مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: ثورة جديدة في الشرق الأوسط

بسام عباس

ترجمة – بسام عباس

لا توجد منطقة في العالم متأثرة بعواقب تغير المناخ العالمي أكثر من منطقة الشرق الأوسط. إذ تنتج المنطقة نحو 30٪ من النفط العالمي، ومن عائدات النفط تدفع حكومات المنطقة نفقاتها، إما لأن الدول تنتج النفط، أو لأن الدول تصدر قوة عاملة إلى الدول المصدّرة للنفط، وهذه القوة العاملة ترسل الأموال إلى أوطانها. وبسبب عائدات النفط، يمكن لحكومات الشرق الأوسط أن توظف نسبة كبيرة من سكانها، وهي تقوم بذلك بالفعل. ومع ابتعاد العالم عن استخدام النفط كمصدرٍ للطاقة، ستتغير اقتصاديات الشرق الأوسط بشكل جذري.

وفي الوقت نفسه، يخضع الشرق الأوسط لتداعيات تغير المناخ، حيث تعاني المنطقة بالفعل من فقر مائي شديد، إذ إن ​​تسعة من الدول العشر الأكثر فقرًا بالمياه تقع في الشرق الأوسط. ونتيجة لهذا الجفاف يهجر المزارعون أراضيهم، كما أن العديد من المدن الساحلية في المنطقة مهددة بالغرق بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، كما أن ارتفاع درجات الحرارة في الصيف يترافق بشكل متزايد مع الرطوبة؛ ما يهدّد استمرار بقاء الإنسان في المنطقة.

وهذا يعني أن الشرق الأوسط جزء لا يتجزأ من كلا جانبي قضية تغير المناخ. فمع تغير أنماط الاستهلاك العالمي للنفط، ومع تغير المناخ، سيتغير الشرق الأوسط بشكل جذري.

ومع أن هناك الكثير مما لا نفهمه في مثل هذه القضايا، تأتي السرعة في إحدى مقدمتها؛ ما يجعل تحول الطاقة العالمي أمرًا محتمًا وقريبًا. فقد أدى انتشار الوعي بتغير المناخ إلى حث المستهلكين والحكومات على حد سواء على التخلي عن الهيدروكربونات بشكل جدي.

وقد استشعر عالم المال هذه الاتجاهات الجديدة فابتعد عن النفط والغاز. حيث يقوم المستثمرون الآن بضخ المليارات في الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وترى الصين أن الطاقة المتجددة ضرورة حتمية للأمن القومي. وقريبًا، سيتفوق إنتاج النفط على الطلب، ومع انخفاض الأسعار، سيتجه المنتجون إلى ضخ المزيد لتعويض الكميات المخفضة، ما يؤدي إلى مزيد من الضغط على الأسعار. والذي بدوره سيؤدي إلى انخفاض أسعار النفط إلى الحضيض.

وفي المقابل، هناك وجهة نظر بديلة تقول إن تحول الطاقة سيستغرق عقودًا، والبنية التحتية المبنية لاستهلاك الهيدروكربونات تضمن سوقًا قويًّا لسنوات عديدة. ورغم أن السيارات الكهربائية تحظى بالاهتمام، لا تزال السيارات التي تعمل بالغاز تشكل ما يقرب من 90٪ من مبيعات السيارات الجديدة، ولا تزال البنية التحتية للشحن تحتاج إلى مليارات الدولارات وعشرات السنين لتطويرها، كما أن المنازل لا زالت تستخدم أفرانًا ومواقد تعمل بالغاز، وهذا الأمر سيستمر لعشرات السنين. وأيضًا تعتمد جميع الطائرات في العالم تقريبًا على البترول، وأصبح العالم أكثر اعتمادًا على المواد البلاستيكية المشتقة من النفط. ناهيك عن دول العالم النامي، حيث يعيش معظم سكان العالم، والذي يعمل غالبًا على هوامش اقتصادية أقل من الدول الأكثر ثراء، حيث يزداد استهلاك هذه الدول بشكل حاد مع زيادة الدخل، ومن المرجح أن تعتمد على المعدات والتكنولوجيا الحالية لفترة أطول. ورغم أن الأثرياء يمكن أن ينفقوا الآلاف على المنتجات الخضراء، فإن النفط والغاز سيظلان الوقود الميسور التكلفة والمتاح لكثير من سكان العالم.

ويدعم هاتين النظرتين حجج معقولة، ولا يمكن لأحد الجزم بما ستتكشف التكنولوجيا أو القوانين أو سلوك المستهلكين. أما بالنسبة للشرق الأوسط، فإن أي سيناريو سيتحقق سيكون له أهمية بالغة. فكما ذكرنا من قبل، ترتبط اقتصادات المنطقة بعائدات النفط. وكما أن الاهتمام الاستراتيجي العالمي بالمنطقة مرهون بإنتاج الطاقة، فإن الدين والسياحة سيبقيان المنطقة في الأذهان، ولكن بالنسبة للحكومات، فإن أهمية المنطقة غير القابلة للاختزال تأتي من إنتاج أسواق الطاقة العالمية.

وتستند فكرة أن أسعار النفط ستهوي إلى الحضيض إلى فكرة أن النفط سوق، وأن الاختلالات الصغيرة يمكن أن تحدث عواقب اقتصادية كبيرة. ويبلغ استهلاك النفط العالمي اليوم نحو 100 مليون برميل يوميًّا، والنظام لديه قدرة قليلة نسبيًّا على إنتاج المزيد. وعندما هدد الاستهلاك بتجاوز العرض في عام 2008، وصل النفط إلى 140 دولارًا للبرميل. ولكن عندما أدت جائحة كورونا إلى كبح الطلب في ربيع عام 2020، بدأ مخزون العالم في النفاد، وانخفضت أسعار النفط. وتلقت المملكة العربية السعودية الضربة الأكبر، حيث خفضت الإنتاج بنحو 20٪ بينما استمرت الأسعار في الانخفاض إلى ما دون 30 دولارًا للبرميل، أي أقل من نصف مستواها السابق. واستغرق الأمر أكثر من ستة أشهر من انخفاض إنتاج النفط العالمي للعمل من خلال زيادة العرض.

ولكن حكومات الشرق الأوسط ربما لا تكون على استعداد لخفض إنتاجها، إذ إن من شأن الانخفاض المستمر في الاستهلاك العالمي، مهما كان صغيرًا، أن يضغط على دول الخليج لزيادة الإنتاج في محاولة لإخراج المنتجين ذوي التكلفة المرتفعة من السوق والتأكد من عدم تركهم براميل منخفضة القيمة في الأرض عندما يستمر انخفاض الاستهلاك. وبالإضافة إلى ذلك، تفسر المعركة بين تقييد الإنتاج وتأمين الحصة السوقية جزئيًّا الخلاف حول الإنتاج في يوليو 2021 بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

كانت الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط تستعد لعالم ما بعد النفط لسنوات، ولكنها لا تزال بعيدة عن أهدافها. ففي دول الخليج، سيستغرق التحول من العمال ذوي الإنتاجية العالية والأجور المنخفضة الذين يدعمون جهود العمال ذوي الإنتاجية المنخفضة والأجور المرتفعة سنوات. بينما يكافح القطاع الخاص لتوفير فرص عمل للوافدين الجدد إلى القوى العاملة، مع تجاوز بطالة الشباب نسبة 30٪ في العديد من الدول. كما أن شعور الشباب بالاغتراب أصبحت مشكلة تدرسها جميع الحكومات المنطقة منذ أحداث الربيع العربي، ومع ذلك لم تستطع أي حكومة منها السيطرة عليها أو التعامل معها بشكل جذري.

ويصبح تحول الطاقة مهمًّا للاعبين خارج الشرق الأوسط أيضًا. إذ تحرص الصين على تحقيق أمنها من الطاقة من خلال الكثير من الاستثمارات في المنطقة. وإذا ارتأت الحكومة الصينية أن أمن طاقتها يعتمد على مناجم إفريقيا وليس على آبار النفط في الشرق الأوسط، فيجب أن نتوقع تحول اهتمام الصين ورأس المال حيث يوجد أمن الطاقة. وإذا كان هناك دور أكثر ديمومة للنفط والغاز في لعبة الطاقة العالمية، فمن الممكن حدوث المزيد من الخلاف بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ الإقليمي. وأخيرًا، من الممكن أن تتخلى الدول الغربية عن استهلاك الهيدروكربونات لأسباب بيئية، بينما تظل الصين والعالم النامي معتمدين عليها لأسباب اقتصادية. وقد يتجلى هذا في صورة تخلي الولايات المتحدة عن دورها المستقبلي في الشرق الأوسط، مع محاولة الصين سد الفراغ.

وإلى القضية الثانية وهي تغير المناخ، إذ لا تعرف الحكومات أي شيء عن الكيفية التي ستساعد بها السكان على التكيف مع تغير المناخ؛ حيث إن قدرة العديد من الحكومات الإقليمية منخفضة، كما رأينا في استجابتها لوباء كورونا. ففي بلاد الشام وشمال إفريقيا، غالبًا ما تكون البنية التحتية غير كافية وبل وغير سليمة، فقد ظل سكان الريف يتدفقون على المدن منذ قرن من الزمان، وقد يتسارع هذا التدفق أكثر، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار. ومع جفاف المياه، وارتفاع درجات الحرارة، وانتقال المزارعين، قد ترتفع واردات الدول الغذائية؛ ما يؤدي إلى إجهاد احتياطيات العملة. وفي الخليج العربي، قد تجد المدن البراقة التي تم بناؤها في نصف القرن الماضي نفسها تحت مستوى سطح البحر بعد نصف قرن من الآن.

ولا يبدو أن أي حكومة في المنطقة مستعدة تمامًا لدفع أعداد كبيرة من العاملين الحكوميين إلى القطاع الخاص، كما أن القطاع الخاص غير مستعدٍ لاستيعابهم. وفي الوقت نفسه، قد يؤدي نزوح ملايين العمال المغتربين في الخليج إلى ركود اقتصادي لسنوات. ولن يكون العمال المحليون الذين سيحلون محلهم أكثر تكلفة فحسب، فقد كانت أنماط استهلاكهم محركًا رئيسيًّا للتنمية الاقتصادية.

وبالنسبة لبعض أكبر مصدري الطاقة في المنطقة، يجب أن يبقى جزء من الاستجابة كمصدرين للطاقة في عالم ما بعد النفط. استثمرت الإمارات والسعودية مليارات الدولارات في مزارع الطاقة الشمسية حول العالم، وتهدف المبادرة السعودية الخضراء إلى تعزيز مصادر الطاقة المتجددة إلى نصف مزيج الطاقة في البلاد، بزيادة قدرها 0.3٪ عن عام 2019، باستخدام الطاقة الشمسية في الغالب. ويمكن للمهارات التي تكتسبها هذه الدول في نشر مشاريع الطاقة الشمسية واسعة النطاق في الداخل والخارج أن تجعلها رائدة عالمية في تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية.

بالإضافة إلى ذلك، كانت الإمارات العربية المتحدة جريئة بشكل خاص في مواءمتها مع الجهود العالمية لتعزيز الطاقة المتجددة. إذ تستضيف الوكالة الدولية للطاقة المتجددة التابعة للأمم المتحدة، وأطلقت قبل 15 عامًا مبادرة “مصدر”، لتطوير حلول الطاقة المستدامة على أساس ما يطمح إلى أن تكون مدينة خالية من الكربون. ويبدو أن الاستراتيجية لا تقتصر فقط على مواءمة الإمارات مع أنماط إنتاج الطاقة الحالية، ولكن أيضًا أنماطها المستقبلية أيضًا.

ومن التقنيات التي يمكن أن تظهر على أنها ضرورية في السنوات القادمة هي الهيدروجين. حيث يمكن أن يعتمد تسويق الهيدروجين كمصدر للوقود على الأصول المتاحة على نطاق واسع في الشرق الأوسط– إما الغاز الطبيعي للهيدروجين الأزرق أو ضوء الشمس للهيدروجين الأخضر– لكن الجدوى المالية ستعتمد على التقدم العلمي الذي لم يتم تحقيقه بعد.

والشيء الواجب فهمه هنا بشكل خاص، هو قدرة حكومات الشرق الأوسط على التعامل بفاعلية مع هذه التطورات، حيث يتجاوز الكثير منها قدرتها على تشكيلها. وستأتي الدوافع الرئيسية لتحول الطاقة العالمي من خارج المنطقة. وسيكون لها تأثير عميق داخل المنطقة؛ ما سيشكل طريقة ارتباط المنطقة ببقية العالم، وربما يكون هذا التغيير جذريًّا، ويمكن أن يأتي قريبًا جدًا.

للإطلاع على المقال الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا