مخاطر سيناريو ترامب على أمن الخليج في أزمة حرب الناقلات

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

كانت ناقلة النفط الإيرانية “جريس 1 “محور أزمة بين إيران والغرب منذ أسابيع حتى بعد إن غيرت وجهتها يوم أمس 19 أوغست 2019 ومغادرتها مياه جبل طارق رغم طلب السلطات الأمريكية باحتجازها. لقد خرجت الناقلة الإيرانية من المياه البريطانية في جبل طارق رغم كل الجهود الأمريكية للإبقاء على احتجازها، ورفضت سلطات جبل طارق طلبا أمريكيا باحتجاز الناقلة الإيرانية، مؤكدة أن لوائح الاتحاد الأوروبي لا تتيح لها استصدار حكم قضائي لإعادة احتجاز الناقلة.

زيارة وزيرخارجية إيران ظريف إلى كل من  فنلندا والسويد والنرويج، والتي بدأت يوم 17 أوغست 2019، لم تكن بعيدة عن الأزمة، وفي حلحلة الموقف الأوروبي، ليس في “أزمة الناقلة الإيرانية” بل في قضية “الملف النووي الأيراني” والعقوبات الاقتصادية ضد ايران.

 فهل كان ذلك فعلا قرارًا سياسيًا “بريطانيا”، أم قضائيًا؟

قالت سلطات جبل طارق في بيانها “بموجب القانون الأوروبي، ليس بمقدور جبل طارق تقديم المساعدة التي تطلبها الولايات المتحدة”، إذ تريد واشنطن حجز الناقلة استناداً إلى العقوبات الأميركية على إيران. وهي المرة الثانية التي ترفض فيها سلطات جبل طارق طلب المساعدة الأميركي في إطار هذه الأزمة القائمة بين واشنطن وطهران ولندن.

أما  واشنطن فتقول إن ناقلة النفط الإيرانية “جريس 1” والتي تحمل قرابة مليوني برميل من النفط الخام تخضع للمصادرة بناء على أمر قضائي أصدرته محكمة أمريكية. حاولت واشنطن احتجاز الناقلة  قائلة إن هناك صلات تربطها بالحرس الثوري الإيراني الذي تعتبره منظمة إرهابية. بيد أن سلطات جبل طارق لم تمتثل لطلب واشنطن باحتجاز السفينة لأن “نظام عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على إيران، والمتبع في جبل طارق، أضيق نطاقا بكثير من ذلك الذي تفرضه الولايات المتحدة”، حسب بيان سلطات المنطقة التي تتبع بريطانيا وتتمتع بحكم ذاتي.

فشل ترامب

ترامب فشل رغم كل جهوده إقناع حلفائه بتبني القوة الأمريكية في مياه الخليج، إذ لم تنسحب أيّ دولة من الاتفاق النووي مع طهران بعد انسحاب واشنطن خرجت الناقلة الإيرانية بسلام من المياه البريطانية في جبل طارق رغم كل الجهود الأمريكية للإبقاء على احتجازها.

أزمة ناقلة النفط الإيرانية هذه، أظهرت فشل ترامب في معركة ناقلة النفط ضد إيران بسبب أدراك الأوروبيين أن ترامب  يريد تصعيد الموقف ضد إيران على حساب المصالح الأوروبية ومصالح دول المنطقة، التي من شأنها تضر كثيرا في اقتصاديات الدول المصدرة للنفط والدول المستوردة. لذلك قرّرت أوروبا أن لاتخضع إلى رغبات واشنطن باستمرار احتجاز الناقلة الإيرانية تهدف إلى إشعال النزاع مع هذا البلد وتعزيز فرض العقوبات الاقتصادية عليه.

بريطانيا ربما هي من أكثر دول أوربا التي تشعر بالحرج من الطلب الأميركي بايجاد قوة أميركية في الخليج، فرئيس الوزراء البريطاني الجديد جونسون المقرب جدا من ترامب لا يريد خسارة “تحالفات” بريطانيا مع واشنطن، وفي ذات الوقت أنه لا يريد أن تصل علاقته مع دول الاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا وألمانيا إلى حد “كسر العظم “. ما عدا ذلك أن بريطانيا مثقلة في عبء “البريكست” وأن الحكومة البريطانية ليس بوارد إضافة “جبهة جديدة”. لقد نجحت إيران فعلا بمسك ورقة النفط التي تجعل دولاً عديدة ترفض الدخول معها في نزاع من شأنه التأثير على المصالح النفطية.

تراجع قوة البحرية البريطانية

الباحثة داكوتا وود كتبت في مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، أن بريطانيا كانت تملك بحرية رائعة، وكان الأسطول البريطاني مصدر فخر وطني- وتم إثبات ذلك. وتأكد مادياً أن بريطانيا لديها القدرة على رؤية مصالحها الوطنية. أما اليوم، فإن حجم الأسطول البريطاني تناقص إلى حدود 19 سفينة، نصفها يخضع لصيانة، وعشر غواصات فقط. وكان ذلك نتيجة الاستثمارات المحدودة في القطاع الدفاعي، وهي ظاهرة تشهدها معظم دول أوروبا وحتى الولايات المتحدة، هذه الحقائق هي الاخرى وراء “تنمر طهران” في مياه الخليج.

بريطانيا ودول أوروبا أيضا لا تريد أن تتورط بتكاليف مالية جديدة  نتيجة أي جهد عسكري ضد إيران، لا يصب في صالح “الاتفاق النووي مع إيران” ولا في صالح العلاقات الاقتصادية لها، التي بدأت تتراجع خلال عام 2019 أبرزها اقتصاد ألمانيا. وفي وقت سابق قالت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية نقلا عن تقرير سري لوزارة الدفاع البريطانية إن القوات البحرية الملكية عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي أو حتى الدفاع عن بواخرها بسبب فرض الحكومة اقتطاعات في ميزانيتها.

السؤال لماذ تطلب واشنطن من بريطانيا ودول اوروبا احتجاز السفية الإيرانية، ولماذا لم تعترضها القطع البحرية الاميركية، بعد مغادرتها مياه جبل طارق ؟

ما يريده ترامب هو زج أوروبا في مواجهة عسكرية وتصعيد الأزمة مع إيران، من اجل زيادة انفاقها العسكري من أجل توفير حماية سفنها عبر مياه الخليج، ومن المؤكد ذلك ينسحب على الاتفاق النووي الإيراني.

الولايات المتحدة تملك أسطولًا بحريًا، وهي لا تحتاج إلى قوة عسكرية بحرية أوروبية، هي لديها ما يكفيها من القوة، إن أرادت الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران، يبدو ما يريده ترامب هو الحصول على  الدعم و”الشرعية” مع الأوروبيين، والحصول على التمويل من حلفائه في دول المنطقة خاصة الدول الخليجية، وهذا لا يصب في صالح دول المنطقة وأمنها ولا في صالح الأوربيين.

اليوم أصبحت سياسات ترامب واضحة أمام حليفاتها الأوروبية وكذلك في دول المنطقة، إلى حد أنها فقدت الثقة بسياسات ترامب، سياسيا، وحتى في قدرة الولايات المتحدة بتأمين حماية حليفاتها الأوروبية والشرق أوسطية.

أزمة الناقلات، صعدة من الفجوة ما بين ضفتي الأطلسي، وحتى ما بين واشنطن ودول المنطقة.

أوروبا أيقنت جيدا ذلك بعد انسحاب ترامب من معاهدة حظر نشر الصواريخ النووية المتوسطة المدى، وجعلت أوروبا مكشوفة أمام روسيا، واليوم تجد دول المنطقة نفسها وجها لوجه مع إيران.

وهذا ما يدعو دول المنطقة ودول أوروبا أن تنهض بسمؤولياتها بتأمين أمنها القومي، أكثر من الاعتماد على الولايات المتحدة أو أطراف دولية وإقليمية.

ربما يعجبك أيضا