محمد صديق المنشاوي.. صوت يخشع لجلال كلام الله

أماني ربيع

أماني ربيع

هو أحد رواد التلاوة المرتلة والمجودة وواحد من أشهر قارئي القرآن في العالم الإسلامي رغم وفاته المبكرة عن عمر 49 سنة، ولعل ما يميز الشيخ المنشاوي هو بصمته الخاصة في التلاوة، لقب بـ “الصوت الباكي” لخشوعه أمام جلال كلمات الله، فيبدو وكأنه يقرأ بقلبه لا بلسانه.

ولد محمد صديق المنشاوي، عام 1919 في قرية “البواريك” التابعة لمركز المنشاة بمحافظة سوهاج، ورث عن أسرته ذات الباع العريق في قراءة كتاب الله، حب القرآن، وخشوع التلاوة، وتميز منذ نعومة أظفاره بإتقانه لمقامات التلاوة، ومزج ببراعة بين إجادة المقامات وربطها بمعاني وألفاظ الآيات القرآنية.

تأثر القارئ الصغير بوالده الشيخ صديق المنشاوي، الذي علمه التلاوة، ثم رحل إلى القاهرة مع عمه القارئ الشيخ أحمد السيد فحفظ هناك ربع القرآن عام 1927، بعدها عاد إلى بلدته المنشاة وأتم حفظ ودراسة القرآن على مشايخ مثل محمد النمكي ومحمد أبو العلا ورشوان أبو مسلم.

بدأت رحلته مع التلاوة بتجواله مع أبيه وعمه بين السهرات المختلفة، حتى واتته الفرصة كي يقرأ منفردًا في إحدى ليالي عام 1952 بمحافظة سوهاج فذاع صيته، ولاقى قبولًا واسعًا بين مستمعي القرآن لعذوبه صوته وانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية.

ومن المواقف اللافتة في مسيرته أنه كان أول قارئ تنتقل إليه الإذاعة وتعتمده فى محله الخاص لا في استوديوهاتها، بعد رفضه خوض اختبار الإذاعة المصرية لاعتماده قارئًا كغيره ممن خاضوا الاختبار، وقال عنه والده: “يكفي الإذاعة المصرية من عائلة المنشاوي ولدي محمد”.

سجل القرآن الكريم كاملًا مرتَّلا برواية “حفص عن عاصم”، وسجل للإذاعة أيضًا ختمة مجودة لكنها لم تكن كاملة، وله كذلك قراءة مشتركة برواية “الدوري” مع القارئين كامل البهتيمي وفؤاد العروسي، ويصبح بعد ذلك من الخمسة الكبار في عالم التلاوة القرآنية ويتصدر قراء مصر العظام في حقبة الخمسينيات.

 وبعد تسجيله القرآن في الإذاعة المصرية سجل أيضًا لإذاعة سوريا ولندن، وكان مواظبًا على قراءة القرآن في مسجد الزمالك، كقارئ مكلَّف من وزارة الأوقاف.

 كان الشيخ محمد عاشقًا لصوت أم كلثوم، الذي وصفه بالقوة والفخامة، وكان محبًا أيضًا لسماع التواشيح الدينية بصوت الشيخ “طه الفشني”، أما الصوت الذي كان يفضل الاستماع إليه عندما يختلي بنفسه فهو صوت الشيخ محمد رفعت.

صدح صوته في أكبر مساجد العالم الإسلامي، المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة والمسجد الأقصى في القدس، وزار العديد من الدول العربية والإسلامية كالعراق وإندونيسيا وسوريا والكويت وليبيا وفلسطين والمملكة العربية السعودية.

كان مشواره القصير مكللًا بالأوسمة، حيث منحته عدة دول أوسمة على تفرده في التلاوة مثل: إندونيسيا وسوريا ولبنان وباكستان.

ظل المنشاوي يشدو بترتيله القرآن، رغم تحذيرات الأطباء بعدم إجهاد نفسه بالقراءة لمرضه بدوالي المرئ، إلى أن توفي قبل أن يكمل الخمسين متأثرا بمرضه يوم 20 يونيو عام 1969.

قال عنه الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي: “إنه ورفاقه الأربعة مقرئين الآخرين يركبون مركبًا ويبحرون في بحر القرآن الكريم، ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتى يرث الله -سبحانه وتعالى- الأرض ومن عليها”.
 

ربما يعجبك أيضا