مجلس العلاقات الخارجية | تحالف «أوكوس» الثلاثي يعزز السيطرة الجوية الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ

شهاب ممدوح

رؤية

ترجمة – شهاب ممدوح

إن خطوات إدارة بايدن المتمثلة في تعزيز العلاقات الدبلوماسية والعسكرية مع أستراليا، ومشاركة تكنولوجيا الغواصات الأمريكية والبريطانية العاملة بالطاقة النووية، عبر إنشاء تحالف “أوكوس” الدفاعي، تحظى باهتمام كبير وسط خبراء الأمن الوطني. وبالرغم من أن الاتفاق الثلاثي الخاص بتكنولوجيا الغواصات جذب بشكل مفهوم الاهتمام الأكبر، إلا أن هناك العديد من الجوانب التكتيكية والثنائية للشراكة بين أستراليا والولايات المتحدة، التي يمكن أن يكون لها تداعيات مهمة، لا سيما في المجال الجوي. عبر تحركات تعاونية ودبلوماسية، من المتوقع أن تعزز الولايات المتحدة قدرتها على المنافسة استراتيجيًّا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

في السادس عشر من سبتمبر، أوضح وزير الدفاع الأمريكي “ليود أوستين” أن المبادرات المرتبطة بشراكة “أوكوس” هدفها القيام بـ “تطوير مشترك لقدرات دفاعية متطورة” مع أستراليا. وأكد وزير الدفاع الأسترالي “بيتر دوتون” أهمية الهدف الاستراتيجي من اتفاق “أوكوس” عبر إشارته إلى جهود هدفها “تعزيز التعاون المتعلق بوضع قوتنا، وزيادة التشغيل المتبادل، وتعميق أنشطة التحالف في المحيطين الهندي والهادئ”. ستتضمن هذه الأنشطة التحالفية المتعمقة “عمليات انتشار تناوبية لجميع أنواع الطائرات العسكرية الأمريكية في أستراليا”. كما أكد قائد القوات الجوية الأمريكية في المحيط الهادئ مؤخرًا على أهمية هذا الهدف الاستراتيجي، متحدثًا عن وجود استعداد لإرسال جميع الطائرات الأمريكية المتوفرة في المنطقة، بما فيها طائرات إف35 المقاتلة من الجيل الخامس، إلى أستراليا كجزء من توسيع عمليات الانتشار التناوبية. إن نشر هذه الطائرات سيكمّل “قوة التناوب البحرية- داروين” الحالية، وهي عبارة عن مفرزة مكوّنة من 2.500 جندي مارينز أمريكي موجودين ضمن عمليات انتشار تناوبية لمدة ستة أشهر في أستراليا.

إن عمليات الانتشار المتواصلة والتناوبية لطائرات عسكرية أمريكية من جميع الطرازات والأنواع في أستراليا، من المرجح أن تعزز الموقف الأمريكي في المنافسة الاستراتيجية في المحيطين الهندي والهادئ بثلاثة طرق. التأثير الأول وربما الأكثر الأهمية هو تمكين القوات الجوية الأمريكية من ممارسة وتحسين مفهوم “الاستخدام القتالي الرشيق” (Agile Combat Employment). وهو مفهوم مصمم لإرباك عمليات الاستهداف التي يقوم بها الخصم عبر استخدام مطارات متعددة في منطقة واحدة لتوزيع القوات الجوية واستخدام القوة القتالية من مناطق متعددة. تتراوح تلك المطارات الجوية المحتملة بين مطارات دولية كبيرة وصولًا إلى مهابط جوية متقادمة. إن امتلاك الولايات المتحدة القدرة على توزيع قوتها العسكرية، هو اعتراف ضمني منها بأن مفهوم وجود مركز عمليات جوي مركزي وثابت جرى استخدامه في صراعات ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في العقدين الماضيين- على سبيل المثال، قاعدة “رامستين” الجوية في ألمانيا، وقاعدة العُديد الجوية في قطر، وقاعدة باغرام الجوية في أفغانستان- ربما يكون أقل فعالية ضد التهديدات الحالية التي تواجهها الولايات المتحدة.

إن مفهوم “الاستخدام القتالي الرشيق”، الذي نشأ منذ خمس سنوات مضت للتصدي للتقدم التكنولوجي الذي أحرزته قوى منافسة مثل الصين، يعتمد على شبكات من دول شريكة ترحب بتدريبات التحالف داخل حدودها. وبالرغم من المسافة الجوية الكبيرة الفاصلة بين أستراليا والصين، إلا أن الأولى تقدم مجموعة متنوعة من البدائل التي يمكن أن تكون منصة لانطلاق عمليات “الاستخدام القتالي الرشيق” ضد الصين. علاوة على هذا، فإن مواقع “الاستخدام القتالي الرشيق” في أستراليا ستقدم خيارات إضافية لعمليات إعادة الإمداد اللوجيستي التي تكون على مسافة أبعد، ما يجعلها أقل عرضة للهجوم، مقارنة مع خيارات حالية في اليابان وكوريا وغوام. باختصار، وكما خلُص الباحث “ديريك سولين” فإنه “كلما زاد عدد الدول التي تستضيف وحدات عسكرية موزعة، تعاظمت المعضلة التي ستواجهها بكين”.

هناك تأثير محتمل ثانٍ لانتشار الطائرات العسكرية الأمريكية في أستراليا ضمن تحالف “أوكوس”، ويتمثل هذا في تحسّن التشغيل المتبادل بين جيشي البلدين. وكما تعلمنا من تجارب “حلف شمال الأطلسي”، من بينها صراعات في ليبيا وأفغانستان، فإن عمليات التحالف العسكرية تواجه تحديات معقدة، كما أن هناك عراقيل أمام الفعالية العسكرية، بالرغم من تدريبات التحالف القاسية داخل حلف الناتو. عبر تنظيم عمليات انتشار الطائرات المتناوبة والأفراد المرتبطين بها في أستراليا، يكون البلدان قد أسسا إطار عمل هدفه التخفيف من تحديات التشغيل المتبادل عبر تدريبات وتبادل التكتيكات والإجراءات. علاوة على هذا، ونتيجة لأن مخزون القوات الجوية الملكية الأسترالية يتضمن الكثير من الطائرات التي تشغلها الولايات المتحدة، فان صيانة هذه الطائرات ودعمها لوجستيًا سيستفيدان من مبدأ “وفورات الحجم” (Economies of scale). كما أن التشغيل المتبادل سيعمل أيضًا كعامل مُضاعِف للقوة لأصول القوات الجوية الملكية الأسترالية، التي تعتمد الآن بشكل كبير على قدرات إعادة التزود بالوقود الأمريكية لزيادة مداها.

هناك فائدة ثالثة محتملة مهمة ستحصل عليها القدرات الجوية الأمريكية من اتفاق “أوكوس” وتتمثل في توسيع نطاق “تصاريح الوصول والتمركز والتحليق” في المنطقة. إن تصاريح الوصول والتمركز والتحليق هي افتراض موحد للتخطيط في حالات الطوارئ، لكن وكما تعلمت الولايات المتحدة من تجربة عامة 2003 (وذلك عندما أُجبرت على تعديل خططها القاضية باتخاذ تركيا كنقطة انطلاق لشنّ هجوم من الشمال على العراق) فإن تصاريح الوصول والتمركز والتحليق غير مضمونة إطلاقا. لكن اتخاذ أستراليا “خيارًا استراتيجيًا واضحًا” عبر مصادقتها على شراكة “أوكوس”، يجعل منها عمليًّا طرفًا في المنافسة المتصاعدة مع الصين. إن هذا القرار يجعل تصاريح الوصول والتمركز والتحليق الممنوحة للولايات المتحدة في أستراليا افتراضًا معقولًا في المستقبل، وربما يكون هذا القرار رادعًا لسلوك بكين في المنطقة.

في النهاية، لا ينبغي أن يقلل المرء من أهمية الاتفاق على مشاركة تكنولوجيا الغواصات الأمريكية والبريطانية العاملة بالطاقة النووية عبر إنشاء تحالف “أوكوس”. ربما تساهم هذه التكنولوجيا في نهاية المطاف في إنشاء حليف بحري يتمتع بقدرات فريدة في المحيطين الهندي والهادئ، كما ينبغي أن يكون المرء مُدركًا للنتائج العميقة والمباشرة لتحالف “أوكوس”، لا سيما في مجال القوة الجوية. إجمالا، تمثل هذه العناصر المهمة في الاتفاق الأمني الثلاثي خطوة كبيرة للأمام في جهود واشنطن لضمان وجود ردع متكامل يساعدها على فرض السيطرة في زمن التنافس الاستراتيجي.   

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا