من تركيا .. فضائيات إخوانية موجهة لدول آسيا وشمال أفريقيا

يوسف بنده

رؤية

عبر الإسلاميين تحاول تركيا العودة للهيمنة على بلدان العالم الإسلامي، مغازلة أحلام الإسلاميين ومستغلة أدبياتهم في الهيمنة على عقول المسلمين والعرب. ومن خلال الإسلاميين تطمح تركيا إلى الترويج لتحالف إسلامي بين كل من تركيا وماليزيا وباكستان، ليكون التحالف المزمع بديلاً لمنظمة المؤتمر الإسلامي بقيادة السعودية. وتستخدم أنقرة الآلة الإعلامية وقوة تأثيرها لتحقيق ذلك.

وقد كشف موقع “أحوال” التركية إن التنظيمات الإخوانية، تستعد اليوم لإطلاق قناة جديدة من تركيا موجهة بالكامل إلى دول المغرب العربي، وذلك بعد تأسيسها في العام الماضي، قناة موجهة إلى باكستان، وماليزيا بالإنجليزية، بحجة محاربة الإسلاموفوبيا و”تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام”.

حيث تواصل حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركيا غزوها الإعلامي الذي انطلق بشكل خاص منذ بدايات ما أطلق عليه “الربيع العربي”، بهدف اختراق العالمين العربي والإسلامي، متخذة من جماعة الإخوان المسلمين المنتشرة في بعض الدول مرتكزا لسياساتها وأجنداتها في المنطقة.

ويُعدّ الإعلام أحد أهم أذرع سلطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المنطقة لنشر الإسلام السياسي وتتريك العقل العربي.

وبعد الإعلان نهاية العام الماضي عن تأسيس قناة تركية باكستانية ماليزية، ناطقة بالإنجليزية، بحجة محاربة الإسلاموفوبيا و”تصحيح المفاهيم الخاطئة المأخوذة عن الإسلام”، تستعد الحركة الإسلامية المغاربية لإطلاق قناة من تركيا موجهة بالكامل إلى دول المغرب العربي.

وكان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، أعلن أن بلاده وتركيا وماليزيا قرروا تأسيس قناة ناطقة بالإنجليزية، عقب اجتماع ثلاثي سبتمبر 2019 في مدينة نيويورك، ضمّ إلى جانبه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد.

وقال خان، إنّه “سيتم تصحيح التصورات الخاطئة التي توحد الناس ضد المسلمين”، وأشار أنه سيتم عن طريق القناة توضيح مسألة إهانة القيم الدينية، وإنتاج أفلام ومسلسلات تروي تاريخ المسلمين من أجل توعية الآخرين، وإنشاء إعلام خاص بالمسلمين.

وذكر أنّ القناة التلفزيونية ستكون لها مكاتب في البلدان الـ 3، لافتاً إلى إمكانية افتتاحها مكتباً في بلدان ذات كثافة سكانية عالية أيضاً، مثل إندونيسيا.

وأعقب ذلك فشل أنقرة في الترويج لإطلاق تحالف إسلامي بين كلّ من تركيا وماليزيا وباكستان وتطويره على غرار “المملكة المتحدة”، من دون أن يشمل التحالف أيّ دولة عربية، وليكون التحالف المزمع بديلا لمنظمة المؤتمر الإسلامي والقيادة السعودية لها.

أما على صعيد شمال أفريقيا، في أعقاب التدخل العسكري التركي في ليبيا، فقد قالت مصادر مطّلعة لصحيفة “العرب” اللندنية واسعة الانتشار، إن أعضاء نشطين من الحركة الإسلامية المغاربية، خاصة نشطاء جزائريون وتونسيون، يقفون خلف مشروع إعلامي تركي إسلامي.

وأضافت المصادر أنّ المعارض الجزائري، ذا التوجه الإسلامي، العربي زيتوت هو من بين المُوجِّهين الرئيسيين لهذا المشروع الجديد الذي يموِّله مستثمرون أتراك وشرق أوسطيون مُقيمون في تركيا حيث سافر زيتوت، زعيم حركة رشاد الإسلامية، مؤخرًا إلى أنطاليا للمشاركة في المفاوضات التي أدّت إلى وضع تصور لهذا المشروع الإعلامي.

وتوقعت أن ينضم نشطاء آخرون من الحركة الإسلامية المغاربية لمشروع القوة الناعمة هذا الذي ستشرف عليه جماعات الضغط التركية.

وكشفت المصادر أنه تم بالفعل إنشاء شركة برأسمال أولي يصل إلى 200 ألف يورو سيتعزز بالأموال القادمة من الدوحة لإنجاح هذا المشروع الإعلامي.

ويهدف هذا المشروع إلى إنشاء قناة شبيهة بقناة الشرق المصرية، أي وسيط يدافع عن الرؤية الإسلامية للإخوان المسلمين يحمل مشروعًا موجهًا لخدمة مصالح التيارات الإسلامية التي تدعمها تركيا. كما تُراهن تركيا على هذا التلفزيون الجديد لتعزيز نفوذها في الملف الليبي حيث تدافع عسكريا عن حكومة السراج الإسلامية في طرابلس.

واستقطبت تركيا أكثر من 3 آلاف إعلامي عربي منذ العام 2011 يعملون في العشرات من المواقع الإلكترونية والفضائيات والمحطات الإذاعية الناطقة بالعربية والموجهة لخدمة أجندات حزب العدالة والتنمية الإسلامي.

وقال ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا، إن وجود الإعلاميين العرب في تركيا “فرصة لا تقدر بثمن لنقل الرؤى التركية عبر الإعلام العربي، وهو شيء لا يُشترى بالمال”.

ويقول متابعون للشأن التركي إن تركيا تستعيد تجربة قناة الجزيرة القطرية التي فتحت أبواب الانتداب أمام العشرات من الصحافيين العرب برواتب مغرية، وأغرتهم بالحياد والرأي والرأي الآخر، ليجدوا أنفسهم في صف أجندة معادية لدولهم، حيث تحوّ بعضهم إلى معارض رغم أنفه.

وتقول مصادر “العرب” إن هناك الكثير ممّا يمكن فعله في المنطقة المغاربية، حيث أن الحركة الإسلامية، حتى وإن كانت تشارك في إدارة الحكومة في تونس والمغرب وليبيا، إِلا أنها باتت تفقد قوتها، وإن الأتراك، الذين يخوضون حرب نفوذ في المغرب الكبير ضد محور الرياض – أبو ظبي، يريدون مساعدة حلفائهم الطبيعيين الذين هم أحزاب الحركة الإسلامية.

لكن متابعين للشأن المغاربي يعتقدون أن خطر هذه الفضائية سيكون أكبر من بعده السياسي الظرفي الداعم للنفوذ التركي، مشيرين إلى أن المنطقة المغاربية تتسم بوحدة فضائها الديني من خلال المذهب المالكي، الذي يوصف بالمعتدل ويميل للتركيز على العبادات والتسامح والاستقرار أكثر من الصراع السياسي الذي يحمله فكر الإخوان المسلمين، وهو فكر انتقائي هدفه السلطة ويتسم بالاستفزاز والعنف.

وحذر هؤلاء من أن الانتشار الإعلامي لفكر الإخوان سيهدد الوحدة الدينية في المنطقة، وأنه قد يفجّر الصراعات داخلها بين مكونات دينية مختلفة، فضلا عن استهدافه لأكبر قوة دينية وروحية، والمقصود بها الصوفية، وهي تيار عريض في المنطقة سبق أن تعرض إلى هجمات وحملات تشويه في مصر وليبيا مع صعود الإسلاميين واستفادتهم من ثورات 2011.

وفي غياب فضائيات دينية ذات توجه فقهي مالكي وجدت السلطات في البلدان المغاربية، خاصة في تونس والجزائر وليبيا، صعوبة خلال تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الجديد في مواجهة تمدد الفكر المتشدد الذي أمّنته فضائيات مموّلة من دول خليجية وغزاها رجال دين مصريون. فيما كان المغرب يتوفر على أرضية دينية وسياسية ثابتة ساعدته على امتصاص التأثيرات الوافدة.

وتتهم هذه الفضائيات بأنها ساهمت بشكل كبير في توفير الأرضية الدينية للإرهاب الذي شهدته الجزائر ثم في موجة التسفير وهجرة شباب مغاربي إلى مناطق النزاع في العراق وسوريا وتحوّلهم إلى نواة صلبة في قلب الجماعات الإرهابية.

وتشير أوساط إعلامية مغاربية إلى أن الفضائية الجديدة المدعومة من تركيا يمكن أن تلقى تفاعلا في الشارع المغاربي وتسبب مشاكل لدول المنطقة في ضوء استغراق إعلام هذه الدول في الخطاب المحلي والمجاملة وتعاطيه الحذر مع القضايا الخلافية خاصة ما تعلق بالهوية لمحاذير سياسية.

وما يثير المخاوف من هذه الفضائية الطارئة هو عدم استعداد الإعلام المحلي في المنطقة المغاربية لمغادرة مربع الصراع بين دوله، وبناء وحدة سياسية ودينية لمواجهة التمدد التركي الذي يعمل على معارك بواجهات متعددة، سياسية واقتصادية وتاريخية في مسعى لإعادة إحياء الماضي الاستعماري العثماني الذي ما تزال ذاكرة أبناء شمال أفريقيا تحتفظ بقصص وحكايات عنه وعن مجازره واستغلاله وإجبار الناس على الحرب في صفوف الإنكشارية وتمويل حروبه.

وإذا كان الوجه السياسي هو الأبرز في الأجندة التركية تجاه المنطقة العربية، فإن الهدف بعيد المنال هو التطبيع مع الثقافة التركية، وخلق “قابلية للاستعمار” القديم الجديد، الذي يتجاوز استعادة النفوذ العسكري والسياسي إلى بناء إمبراطورية جديدة في مناطق نفوذ الإمبراطورية العثمانية القديمة.

وتزعم أنقرة من حين لآخر، أنّ الإعلام في بعض الدول العربية يشنّ حملة ضدّ تركيا ورئيسها لا مثيل لها حتى في الإعلام الغربي، فيما يستغرب مُتابعون للمشهد الإعلامي التركي بالمقابل أيّ حيادية من الممكن أن يتبعها الصحافيون العرب المتواجدون في تركيا في ظلّ تقييد الحريات الصحافية بشكل غير مسبوق في البلاد، وبينما يقبع مئات الصحافيين الأتراك والأجانب في السجون.

ويُقيم الإعلاميون المذكورون في تركيا بشكل دائم، وسبق وأن رافق كثيرون منهم جماعات إرهابية مسلحة في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن، فضلاً عن ترويجهم لفكر الإخوان المسلمين الذين تدعمهم أنقرة.

ربما يعجبك أيضا