مجلس تحليل السياسات الأوروبية| الرابحون والخاسرون في جنوب القوقاز

مترجمو رؤية

رؤية

ترجمة: آية سيد

في أعقاب حرب قره باغ الثانية، يقبل الكثير من المحللين ادعاءات روسيا بالنجاح في جنوب القوقاز دون تمحيص. الحقيقة هي أن لعب “ورقة حفظ السلام” قد يدل على التراجع الجيوسياسي النسبي لموسكو في المنطقة.

بينما تستقر الأمور بعد حرب قره باغ الثانية، يمكننا البدء في بيان الرابحين والخاسرين الحقيقيين في الصراع.اندفع بعض المحللين وأعلنوا أن روسيا هي الرابحة، وأبدوا إعجابهم باستغلال فلاديمير بوتين لصالحه صراعًا لم يَبْدُ وأنه يتوقع حدوثه. تتمركز قوات حفظ السلام الروسية الآن في الأراضي المتنازع عليها، وهو شيء رغب فيه الكرملين منذ وقت طويل.

ربما يكون هذا صحيحًا. لكن موسكو ستواجه متاعب متعددة نتيجة لـ”ربحها”، وفي القريب العاجل، ستصبح قضية الأذريين النازحين العائدين إلى المناطق المستعادة حول قره باغ عملية يصعب اجتيازها. وحفظ السلام على طول الخط الفاصل بين الجانبين الأرميني والأذري، الذي يمتد الآن بين شوشا وعاصمة قره باغ ستيباناكيرت، لن يكون سهلًا بالمرة. إن قُرب الجانبين ربما يُسفر عن فرص لاستفزازات كثيرة.

وفي حين أن أرمن قره باغ مسرورون بعد الهزيمة المؤلمة لإشراف روسيا على تطبيق الوضع الراهن الجديد، إلا أنهم يواجهون الحقيقة المزعجة بأن اتفاق السلام نفسه ربما يمثل هدنة طويلة. وينص الاتفاق على أن كلًا من أرمينيا وأذربيجان يمكنهما الاعتراض على تمديد الاتفاقية بعد خمس سنوات، ومن المرجح أن تزداد باكو على وجه التحديد قلقًا من الاتفاقية. وعلى الرغم من أن علييف كان ممتنًا دون شك لصبر موسكو خلال الحرب، فمن المرجح أن يزداد الاستياء بين السكان من التواجد العسكري الروسي الجديد داخل حدود أذربيجان. 

إن مصدر القلق لموسكو على المدى الأطول هو أن الدولة العضو في الناتو، تركيا، أصبحت مجددًا لاعبًا عسكريًّا في جنوب القوقاز، ويُقال إن تركيا تفكر جديًّا في إرسال قواتها إلى أذربيجان. قبل الحرب، كان هذا أمرًا غير وارد؛ حيث لم تكن السلطات في باكو ترغب في وجود قوات تركية على الأرض تعكر صفو علاقتها التبادلية مع الكرملين، لكن في ظل تمركز الروس الآن في قره باغ، يصبح وجود القوات التركية كثقل موازن أكثر إغراءً. والأهم من ذلك، لا تمتلك روسيا الآن وسائل كثيرة لإحباط التواجد التركي الناشيء.

لقد استفادت تركيا بطرق أخرى. إن الممر المتفق عليه الذي يربط نخجوان ببقية أذربيجان عبر الأراضي الأرمينية، يعد بمنح أنقرة طريقًا آخر للوصول إلى بحر قزوين، وهو طموح قائم منذ القِدم لدى القوميين الأتراك منذ زمن أتاتورك. لقد منحت معاهدة قارص (1921) – التي جرى التفاوض عليها بعناية – تركيا ممرًا بريًّا مباشرًا إلى نخجوان، وشهد تبادل الأراضي الخاص مع إيران في الثلاثينيات تخلي الشاه عن المطالبة بهذه المنطقة. وينعكس مدى الجدية التي يأخذ بها الأتراك هذه الطموحات في إعلان أنقرة إنشاء خط سكة حديد وخط أنابيب غاز إلى الإقليم.

إن روسيا وإيران على علم بما يحدث. لقد نظرت كلتاهما على مدار التاريخ إلى بحر قزوين كملكية مشتركة بينهما. وعلاوة على هذا، سعتا إلى استعراض نفوذهما على أذربيجان، التي من المقرر أن تخدم كبلد عبور لممر النقل بين الشمال والجنوب الذي يمتد من الخليج العربي إلى البلطيق. وفي ظل صعود تركيا على المستوى الإقليمي، تتغير الحسابات.

مع هذا، تظل الكثير من الأسئلة حول ممر نخجوان بلا إجابات: هل سيُفتح المسار فقط للأتراك والأذريين؟ كيف سيُدار الممر؟ ما نوع رسوم العبور التي ستطلبها يريفان من أجل الموافقة على الترتيب الجديد؟ وما نوع العقبة التي ستخلقها إذا لم تشعر بالرضا؟ ونظرًا لجوانب الغموض هذه، من المستبعد أن تُخصص أذربيجان وتركيا موارد مالية ضخمة على الفور لإعادة بناء الروابط عبر الأراضي الأرمينية، غير أنه في المدى الأبعد، هناك فرصة كبيرة لإعادة تنظيم تدفقات التجارة عبر جنوب القوقاز. 

وبالنسبة إلى روسيا، فإن التواجد العسكري التركي في أذربيجان مكافئ لتواجد الناتو العسكري في فنائها الخلفي. ولا شك أن البعض في الكرملين يرون تحفظ الغرب على الصراع تشجيعًا ضمنيًّا للطموحات التركية، حيث يرونها متماشية مع الاستراتيجية الغربية الأوسع. ولأسباب متعلقة بترابط شبكات الطاقة فقط، ربما يكونون على حق. فعلى الرغم من كل الحديث الشجاع عن النفوذ الروسي المتزايد في جنوب القوقاز، يمكن وصف تواجد القوات الروسية بأنه مجرد محاولة بائسة للاحتفاظ بموطئ قدمها التقليدي في المنطقة.  

في واقع الأمر، لو كانت روسيا تلعب من موقف قوة، كانت ستستطيع اجتياز الصراع بين أرمينيا وأذربيجان دون إقحام نفسها مباشرة. وبدلًا من ذلك، جاء قرار نشر القوات وسط تغير توازن القوة العسكرية في المنطقة التي لم تعد موسكو قادرة على احتوائها. وفي حين أنه صحيح أن روسيا كانت تسعى من أجل تواجد قوات حفظ السلام لسنوات، من المعبر أن هذا الهدف تحقق أخيرًا فقط كخلفية للنفوذ التركي المتصاعد.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا