مع انهيار الريال.. اعترافات إيرانية بالمشاكل والخلل

كتب – حسام عيد

رغم اعتراف الرئيس حسن روحاني بأن إيران تعاني مشاكل في إدارة البلاد، وسط ظروف اقتصادية صعبة وصفها بـ”حالة الحرب” جراء العقوبات الأمريكية المتواصلة وسعي واشنطن لإعادة تفعيل العقوبات الأممية التي كانت مفروضة قبل توقيع الاتفاق النووي الإيراني “ما يعرف بآلية سناباك”، وتعهد محافظ البنك المركزي عبدالناصر همتي، باتخاذ خطوات لضبط سعر صرف العملة المحلية، إلا أن الريال استبق ما ستؤول إليه الأحداث خلال الفترة المقبلة بعد تصريحات وتعهدات المسؤولين، ليسرع من وتيرة انهياره مقابل الدولار الأمريكي، ويسجل اليوم 300 ألف ريال للدولار الواحد، ويفاقم من الآفاق القاتمة للاقتصاد الإيراني.

قاع جديد للريال الإيراني

وبختام تداولات جلسة يوم الخميس الموافق 1 أكتوبر، لامس الريال الإيراني قاعًا جديدًا على منحنى الهبوط الحر للعملة الإيرانية، حيث تراجع لأدنى قيمة له على الإطلاق متأثرًا بالعقوبات الصارمة التي تفرضها الولايات المتحدة على نظام طهران.

وأصبحت قيمة الدولار الواحد تساوي 300 ألف ريال إيراني. وقد هوت قيمة الريال الإيراني من 262 ألفا للدولار وسط سبتمبر الماضي، بنسبة 12%.

وكانت قيمة العملة الإيرانية قد بلغت 32 ألف ريال للدولار عام 2015، عندما تم إبرام الاتفاق النووي مع القوى العالمية. وأدت العقوبات الأمريكية إلى تراجع حاد في الصادرات الإيرانية من النفط، مصدر الدخل الرئيسي للبلاد.

وبعد قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات التجارية القاسية على إيران عام 2018، ارتفعت قيمة العملة بشكل غير متوقع لفترة وجيزة من الوقت، قبل أن تبدأ مسار الانهيار.

آلية سناباك والسقوط الحر

وتسارع هبوط الريال الإيراني في الأيام الأخيرة بعد فرض واشنطن عقوبات جديدة على أفراد وكيانات، بزعم مساعدتهم للسلطات الإيرانية في تجارة الأسلحة وتطوير برنامج طهران النووي.

وتوالت التراجعات التاريخية القياسية للريال الإيراني منذ إعلان الولايات المتحدة في 19 سبتمبر الماضي، عودة كافة عقوبات الأمم المتحدة على إيران بتطبيق آلية “سناباك” على الرغم من معارضة الأوروبيين وروسيا والصين، حيث تم تداول الدولار بعتبة 280 ألف ريال إلى أن وصل إلى 300 ألف ريال في سوق الصرافة السوداء.

وقال وزير الخارجية مايك بومبيو إن الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات ضد كل من ينتهك العقوبات على إيران.

وكان سعر صرف الدولار الأمريكي 160 ألف ريال في بداية السنة التقويمية الإيرانية الحالية في 20 مارس/ آذار الماضي، لكنه وصل إلى 250 ألف ريال في أواخر يوليو.

وقد ضخ البنك المركزي الإيراني نحو مليار دولار من النقد الأجنبي في السوق المحلية منذ يوليو وحتى منتصف سبتمبر، وانخفض سعر الدولار إلى 210 آلاف ريال. لكن مع مرور الوقت ، بدأ سعر الصرف يتقلب مرة أخرى.

ويعتقد المحللون أن البنك المركزي غير قادر على تزويد السوق بالعملات الصعبة المطلوبة وهو ما يفسر الزيادة اليومية في أسعار العملات الأجنبية المختلفة في إيران.

يأتي هذا في ظل حظر جزء كبير من احتياطيات النقد الأجنبي الإيرانية في الخارج، ويمكن لإيران استخدامها فقط لاستيراد السلع المصرح بها كالغذاء والدواء.

كما أن هذا العام، ولأول مرة، تحول ميزان التجارة الخارجية الإيراني إلى مؤشر سلبي، ويبدو أنه لا يوجد أمل في تحسين احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي.

روحاني يعترف بالخلل الإداري

وعلى ضوء تفاقم أزمات الاقتصاد الإيراني وغياب آية مؤشرات إيجابية على التعافي بالأفق القريب، اعترف الرئيس الإيراني حسن روحاني، بوجود مشاكل في إدارة البلاد قائلًا إن سبب ذلك يعود إلى أن إيران تمر بحالة حرب اقتصادية مع الولايات المتحدة منذ عام 2018 عندما انسحب الرئيس الأميركي من الاتفاق النووي وأعاد فرض العقوبات.

وحث روحاني خلال اجتماع لمجلس الوزراء الإيراني يوم الأربعاء الموافق 30 سبتمبر الماضي، منتقدي عجز الحكومة عن إدارة البلاد على عدم مقارنة الوضع الحالي بالعقوبات الاقتصادية، قائلا إن “الوضع يشبه الحرب وليس عقوبات عادية”.

وأقر روحاني بأن بلاده خسرت 150 مليار دولار من الإيرادات، منذ أن انسحبت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي وأعادت فرض العقوبات على اقتصادها.

كما أشار الرئيس الإيراني إلى الحظر المالي على إيران بسبب عدم توقيعها على معاهدات مجموعة العمل المالي الدولية المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بسبب رفض مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، عقب معارضة المرشد الإيراني علي خامنئي عليها.

ويبدو أن حملة “الضغط الأقسى” التي شنّتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألحقت أضرارًا فادحة بالاقتصاد الإيراني ومالية النظام الذي يشهد ركودًا اقتصاديًا للسنة الثالثة على التوالي، مع انكماش بلغت نسبته 3.3% في الربع الأول، ومعدل تضخمّ سنوي بلغ نسبة 34.4%، إضافة إلى الانهيار المستمرّ في قيمة الريال الإيراني مع تبخّر عائدات النفط، وتدهور البورصة، مع اجتياح فيروس “كورونا” المستجد البلاد، وسط غضب الإيرانيين.

تعهدات بالإنقاذ “لا تراوح مكانها”

ومن جانبه، قال إن الانهيار الذي يشهده الريال الإيراني “مؤقت”، مؤكدًا على أن البنك عازم على ضبط سعر الصرف في البلاد، وتعزيز قيمة العملة الوطنية.

وأرجع همتي جزءا من انهيار الريال إلى تجميد عشرات المليارات من الدولارات من احتياطيات البنك المركزي بسبب العقوبات الأمريكية.

لكنه زعم أنه تم “الإفراج عن جزء من الأصول المجمدة في البنوك الأجنبية”، دون أن يكشف عن البلدان التي أفرجت عن تلك الأموال.

وأضاف همتي أن “8 مليارات دولار من أصل 27 مليار دولار من النقد الأجنبي المؤجل من الصادرات قد عادت إلى الدورة الاقتصادية للبلاد”.

ويطالب مسؤولون إيرانيون المصدرين منذ شهور بسحب أرباحهم الأجنبية من الخارج أو مواجهة إلغاء تراخيص التصدير الخاصة بهم، كما حذر البنك المركزي الإيراني من أنه سينشر أسماء المخالفين.

وجاءت هذه الخطوات، ضمن جهود طهران لوقف تدهور العملة المحلية.

وكان البنك المركزي أعلن في يونيو الماضي أن الشركات الإيرانية صدرت ما تزيد قيمته على 40 مليار دولار من السلع غير النفطية العام الماضي، وقال مسؤولون إن 50 بالمئة من تلك النقود ما زالت بالخارج.

وينحي التجار باللائمة على العقوبات في العجز عن إعادة تلك العائدات التصديرية للبلاد.

ربما يعجبك أيضا