ميزانية ترامب لـ2021.. وعود “مكسورة” على طريق الرئاسة

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الإثنين، عن موازنة العام 2021، والتي تأتي بقيمة 4.8 تريليون دولار، وتتضمن اقتطاعات كبرى من برامج شبكة الأمان الاجتماعية والمحلية، لصالح زيادة نفقات وزارة الدفاع؛ لذا كان من الطبيعي أن تقابل بالرفض المباشر والصريح من فريق الديمقراطيين بالكونجرس.

اعتبر الديمقراطيون الميزانية المقترحة، خيانة لوعود ترامب السابقة بشأن حماية برامج الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، ومن جهة أخرى تصطدم بشكل مباشر ببرامج الديمقراطيين الرئيسية في حملاتهم الانتخابية التمهيدية لاختيار مرشح الحزب لخوض سباق الرئاسة في نوفمبر المقبل، هذه المقترحات أهمها توسيع الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية والبيئة.

ميزانية “الرئيس أولا”
تركز الميزانية بشكل مباشر على أولويات ترامب وأهمها مواصلة تمويل بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، بينما تهمل بشكل واضح السيطرة على العجز الحكومي ومستويات الدين العام؛ إذ تتوقع خفض العجز بمقدار 4.6 تريليون دولار على مدار 10 سنوات، وبذلك يتخلى ترامب عن وعوده السابقة بسد العجز بالميزانية الفيدرالية بحلول 2030.

وتمدد الميزانية رهان سد العجز لخمس سنوات إضافية، والمشكلة هنا أنها بُنيت على تفاؤل شديد بشأن الاقتصاد، إذ تتوقع نموا بمعدل 3% يفترض أن يستمر ثابتا للسنوات المقبلة وصولا إلى 2035 أو 2025 على أقل تقدير، لتحقيق أهداف ترامب، وهو أمر مستبعد مكتب الميزانية بالكونجرس يتوقع نموا بنسبة 2.2% خلال السنة المالية التي ستنتهي في 30 سبتمبر المقبل، ونموا بأقل من 2% خلال السنوات المقبلة، ولا ننسى أن إدارة ترامب لم تتمكن من تحقيق هذا السقف خلال عام واحد، حيث نما الاقتصاد بـ2.3% خلال 2019 وهو أقل مستوى منذ تولي ترامب الرئاسة.

في حال موافقة الكونجرس على هذه الميزانية، فإن العجز هذا العام قد يصل إلى تريليون دولار، على أن ينخفض العام القادم إلى 966 مليار دولار، وعلى مدار عشر سنوات مقبلة سيجلب العجز زيادة قدرها 5.6 تريليون دولار في الدين العام، بدون احتساب مدفوعات الفائدة.

الميزانية تقترح خفضا للانفاق بمقدار 4.4 تريليون دولار على مدار 10 سنوات،ـ للوصول إلى عجز الـ4.6 تريليون دولار، هذا الخفض يتضمن اقتطاعات كبرى من برامج الضمان الاجتماعي ومخصصات الصحة والتعليم والضواحي، فعلى سبيل المثال تقترح الميزانية تخفيض بنحو 920 مليار دولار مخصصات برنامج الرعاية الصحية “ميديكير” على مدى عشر سنوات، ونحو 292 مليار دولار  من برامج دعم الفقراء مثل كوبونات الغذاء والمساعدات الطبية، و5% من مخصصات الانفاق المحلي.

كما تتضمن الميزانية المقترحة خفضا لميزانيات وزارة الصحة بنسبة 9%، ووكالة حماية البيئة بـ26.5%، ووزارة التعليم بنحو 8%، والإسكان والتنمية الحضرية بـ15.2%، ووزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بـ22%.

في المقابل تطلب الميزانية -بحسب وثيقة مسربة- ملياري دولار لاستكمال بناء الجدار الحدودي الجنوبية، وتقترح زيادة مخصصات وزارة الأمن الداخلي، مع إبقاء إنفاق “البنتاجون” ثابتًا وخفض النفقات غير الدفاعية، وزيادة الإنفاق على القطاعات الدفاعية إلى 740 مليار دولار، بزيادة نسبتها 20% ستخصص لتحديث الترسانة النووية، وتقترح كذلك زيادة ميزانية وكالة ناسا بنسبة 12%، وتمديد العمل بالتخفيضيات الضريبية البالغة 1.5 تريليون دولار، والتي يستفيد منها الأثرياء، إلى ما بعد 2025.

انتقادات ودفاع “للنجاة”
رئيسة مجلس النواب والخصم اللدود لترامب، نانسي بيلوسي قالت -معلقة على مشروع الميزانية- الرئيس يُبيّن مرة أخرى عدم أكتراثه بالصحة السليمة، والأمن المالي وازدهار العائلات الأمريكية الكادحة، لقد سعت ميزانيات الرئيس ترامب عاما بعد عام إلى إجراء اقتطاعات مدمّرة في قطاعات حيوية يعتمد عليها ملايين الأمريكيين.

النائب جون يارموث -رئيس لجنة الميزانية في مجلس النواب- اعتبر ميزانية ترامب تشتمل على مقترحات مدمرة، لا سيما ما يتعلق بتمديد التخفيضات الضريبية الخاصة بالأثرياء والشركات الغنية، مضيفا أن إدارة الرئيس ستدفع ثمن هذه الميزانية لاحقا.

مايا ماكغينيس -رئيسة اللجنة غير الحزبية للميزانية الفدرالية- رغم إشادتها ببعض بنود مشروع الميزانية، قالت: لا نحتاج لوعود زائفة بشأن نمو اقتصادي سريع، نحن بحاجة إلى تحرّك لسدّ العجز البالغ تريليون دولار، وحماية صناديقنا الائتمانية الكبرى، ومنع ارتفاع المديونية إلى مستويات قياسية.

وأضافت: لقد أصبح إعداد الميزانية مهزلة في هذا البلد؛ حيث تستخدم الميزانيات في توجيه الرسائل وذريعة لتبادل الشتائم، يجب أن يدفعنا العجز المالي إلى إعادة النظر بهذا الأسلوب.

مدافعا، قال راسل فاوت مدير الميزانية في إدارة ترامب -في إطار عرضه خطة النفقات والإيرادات في مؤتمر صحفي- مشروع الميزانية مبني على سياسات الرئيس التي تدعم النمو الاقتصادي، والتي أطلقت العنان لأحد أقوى الاقتصادات في التاريخ الأمريكي، مضيفا الوقت قد حان لكبح الإنفاق على القطاعات غير الدفاعية وإعادة النظر بالمساعدات الخارجية، وهذا ما ترجمته ميزانية 2021.

وتابع توقعاتنا بنمو في حدود 3% سنويا، قابلة للتحقّق في السنوات العشر المقبلة، على العكس ما يقوله أخرين.

بحسب “واشنطن بوست”رفض عدد من الخبراء الاقتصاديون هذا الكلام، معتبرين الميزانية المقترحة من شأنها أن تتسبب في فقدان ملايين الأشخاص للغطاء الصحي، وأنها سترفع سقف المديونية بشكل غير مسبوق -الديون الفيدرالية نمت بالفعل بنحو 3 تريليونات دولار في ظل إدارة ترامب، كما حذروا من أن تمديد التخفيضات الضريبية الممنوحة للأثرياء من شأنه أن يقلل الإيرادات بحوالي 1 تريليون دولار.

وعود في الهواء
تحت عنوان “ميزانية ترامب تكشف عن عملية احتيال كبرى”، كتب دانا ميلبانك في “واشنطن بوست”: الميزانية التي بين أيدينا تهدر الكثير من وعود ترامب السابقة، فخلال حملته الرئاسية وعد بالقضاء على الدين الفيدرالي بحلول 2028 وعدم المساس ببرامج الرعاية الصحية والاجتماعية، لكن ميزانية 2021 من المتوقع أن تضيف 3.4 تريليون دولار بحلول 2024 إلى سقف الدين، كما سيستمر هذا السقف في الارتفاع حتى عام 2035 على الأقل، هذا فضلا عن اقتطاعات بعشرات المليارات من “ميديكير” وبرنامج الضمان الاجتماعي.

هذه هي الميزانية الثالثة على التوالي التي تتخلى فيها إدارة ترامب عن وعودها تحديدا الخاصة بخفض سقف الديون، ففي الميزانية الأولى لها توقعت أن يتراجع العجز بحلول 2021 إلى 456 مليار دولار، والآن من المتوقع أن يرتفع بأكثر من ضعف هذا الرقم.. الأمر كله يتعلق برغبة الرئيس في الفوز بولاية أخرى.

هكذا يرى البعض في واشنطن، أن ترامب يضرب في الصميم برامج مرشحي “الديمقراطي”والتي بدأت ملامحها تظهر في  الانتخابات التمهيدية للحزب، وأنه يركز على أولوياته السياسية أكثر من معالجة معضلة الديون، لأن عينه على انتخابات نوفمبر.

ميزانية ترامب لم تحظ بتأييد مجلس النواب، ومن المتوقع أن يتدخل الديمقراطيون بمجلس الشيوخ لإحباط بعض التخفيضات المقترحة وتعديل بعض بنودها قبل إقرارها، البعض يتوقع أنها ستواجه معارضة من الحزبين تحديدا البنود الخاصة بخفض الانفاق المحلي؛ إذ تمس التخفيضات قطاعا عريضا من المواطنين، كما أنها تدفع بسقف الإنفاق إلى حدود أقل بكثير من مقترحات الحزبين.

 

ربما يعجبك أيضا