من مسجد” الروضة.. نبض “القلوب” من رهبة الدماء إلى روح التحدي

كتبت – علياء عصام الدين

وجدتُكَ أعطيتَ الشجاعةَ حقّها  غداةَ لقيتَ الموتَ غيرَ هَيوب

في نفس المكان منذ سبعة أيام، وفي ذات التوقيت فاضت دماء الأطهار لتغسل ثنايا المسجد العتيق ، مسجد “الروضة” بمدينة العريش المصرية، ذلك المسجد الذي حولته يد الغدر في دقائق معدودة إلى ساحة قتل ودماء.

رائحة الدماء تفوح في ثنايا المسجد المبارك، وصوت الصياح يمتزج بتكبيرات المصلين الأتقياء، لترتعد فرائس القريب و البعيد، في مشهد مبكي لن يفارق أذهان “العالم”  وستظل ذكراه راسخة في التاريخ لا تسقط بالتقادم.

منذ سبعة أيام فقط انتحبت أعمدة المسجد باكيًة واحتضنت جنباته جثث ودماء المصلين.

منذ سبعة أيام انتفض العالم بأسره من بشاعة الحادث الإرهابي الذي ضرب مصر .

يرسلون رسالة قوية لفقهاء الموت والعدم وتجار الدين المحرضين على القتل مفادها “أن أمرهم لن يصبح منوطًا  بالحكومة فقط بل بالشعوب وبقوتها وصمودها وإقدامها”.

لقد كانت رسالة أهل القرية في مشهد اليوم واضحة جلية مدوية فالصمت على الإرهابيين “عار” لن يقع فيه المصريين ابدًا والسماح له بالتغلغل والمرور  والتواجد “خيانة” لن يرتكبها وطني أًصيل.

لقد كان حجم الجريمة كبير والمصاب جلل، فتحويل الناس إلى أشلاء أثناء صلاتهم وتضرعهم لله لن يمر مرور الكرام .

وإن كان المتأسلمين يتوهمون بأن النصر سيكون حليفهم وأنهم الفائزون في الدنيا والآخرة فمشهد المصلين اليوم كفيل بأن يعرفوا قدر من يواجهونهم حق المعرفة.

هنا ترددت الشهادة على أثار الدماء المتناثرة، هنا عجز العقل عن تخيل فظاعة الحادث، ويعجز الآن عن تصور “حلاوة” المشهد.

هنا كانت مشاعر الخوف هي الغالبة والقلوب تدق بصوت مسموع من الرهبة، وها هي اليوم تدق بصوت أقوى، صوت طبول حرب ضد الإرهاب الغاشم، صوت يزلزل الأرض صارخًا ” نحن هنا لا نخاف ولا نستسلم، أمة واحدة، شعب واحد، صف واحد، نسيج متماسك، لا نأبى الموت ولا نخاف القتال أنا مصري شجاع أعرني من فضلك بعضًا من الجُبن .

 

اليوم  وكأن شيئًا لم يكن، اجتمع أهالي القرية في مشهد أكثر تأثيرًا وبشجاعة منقطعة النظير ليصطفوا صفًا واحدًا ويؤدون صلاة الجمعة في ذات المسجد الذي شهد أكبر عملية إرهابية شهدتها مصر منذ 30 عامًا .

ها هو الرجل الذي فقد أباه يقف بين المصلين متضرعًا داعيًا الله أن يحمي مصر .

وها هو الفتى الصغير في آخر الصف هناك اغرورقت عيناه بالدموع، لم يخف أن يأتي اليوم لذات المكان الذي كان فيه يبكي جثة أخاه الأكبر الأسبوع الماضي.

وها هو الشيخ العجوز لم يهب الموت وأتى متكئًا على عكازه ليصلي .  

هاهم أهالي القرية الذين رفضوا إيواء “داعش” ونبذوا التطرف والعنف، وتم تصفية أقاربهم انتقامًا، يجتمعون معًا مرة أخرى دون خوف في ذات المكان الذي فقدوا فيه أكثر من 305 شخص من أهالي القرية.

يلتمسون التوافق مع أسوياء النفس والروح ويتحدون على مبدأ اجتثاث الموت وخراب الأوطان وملاحقة الشراذم المتأسلمين.

ربما يعجبك أيضا