيار المسيحي الصهيوني المنتمي لأمريكا البيضاء”، وهو تيار يتبنى رؤى عقائدية داعمة بشدة لتهويد القدس كعاصمة لإسرائيل التوراتية، غير أنه يلقى معارضة من جانب المثقفين الليبراليين الأمريكيين ومن بينهم من ينتمي لعائلات يهودية.
 
كما يوضح الكاتب ديفيد نيويرت أن اليمين العنصري المتطرف والذي تنامى في الولايات المتحدة منذ بدايات العقد الأخير للقرن العشرين يشكل قاعدة داعمة لدونالد ترامب كما شكل قاعدة انتخابية له حسمت فوزه في الانتخابات الرئاسية رغم أن الحزب الجمهوري ذاته كان مترددا في ترشيحه في تلك الانتخابات التي أجريت يوم الثامن من نوفمبر في العام الماضي.
 
ويأتي قرار ترامب بشأن القدس ليثير المزيد من المخاوف القائمة أصلا لدى قطاع عريض من المثقفين في الغرب ومن بينهم مؤلف هذا الكتاب ديفيد نيويرت جراء توجهات القوى التي تقف خلف إدارة دونالد ترامب وتبني دعاوى عنصرية فجة لاحياء أسطورة تفوق العرق الأبيض وخطاب الكراهية حيال “أمريكا السوداء ناهيك عن المهاجرين المكسيكيين ووصم الثقافة المكسيكية بأنها منحرفة فضلا عن القادمين من العالمين العربي والإسلامي”.
 
وحتى لو لم يكن دونالد ترامب ذاته يؤمن بكثير من هذه الدعاوى ذات الطابع العنصري الفج، فالإشكالية تكمن في احتياجه سياسيا لدعم القوى والتيارات التي تتبنى مثل هذه الدعاوى وبعضها تروج لما يعرف “بالإسلاموفوبيا” أو بث مشاعر الخوف والكراهية والتحامل على المسلمين، فيما يرى ديفيد نيويرت أن جوهر ظاهرة اليمين الشعبوي المتطرف “ثقافي أكثر مما يعود لأسباب اقتصادية”.
 
ومن المثقفين الرافضين أيضا لقرار ترامب الكاتب والفنان الكوميدي الأمريكي ستيفن كولبيرت الذي سخر من قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل بقدر ما حذر بجدية من خطورة تبعات وعواقب هذا القرار على مفاوضات السلام لحل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، واستعادة السلم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بينما اعتبر زميله الكاتب والممثل الساخر القادم من جنوب أفريقيا تريفور نواه أن تنظيما إرهابيا مثل داعش هو المستفيد من هذا القرار.
 
أما الطريف حقا فهو ما ذكره الكاتب والممثل الأمريكي الكوميدي أندي بورويتز في مجلة “نيويوركر” تعليقا على قرار ترامب بشأن القدس، وهو أن “أغلب الأمريكيين يؤيدون انتقال دونالد ترامب نفسه للقدس بعيدا عنهم بينما لا تمانع نسبة أقل في انتقاله إلى بلدان مثل روسيا أو الفلبين أو حتى القطب الجنوبي”.

ربما يعجبك أيضا