محدودية التوغل.. لأي مدى يصل الهجوم التركي في الشمال السوري؟

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي 

من المعلوم أن هدف التوغل التركي في شمال سوريا لم يعد خفيا على أحد في إجهاض أي محاولات كردية للتمركز على حدودها، أي تركيا، ولذا منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن نيته في الانسحاب من سوريا، أعلنت أنقرة، من جانبها، ببدء حملة عسكرية تركية شرق الفرات، الأمر الذي رفضته أمريكا وتهديدها للأولى بسحق اقتصادها كما فعلت بالسابق.

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تغريدة له، اليوم، بدء عملية “نبع السلام” العسكرية، شرق الفرات. وقال أردوغان “بدأنا عملية نبع السلام ضد حزب العمال الكردستاني، وقوات حماية الشعب الكردية، وإرهابيي داعش في شمال سوريا؛ للحول دون إنشاء ممر إرهابي على حدودنا الجنوبية، وإحلال السلام في المنطقة”. 
 
مسعى أردوغان

يسعى أردوغان لإنشاء مناطق آمنة في الشمال لإعادة اللاجئين السوريين في بلادهم، لتكون حائطًا بشريًا أمام القوات الكردية، الساعية لتكوين مرتكزات لها تماثل كردستان العراق في مناطق سورية قريبة جغرافيًا من الحدود العراقية ليكتمل بها الحلم وإنشاء دولة كردية، وعلى أقل تقدير أقاليم ذاتية الحكم، وذلك ما يخشاه أردوغان لكونه يرى دولة الأكراد تهدد الأمن القومي، نظرًا لتعدد الأقليات العرقية بتركيا وعلى رأسها الأقلية الكردية.

قال أردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر بأنه “يعتزم القضاء على الهيكل الإرهابي لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية وإنشاء ممر للسلام”. ويسعى أردوغان إلى بناء 10 مناطق و 140 قرية في هذه المنطقة لإسكان لاجئي تركيا من السوريين.

تخشى تركيا من اكتمال حلم الأكراد بالحصول على إقليم ذاتي، إذ إنها ترى في اكتمال الدولة الكردية؛ تهديد لها من حيث اشتمالها على عدد كبير من مواطنيها ذات الأصل الكردي، وهو ما أجج الصراع بين أردوغان وحزب العمال الكردستاني، واعتباره منظمة إرهابية، وأكبر الأخطار على أنقرة، من نجاح الأكراد في مسعاهم، ما يثير بدوره الأقليات الأخرى الموجودة بها، حيث إنها دولة متعددة العرقيات.

محدودية عملية “نبع السلام”

تختلف العملية العسكرية الحالية للجيش التركي عن سابقتها من حيث اتساع الرقعة الجغرافية للحملة، ومواقف الدول الكبرى منها، ولذا سيكون لها تداعيات بالغة الأثر على السياسة التركية في سوريا، ومن المرجح أن تكون تلك الضربة محدودة، تقصف مواقع معينة لقوات سوريا الديمقراطية (قوات ذات غالبية كردية) شرق الفرات دون أن تتورط بعملية شاملة، مثلما عبر عنها أردوغان بقوله: “أجرينا ترتيباتنا. أعددنا خططنا للعملية وأعطينا التعليمات الضرورية” مضيفا أن تركيا ستنفذ عمليات جوية وبرية وأن هذه العمليات قد تبدأ “اليوم أو غدا”. وتابع “سنقوم بتنفيذ العملية من البر والجو”.

يرجع محدودية الضربة العسكرية لعدد من الدوافع أهمها، خوف تركيا من اتساع مدى الضربات العسكرية على مواقع الأكراد على جبهة يصل مداها لأكثر من 460 كم مربع، ما يصعب على الجيش التركي ردع الهجمات المقابلة للأكراد، وإمكانية نجاحهم في توجيه ضربات على الأراضي التركية مثل حدث في معركة عفرين السابقة عندما استهدفت قوات سوريا الديمقراطية مدن الريحانية وهاتاي وكيلس وهاسا عدة مرات.

كذلك، يتيقن أردوغان من هشاشة الاقتصاد التركي، والذي خسرت به العملة المحلية قرابة نصف قيمتها أمام الدولار، وذلك بسبب تغريدة لترامب، تحدث بها عن سوء العلاقة بين أنقرة وواشنطن، ولا يزال يعاني الاقتصاد إلى الآن، وهو ما قد يتكرر ثانية بالتغريدة التي هدد بها الرئيس الأمريكي أردوغان أمس. ناهيك عن فرضية فرض عقوبات أمريكية على أنقرة في حالة ضربها للأكراد، مما يزعزع الاقتصاد التركي الهش.

علاوة على ذلك، يخشى الجيش التركي – وهو جيش نظامي – إحراج نفسه أمام العالم، عندما يقوم بحملة عسكرية كبيرة، على تنظيم غير نظامي، وبالتالي فإن قوات سوريا الديمقراطية قد تعتمد على ضربات الكر والفر، من المرجح أن تفشل في مجاراتها القوات التركية، إضافة إلى أن الأكراد يدافعون ببسالة عن حلمهم ما يعني استماتة القتال ضد الضربات التركية. إضافة إلى حدوث توافقات بين الأكراد والجيش السوري، ما يدفع أنقرة بالدخول في مواجهة مباشرة مع النظام، وهو ما تخشاه الأولى.

وختامًا، فإن أردوغان لطالما يستغل الأزمات السياسية بل يختلقها، لكسب تأييد الشعب له، ويعاني حزب العدالة والتنمية الداعم له من تذبذبات في شعبيته، ولا سيما عقب هزيمته في الانتخابات المحلية لبلدية اسطنبول، ما شكل ضربة موجعة تنبأ بمعارضة قطاع عريض من الشعب لسياسات السلطان.
 
 
 
 

ربما يعجبك أيضا