مع تراجع قوة أمريكا وصعود الصين.. «فورين أفيرز»: 4 محددات لنظام عالمي أفضل

رنا أسامة

من السهل تخيل عالم أقل ازدهارًا وأكثر خطورة ترسم ملامحه عناصر من أبرزها، تنامي العداء لكل من الولايات المتحدة والصين.


ألقت مجلة فورين بوليسي الأمريكية الضوء على تدهور النظام العالمي، مع التراجع النسبي لقوة الولايات المتحدة، والصعود الصيني المصاحب.

وقالت المجلة، في مقال كتبه أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي بجامعة هارفارد الأمريكية داني رودريك، وعالم السياسة الأمريكي ستيفن والت، إن حقبة ما بعد الحرب الباردة من العولمة المفرطة انتهت بفضل الأزمات المالية العالمية المتكررة، وانعدام المساواة الآخذ في الاتساع.

نظام دولي جديد

أشارت المجلة، في مقالها، إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية عمقت أيضًا الانقسام بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، في حين أدى تغير الأولويات المحلية في بلدان عديدة، مع تزايد المنافسة الجيوسياسية، إلى عرقلة الجهود الجماعية لمواجهة الأخطار العالمية التي تلوح في الأفق.

وفيما يبدو أنه من المستحيل التنبؤ بنمط النظام الدولي المحتمل من جراء هذه التطورات، فإنه يسهل تخيل عالم أقل ازدهارًا وأكثر خطورة ترسم ملامحه عناصر، من أبرزها تنامي العداء لكل من الولايات المتحدة والصين، وإعادة تسليح أوروبا، بجانب تكتلات اقتصادية إقليمية ذات توجهات داخلية، وعالم رقمي مقسم على أسس جيوسياسية، واستخدام الاقتصاد سلاحًا لتحقيق غايات استراتيجية.

تصور متفائل

حسب المقال، يمكن أيضًا تصور نظام دولي أكثر اعتدالًا، تتنافس فيه أمريكا والصين وقوى عالمية أخرى في مجالات، وتتعاون في أخرى، ملتزمة بقواعد جديدة أكثر مرونة نحو عالم اقتصادي مفتوح، خال من أي نزاعات مسلحة، مع إتاحة مزيد من الحرية لمعالجة الأولويات الاقتصادية والاجتماعية العاجلة في الداخل.

وفي تصور تفاؤلي، أشار المقال إلى إمكانية تخيل عالم تتكاتف فيه القوى الرئيسة لمواجهة آثار تغير المناخ، وتحسين الصحة العالمية، والحد من تهديد أسلحة الدمار الشامل، وإدارة الأزمات الإقليمية، مضيفًا أن إنشاء مثل هذا النظام ليس صعبًا كما يبدو، اعتمادًا على آلية وضعتها مجموعة عمل السياسة التجارية بين أمريكا والصين.

نظام التسعينات

استشهد المقال بالنظام الدولي الذي تكوّن في التسعينات، والذي تآكل على نحو متزايد بسبب ديناميكيات المنافسة بين القوى العظمى، وفق روايات عديدة. ومع ذلك لفت إلى أنه لا ينبغي أن يقود تدهور النظام القائم على القواعد إلى صراع بين القوى العظمى. ورغم أن الأمن يتصدر أولويات كل من أمريكا والصين، فهذا لا يجعل الأهداف الوطنية والدولية المشتركة بينهما غير ذات صلة.

وعلاوة على ذلك، فإن الدول التي تستثمر مواردها في القدرات العسكرية وتهمل أهدافًا أخرى، مثل إنعاش الاقتصاد أو التحول المناخي، لن تكون آمنة على المدى الطويل، حتى لو ظهرت كقوة عالمية، الأمر الذي يعني أن المشكلة الحقيقية ليست في الحاجة إلى تحقيق الأمن في عالم غير مؤكد، بل في الطريقة التي يتحقق بها هذا الهدف والتنازلات التي تقدمها الدول عند موازنة أولوياتها.

نهج عفا عليه الزمن

نهج النظام الدولي الحالي، الذي يحابي الغرب، عفا عليه الزمن، وأشار المقال إلى أن النظام العالمي المستقبلي ينبغي أن يستوعب قوى غير غربية وتنوعًا أكبر في الممارسات المؤسسية الوطنية، تسوده تفضيلات السياسة الغربية بدرجة أقل، وتقل الرغبة في تحقيق تناغم بين الاقتصادات المحددة لعصر العولمة المفرطة، مع منح الدول مساحة حرية أكبر لإدارة اقتصادها ومجتمعها ونظامها السياسي.

وسيتعين حينئذ على المؤسسات الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي، التكيف مع هذا النهج المحتمل، الذي قد يفرز نظامًا دوليًّا جديدًا أكثر استقرارًا. ويمكن للقوى الكبرى تحقيق أمنها القومي إذا تخلت عن رغبتها في السعي وراء السيادة العالمية، ومن المفيد أيضًا للبلدان أن تجني ثمار الترابط الاقتصادي في ما بينها، ضمن قواعد دولية أكثر مرونة وتساهلًا، وفق المقال.

4 محددات

القوى العالمية الكبرى لن تحتاج إلى اتفاق مسبق على القواعد التفصيلية التي ستحكم تفاعلاتها، على أن تتفق بدلًا من ذلك على نهج أساسي يحكم العلاقات في ما بينها، يصنف الإجراءات والأفعال المتبادلة في 4 فئات: محظورة تستند إلى معايير قبلتها أمريكا والصين وقوى كبرى، وأخرى قد تطرأ عليها تعديلات بين دولتين أو أكثر لتصب في صالح الأطراف كافة.

وثالثة قد تتطلب تدخلًا من دولة واحدة، وأخيرة تستدعي مشاركة متعددة الأطراف. وذكر المقال أن الآلية المؤلفة من 4 محددات، لا تقضي بأن تثق بعض القوى المتنافسة ببعض أو حتى تتفق على الإجراءات أو القضايا في أي من الفئات الأربع، لكن يتوقع أن تسهم بمرور الوقت في زيادة الثقة بين القوة الدولية وتقليل احتمالية نشوب صراع في عالم جديد أقل فوضاوية.

ربما يعجبك أيضا