ملهمات عربيات (7).. ليلى العثمان.. التحرر من الذات والآخر بالكتابة

شيرين صبحي
ليلى العثمان

اختيرت روايتها "وسمية تخرج من البحر" ضمن مائة رواية عربية في القرن العشرين.. هي الأديبة ليلى العثمان.. تعرف أكثر على الكاتبة الكويتية


بعدما تعدت ليلى العثمان الستين من عمرها، كتبت سيرتها، تقول: “كنت أقف على حافة الموت، شعرت أني يمكن أن أرحل دون أن أترك لأبنائي شيئًا عن حياتي، فقررت كتابة كل شيء”.

لم تلجأ العثمان للتزييف أو تجميل نفسها والواقع الذي كانت تعيش فيه، فكتبت عن قسوة الأب، وقالت إنها أسقطت بعض الأشياء الكويتية لكيلا تشوه صورته عند الكويتيين، لكنها اعترفت بفضله في وضعها على طريق الثقافة والأدب بتوفير الكتب والثقافة بعد خروجها من المدرسة، وبفضل ذلك اعتمدت على موهبتها في الكتابة.

جزء من تاريخ الكويت

تمثل الكاتبة ليلى العثمان جزءًا عزيزًا وجميلًا من تاريخ الكويت، شكلت عبر رحلتها مع الكتابة نموذجًا للفتيات داخل الكويت وخارجها، وفقًا للكاتب طالب الرفاعي، ففي فترة سابقة ولسنوات طويلة، كان بيتها هو الملتقى لكثير من الأدباء العرب والقامات الثقافية الذين مروا بالبلاد.

سيرة ليلى العثمان الذاتية هي سيرة عن الحياة الكويتية وعلاقة الرجل بالمرأة، وحياة البيت الكويتي قبل النفط، وفقًا للرفاعي.

معاناة الطفولة

ولدت ليلى عبد الله العثمان في الكويت لأسرة كبيرة، كان والدها شاعرًا وله منتدى أدبي كبير. بدأت محاولاتها الأدبية وهي لا تزال تلميذة، ثم بدأت النشر في الصحف المحلية منذ عام 1965 في القضايا الأدبية والاجتماعية، والتزمت منذ ذلك الحين ببعض زوايا أسبوعية ويومية في الصحافة المحلية والعربية.

عانت في طفولتها بعد انفصال والديها، من تعامُل زوج أمها، وزوجة أبيها، وعن هذا تقول: “انفتح أمامي باب جهنم، فسقطتُ أنا وشقيقاتي الثلاث في جحيمه، فمنذ اللحظة الأولى شعرنا وكأننا غرباء، غير مرغوب في وجودنا”. هذا البؤس انتقل لأعمالها “أصبح البؤس رافدًا للكتابة عن الظلم والقهر والألم الذي تفجّر في كتاباتي”.

وسمية تخرج من البحر

أعـدّت العثمان وقدمت عددًا من البرامج الأدبية والاجتماعية، وتولت مهام أمين سر رابطـة الأدباء الكويتية لدورتين لمدة 4 سنوات. ولها عديد من القصص والروايات التي ترجمت بعضها إلى لغات عدة. من مؤلفاتها: “امرأة في إناء – الرحيل – في الليل تأتي العيون – فتحية تختار موتها – 55 حكاية قصيرة – وسمية تخرج من البحر – يوميات الصبر والمر”.

اختيرت روايتها “وسمية تخرج من البحر” ضمن مائة رواية عربية في القرن العشرين، وفيها تروي قصة حب بين الفتى عبد الله من أسرة فقيرة، والفتاة وسمية من عائلة غنية، يولد حبهما منذ الصغر، لكن الفارق الاجتماعي يقف عائقًا بينهما.

البحر هو مكان تواعدهما، يتفقان على الموعد بعد صلاة العشاء، إذ ينام الجميع، فتسنح لهما فرصة الالتقاء وسرد الذكريات الجميلة، يأتي رجلان من بعيد يمثلان الأمن أو الشرطة، فتختبئ وسمية في البحر ويبقى عبد الله وحيدًا مع الرجلين ويمنعانه من المكوث في موقع البحر. برحيلهما يعود إلى محبوبته في البحر، فلا يجد سوى عباءتها. غرقت وسمية، فيصبح كالمجنون لا يدري ماذا يفعل، وأخيرًا يذهب إلى والدته حاملاً عباءتها.

رؤية نسوية تقوض أشكال القهر الإنساني الناتج عن أعراف المجتمع

يمكن القول، إن الرؤية التي تشي بها كتابة ليلى العثمان هي رؤية نسوية، وفقًا للناقدة الدكتورة شيرين أبو النجا بمجلة “العربي“، أي رؤية تناهض كل القيم الذكورية التي كرستها المجتمعات الرأسمالية الحديثة، وهي رؤية تحاول أن تعيد التوازن لميزان علاقات القوى الذي مالت كفته لمصلحة قيم الذكورة الأبوية.

بمعنى آخر، إن هذه الرؤية النسوية ليست مجرد هستيريا صراخ في وجه الرجل، كما هو شائع أيضًا، بل هي تقويض لكل أشكال القهر الإنساني الناتج عن أعراف مجتمعية. وفي سبيل تصوير القيم الإنسانية التي تنتهك قوانين العالم، لا تتقيد ليلى العثمان بقدسيات تكون زائفة في كثير من الأحيان.

الحب يعيد للحياة توازنها

لا تهمل ليلى العثمان أبدًا الحب باعتباره قيمة تعيد للحياة توازنها وتضفي عليها سمة إنسانية، وفقًا لشيرين أبو النجا، والحب عند ليلى العثمان لا يقتصر على الحب بين الرجل والمرأة، بل يتعداه ليشمل مساحات ومناطق أكثر رحابة بما في ذلك حب الذات ليس بمعنى النرجسية بل بمعنى التصالح مع النفس.

عالم ليلى العثمان هو عالم منسوج من أعصابها ومشاعرها، تضيف أبو النجا: فكتبت عن الحب الحقيقي والمشاعر الزائفة، عن الوطن وعن فلسطين، عن قهر المرأة وقهر الرجل، عن القسوة وانتهاك الجسد، كتبت الخوف الإنساني المشروع، كتبت عن الرغبة في التحرر من الذات ومن الآخر، كتبت عن كل ما يحاول المجتمع أن يخفيه، أو في أحسن الأحوال، يتظاهر بعدم وجوده. كتبت عن الكويت الظاهرة والكويت المختبئة في الأزقة والنفوس.

ربما يعجبك أيضا