ناشيونال إنترست | ظلال حرب باردة جديدة تخيم على أوروبا

آية سيد

ترجمة: آية سيد

ترتفع الحرارة مرة أخرى في شرق أوكرانيا؛ حيث يشير معلقون مطلعون إلى احتمالية بدء عمل عسكري مكثف عندما يمر “موسم الطين”. وبصورة مفهومة، قد يعاني الأمريكيون من إجهاد أوكرانيا بعد ملاحظة المؤامرات الغريبة التي ظهرت وربطت المكائد السياسية لكييف وواشنطن على مدار السنوات الخمس الماضية. 

في الوقت الذي تبادل فيه الرئيسان جو بايدن وفلاديمير بوتين الشتائم، احتفل الرئيس الروسي بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم. ولسوء حظ أوروبا، تظل أوكرانيا الأزمة المتأججة التي لا تزال تهدد بإبطال “السلام الطويل” في القارة الأوروبية، وفي الوقت الذي تقع التوترات بين أوكرانيا وروسيا في صميم المشكلات الأكثر حدة في الأمن الأوروبي، تُبين هذه العلاقة الثنائية المشوهة الطريق إلى بعض الحلول المنطقية أيضًا.

يدعي بعض معلقي الأمن القومي الأمريكيين أن “الحرب الباردة الجديدة” ليس لديها الكثير من الأمور المشتركة مع تجربة 1945-1990، لأن مراكز المنافسة الجديدة تقع في العالم السيبراني وعالم التكنولوجيا الفائقة، وليس المنافسة العسكرية والأسلحة النووية، غير أن هذه التقييمات تبدو غافلة عن الارتفاع المستمر في التدريبات من طرف تشكيلات عسكرية ضخمة في أنحاء أوروبا الشرقية في آخر خمس سنوات. إن التوترات المتصاعدة على طول الجبهة بين القوات الروسية والأمريكية ظاهرة على طول جبهة جغرافية ضخمة من المنطقة القطبية الشمالية إلى القوقاز وتتعمق وصولًا إلى الشرق الأوسط.

لقد سُمح لقاذفات القنابل الأمريكية التي كانت تطير بانتظام على طول الأجنحة الروسية بأن “تنزل” للمرة الأولى في النرويج، التي تُعد جارًا لروسيا في “أقصى الشمال.” وبالمثل، زارت الغواصات الأمريكية الأكثر تقدمًا المنطقة مؤخرًا في أعقاب أضخم تدريبات للناتو منذ نهاية الحرب الباردة، وانتشرت القوات الأمريكية، التي تضم دبابات ومروحيات هجومية، في دول البلطيق بترتيب جديد وأصبحت ثابتة بشكل دائم في بولندا. في الوقت نفسه، تقوم الطائرات المسيرة الأمريكية بدوريات على طول الجناح الجنوبي الحساس لروسيا، ويشمل ذلك داخل أوكرانيا وعلى طول الحدود الخارجية لشبه جزيرة القرم. لا عجب في أن روسيا تقوم بخمسة تحديثات كبرى على الأقل بشكل متزامن في قوات هجومها النووية، التي تشمل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وقاذفات القنابل، والغواصات، والطائرات المسيرة، والأسلحة النووية التكتيكية أيضًا.

يفضل الكثير من محللي الدفاع في واشنطن الحديث عن الأسلحة السيبرانية في الوقت الذي يبيعون مشروعات لبرامج جديدة ذات دفاعات سيبرانية محدثة. إلا أن الجمهور الأوسع يظل ليس لديه علم بمئات المليارات التي ستغذي سباق الأسلحة النووية المتصاعد، ناهيك عن القوات الجديدة التي تنتشر الآن في أوروبا. مع هذا، هل هذه الخطوات التصعيدية لها ما يبررها؟

إن التغطية التقليدية لقضية أوكرانيا تؤكد على أن روسيا غزت الدولة بعد أن طُرد الزعيم الفاسد الموالي لروسيا من منصبه جراء احتجاجات غاضبة – والتي تُعرف بأحداث الميدان الأوروبي في أوائل 2014. بعد أن استولى “جنود خضر” على القرم، لم تقنع موسكو وقررت اقتطاع أجزاء أخرى من أوكرانيا في إقليم دونباس. وفي حين أن القصة ليست خاطئة بالكامل، فإنها تفشل في إدراك بعض الفروق الدقيقة المهمة. على سبيل المثال، زعيم أوكرانيا، فيكتور يانوكوفيتش، ربما كان فاسدًا بالفعل، لكنه أيضًا جاء انتخابات ديمقراطية وشرعية. يجب الاعتراف بأن الحشد الغاضب ليس الطريقة المثالية لعزل رئيس مُنتخب ديمقراطيًّا.

وبالإضافة إلى هذا، “فرضية الغزو” لا تتفق مع الحقائق على الأرض. على سبيل المثال، حدث في بداية مايو 2014 تأجيج كبير للمشاعر الموالية لروسيا في أوديسا، والتي تضمنت أعمالًا وحشية شديدة. هذه الأحداث تلائم تفسير الحرب الأهلية أكثر من رواية الغزو المنتشرة في واشنطن اليوم.

ولا يبدو أن الذكريات في واشنطن تعود للوراء أكثر من انتخابات 2016 المتنازع عليها أو الميدان الأوروبي في عام 2014. ومع الأسف، غياب المعرفة التاريخية المنتشر في العاصمة الأمريكية يغذي التوترات المتصاعدة في أوروبا الشرقية. يتعين على الخبراء الاستراتيجيين الأمريكيين التفكير في كيف كان الأمريكيون متعاطفون بشدة مع روسيا القيصرية أثناء حرب القرم عندما واجهت روسيا الإمبريالية الفرنسية والبريطانية. وبالمثل، ينبغي أن يفكروا مليًّا في حقيقة أنه إذا لم تكن القوات السوفيتية قد دفعت ثمنًا غاليًا أثناء الدفاع عن الحصن في سيفاستوبول حتى منتصف 1942، فعلى الأرجح لم يكونوا ليستطيعوا الانتصار في ستالينجراد لاحقًا. بعبارة أخرى، تمسك الكرملين العنيد بالقرم في مواجهة العدوان النازي أثبت أهميته الكبيرة في انتصار الحلفاء في 1945. وأخيرًا، لا يوجد فهم في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية لأن الحدود الداخلية السوفيتية لم تكن ذات أهمية كبرى، لذلك فإن تأثيرها على سياسة ما بعد العصر السوفيتي محدود أيضًا. ولا عجب في أن قاعدة بحرية روسية ضخمة تواجدت في القرم بعد 1991 مرورًا بـ2014 حتى وقتنا الحاضر. بعبارة أخرى، موقف القرم وموقف أوكرانيا بشكل عام أصبح رماديًّا أكثر، ولم يعد أبيض وأسود مثلما يُقدّر معظم الأمريكيين.

إذن، ماذا ينبغي أن نفعل في نهاية المطاف، بخلاف نفض الغبار عن بعض كتب التاريخ؟ أولًا، ينبغي أن تتخذ الولايات المتحدة خطوات صريحة وواضحة لاستئصال المنافسات العسكرية التي أصبحت في أوجّها الآن من المنطقة القطبية الشمالية إلى القوقاز؛ لكي ترى إذا كانت هذه الخطوات التي تهدف إلى خفض التصعيد سيبادلها الكرملين بالمثل. ثانيًا، ينبغي أن تسعى واشنطن إلى إعادة تنشيط ما يُعرف بـ”عملية نورماندي” التي تجلب روسيا وأوكرانيا إلى صيغة تفاوض مع قادة ألمانيا وفرنسا من أجل استقرار الوضع في شرق أوكرانيا.

وأخيرًا، ينبغي أن يدرس الدبلوماسيون الأمريكيون “صفقة كبرى” والتي تمنح عضوية الناتو الكاملة لأوكرانيا مقابل اعتراف دبلوماسي كامل بالسيادة الروسية على القرم. وفي حين أن تحييد أوكرانيا سيكون محبذًا للأمن القومي الأمريكي، هذه الخطوة ضرورية لجعل كييف توّقع على أي تسوية أكبر والتي قد تؤدي إلى تهدئة التوترات. بالنسبة إلى موسكو، فمن شبه المؤكد أن المنافع الاقتصادية الواسعة ستفوق المخاوف الأمنية، وهذه الاتفاقية الخاصة بـ”الالتقاء بمنتصف الطريق” ربما تكون السبيل الوحيد لتهرب أوروبا من قبضة الحرب الباردة الجديدة.

للإطلاع على الموضوع الأصلي إضغط هنا

ربما يعجبك أيضا